باب الهدي وما يتصل بذلك
الهدي في عرف الشرع: اسم لما يُنْحَر أو يُذْبح بمنى أو بمكة وجوباً أو قُرْبَة، وهو يجمع الإبل والبقر والغنم، والبدنة: اسم يختص الإبل، والهدي يجمع الثلاثة، ومن يجب عليه الهدي لأجل الحج فهو القارن والمتمتع، والقارن يجب عليه نحر بدنة قد ساقها، وكذلك إن لم يسقها، والمتمتع يجب عليه ما استيسر من الهدي وأفضله: البدنة ثم البقرة ثم الشاة.
والبدنة تجزئ عن عشرة من المتمتعين، والبقرة عن سبعة - قال في (الأحكام) : إذا كانوا من أهل بيت واحد -، والشاة عن واحد.
قال أبو العباس: إنما يجوز الإشتراك في الهدي إذا كان من يشاركه في الهدي مؤدياً فرضاً، وإذا لم يكن مؤدياً فرضاً لم يجز أن يشاركه متقربا كان أو غيره، وعلى هذا يدل ظاهر قول يحيى عليه السَّلام: تجزئ البدنة عن عشرة من المتمتعين. والأقرب أن يكون قوله إذا كانوا من أهل بيت واحد إنما قصد به أن يعرف بعضهم أحوال بعض، فيعلم كل واحد منهم أن شريكه مثله في كونه مؤديا للفرض.
قال القاسم عليه السَّلام، في مسائل النيروسي: وما أحب للتمتع أن يشارك في دم، فإن لم يجد ما ينفرد به، صام ما أمره اللّه تعالى به.
قال أبو العباس: معنى وقوله: فإن لم يجد ما ينفرد به. هو: أن لا يجد من يشاركه في غير الشاة إلا حلالا.(1/252)
قال: والتفرد أفضل ما أمكن، ولو أن سبعة من المتمتعين اشتركوا في بدنة، فضلت عنهم أو سُرِقَت وأخلفوا مكانها أخرى ثم وجدوا الأولى فعليهم أن ينحروا إحداهما وينتفعوا بالأخرى، إن شاؤا ببيع أو غيره، فإن اشتركوا في هدي تطوعا فَضَلَّ ثم أخلفوا بدله أجزى، ثم وجدوه، وجب عليهم أن يهدوهما جميعاً وينحروهما، ولا يجوز أن ينتفعوا بواحد منهما، ومن ساق هدياً، بدنة كانت أو بقرة أو شاة فَنَتَجَتْ في الطريق فالولد هدي كالأم، ولا يجوز لصاحبها أن يشرب من لبنها أو يسقي أحداً غيره، فإن فعل فليتصدق بقيمته، فإن خشي على الهدي من تركه في ضَرْعِه حَلَبَه وتصدق به، وإن خاف على الهدي عَطَباً في الطريق جاز أن يبيعه ويستبدل بثمنه هدياً آخر، فإن كان ثمنه قاصراً عن ثمن مثله وجب عليه أن يتمه من عنده، وإن كان/123/ زائداً اشترى بالزيادة هدياً آخر، ولو شاة، فإن لم يبلغ قيمته شاة اشترى به طعاماً وتصدق به، وكل هدي يساق للعمرة فهو مضمون على صاحبه إلى أن يبلغ الحرم، فإن عطب دونه ضمنه، فإن بلغ الحرم وخشي عطبه فنحره أجزأه، وكل هدي للحج فإنه يكون مضمون عليه إلى أن يبلغ منى، فإن تلف دونه ضمنه صاحبه.
ومكة محل المعتمرين كما أن منى محل الحاجين.(1/253)
والمتمتع إذا لم يجد الهدي صام قبل التروية بيوم، ويوم التروية ويوم عرفة، فإن خشي قبل انتهائه إلى مكة أن لا يجد الهدي وأن لا يتمكن من صيام هذه الثلاثة، جاز أن يصومها إذا أحرم بالعمرة، ويصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله. قال القاسم عليه السَّلام: فإن صامها في طريقه في المُنْصَرف أجزأه، وإن صامها عند أهله وصل صيامها ولم يفرقه. وهذا على الإستحباب عند أصحابنا. وقال عليه السَّلام: إمكانه وتيسيره بالغناء والجِدَة.
قال القاسم عليه السَّلام - فيمن فاته صيام الأيام الثلاثة قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة - صامها في أيام منى، فإن لم يصمها حتى خرجت فعليه دم، فإن صامها ثم وجد السبيل إلى الهدي فإن وجده في أيام النحر فعليه الهدي، ولا يعتد بصيامه سواء وجده قبل التحلل أو بعده، على موجب ظاهر المذهب، فإن وجده بعد أيام النَّحر فلا شيء عليه. وعلى هذا إن وجده وقد دخل في الصوم ولم يفرغ عنه، فالأولى أن يلزمه الإنتقال إلى الهدي وأن لا يعتد بما صام، وكل هدي يكون عن كفارة أو جزاء أو فدية، فإنه لا يجوز لصاحبه أن يأكل منه، ولا أن ينتفع به، ولا أن يعطي من يجزره أو يذبحه منه جلدا ولا لحماً.
والبدنة إذا سيقت وهي هدي فلا يجوز أن يُحْمَل عليها شيء، إلا أن تَنْتُج فيحمل عليها ولدُها، ولا يجوز أن يركبها هو، ولا من يتصل به من خدمه، ولا مِنْ غيرهم إلاَّ من ضرورة، فيركب ركوباً خفيفاً لا يتعبها ولا يغيرها. فإن رأى صاحبها رجلا من المسلمين قد فَدَحَهُ المشي جاز له أن يُرْكِبه إياها في الوقت بعد الوقت والليلة بعد الليلة.(1/254)
باب ذكر الحاج إذا ورد الميقات عليلاً والمرأة إذا وردته حائضاً أوحاضت بعد ذلك
الحاج إذا ورد الميقات وهو عليل علة لا يستطيع معها الإحرام والدخول في الحج، ولا يعقل، فإنه يُؤَخَّر أمره إلى آخر المواقيت ثم يُجَرَّد من ثيابه ويُغْسَل أو يُصَبُّ عليه الماء صباً إن لم يضره ذلك، فإن كان التجرد من الثياب يضره فإنه يلبس ما يحتاج إليه من الثياب وعليه الفدية، ثم يُهَلُّ عنه بما كان نواه من حج أو عمرة، ويقول من ينوب عنه: اللهم هذا عبدك قد خرج قاصداً إلى الحج، وقد أحرم لك شعره وبشره ولحمه ودمه. ثم يلبي عنه، ويجنبه ما يجب على المحرم اجتنابه، وينوب عنه في ذلك رفقاؤه ومن هو أخص به من عشيرته وأهله أوزميله.
فإن أفاق عند انتهائه إلى مكة قضى أعمال مناسكه، وإن لم يفق فإنه يُطَافُ به ويُسْعى بين الصفا والمروة، ثم يُحْمَل إلى مِنَى، ثم إلى عرفة فيوقف به هناك، ثم يُفَاضُ به إلى المزدلفة فيبيت هناك، ثم يُحمل في اليوم الثاني وهو يوم النَّحر إلى المَشْعَر الحرام، ثم يرد إلى منى ويُرْمَى عنه وينحر أو يذبح إن لزمه الهدي، ويُحْلَق رأسه أو يُقصر ويُرْمَى عنه في سائر أيام منى، ويرد إلى مكة ويُطاف به طواف الزيارة، ثم طواف الوداع، وقد تم حجه.
فإن احتيج إلى مداواته بدواء فيه طيب أو إلى أن يلبس ما لا يجوز للمحرم أن يلبسه فَعَلَ ذلك، وتلزمه الفدية، فإن مات قبل أن يحل من إحرامه لم يغط رأسه ولم يحنط بحنوط فيه شيء من الطيب، وإن كانت امرأة لم يغط وجهها، ذكر ذلك محمد بن يحيى.(1/255)
وأما المرأة فإنها إذا وافت الميقات وهي حائض فإنها تغتسل وتحرم كما يحرم غيرها من النساء إلا أنها لا تصلي وتفعل جميع ما ذكرنا أن الحاج يفعله، فإذا انتهت إلى مكة فإن كانت قد طهرت اغتسلت وطافت وسعت، وإن لم تكن طهرت فإنها لا تدخل المسجد ولا تطوف ولا تسعى، فإن كانت حاضت بعد الطواف جاز لها أن تسعى وهي حائض، وإن لم تكن طافت للمانع الذي بها، فإنها لا تدخل المسجد وتنتقل يوم التروية إلى منى فتقضي جميع أعمال مناسكها وتعود إلى مكة، فإذا طهرت اغتسلت وطافت لحجتها وسعت، ثم طافت طواف/125/ الزيارة، فإن كانت متمتعة فإنها ترفض العمرة إذا وردت مكة ولما تطهر، ورفضها لها: أن تنوي أنها قد رفضتها وتفرغت عنها لأعمال الحج، وعليها دم لرفضها العمرة، ثم تغتسل وتحرم وتهل لحجتها وتخرج إلى منى وتقضي مناسكها، فإذا عادت إلى مكة طافت لحجتها وسعت، وطافت طواف الزيارة، ثم أحرمت لعمرتها التي رفضتها من أدنى مواقيت مكة، إما من مسجد عائشة، وإما من الشجرة، وإما من الْجُعُرَّانة، ثم تطوف وتسعى لعمرتها، ثم تقصر من شعر رأسها، فتكون قد قضت عمرتها التي رفضتها.(1/256)