ومن أخر الرمي عن وقته ورمى في آخر أيام التشريق، فعليه دم، وكذلك إن أخر كل رمِي يوم إلى الغد، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
فإن رمى بسبع حصيات مجتمعة لم يعتد بما رمى منها، ويعيد رميها واحدة بعد أخرى، ومن نسي من رميه حصاة أو حصاتين أو ثلاثاً أو أربعاً، وذكر ذلك في أيام التشريق، فعليه أن يرمي بما نسيه، ويتصدق عن كل حصاة بنصف صاع من طعام، وإن نسي من/119/ كل جمرة أربع حصيات ورماها بثلاث، فعليه دمٌ، ويرمي بما نسيه إن كان بقي من أيام الرمي شيء، وتحصيل المذهب فيه أنَّه إن كان رمى جمرة من الجمار بأكثر الحصيات، فعليه عن الباقي صدقة، وإن رمى بأقلها فعليه دم.
ومن عاد إلى مكة في أيام منى فدخلها نهارا وأقام بها إلى الليل، فعليه دمٌ، ومن دخلها ليلاً فأقام بها إلى أن يصبح، فعليه دم. قال في (المنتخب) : إذا كان دخلها في أول الليل.
قال أبو العباس: ويجب عليه ذلك، يعني الدم، ليلة النفر الثاني إذا لم يكن نَفَرَ، وإن كان نفر لم يلزمه شيء، كما يجب عليه في حج التطوع من الكفارة والفدية ما يجب في واجبه، وإن لم يكن عليه إذا لم يتطوع.
قال رحمه اللّه: وليالي منى ثلاث؛ لأن ليلة النحر هي لمزدلفة.
قال: وإن فرق البيتوته: كان عليه لكل واحدة منها كفارة، كما نصّ يحيى عليه السَّلام، على أن المحرم إذا فَرَّق لباس رأسه وبدنه ورجليه، كان عليه لكل واحد منهما كفارة، وإن كان ذلك إذا وصل يجب فيه كفارة.
ومن جامع بعدما رمى وحلق قبل أن يطوف طواف الزيارة، فعليه دم.(1/247)
قال يحيى عليه السَّلام في المتمتع إذا جامع بعدما طاف وسعى لعمرته قبل أن يُقَصِّر: فأكثر ما عليه دم.
قال القاسم عليه السَّلام: يستحب له أن يريق دماً، وإن أخَّرَ الحاج طواف الزيارة إلى آخر أيام التشريق، جاز ذلك ولا شيء عليه، فإن أخره حتى تمضي أيام التشريق فعليه دم، على مقتضى منصوص يحيى عليه السَّلام.
ومن طاف طواف الزيارة وهو جُنُب ناسياً، أو طافته امرأة حائضاً، وجب عليهما إعادته ما داما بمكة، فإن لحقا بأهليهما من غير إعادة، فعلى كل واحد منهما بدنة، ومتى عادا قضياه، وكذلك من طافه على غير وضوء فإنه يتوضأ ويعيده، فإن لم يعده فعليه دم.
ومن نسي طواف الزيارة فعليه الرجوع حتى يقضيه، وإن كان قد لحق ببلده فإلى أن يرجع يكون حكمه حكم المحصر.
قال أبو العباس: يكون حكمه حكم المحصر في أن ينتظر العود لا في أن له الإحلال من النساء، فإنه لا يزال ممنوعاً من وطئ النساء إلى أن يقضيه، ويجوز أن يقال: إنَّه في حكم المحصر، على معنى أنَّه ممنوع من وطئ النساء فقط دون غير ذلك، مما يَمْنَع منه/120/ الإحرام، فإن وطأ فعليه بدنة.
ولو أن قارناً دخل مكة وخشي أن يفوته الحج، فلم يطف ولم يسع لعمرته، وبادر إلى عرفات، ثم علم أن في الوقت فضلاً فعاد إلى مكة وطاف وسعى لعمرته؛ كان عليه دم لرفضه لعمرته؛ لأنَّه صار رافضاً لها بدخوله في أعمال الحج ونيته له، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
ومن عرض له عارض في طوافه، فقطعه، فإنه يبني على ما طاف ولا شيء عليه، وكذلك إن قطع سعيه.(1/248)
قال القاسم عليه السَّلام - فيما روى عنه يحيى - فيمن نسي التلبية حتى قضى مناسكه كلها: لا شيء عليه، وينبغي ألاَّ يتركها متعمدا، ولا يبعد أن يكون المراد به غير النطق الذي ينعقد به الإحرام.
ومن سعى بين الصفا والمروة وهو على غير طهارة فقد أساء، ولا شيء عليه.
ولا يكره الطواف في شيء من الأوقات إلا في الأوقات الثلاثة التي نُهِيَ عن الصَّلاة فيها.
قال القاسم عليه السَّلام - فيما حكاه عنه على بن العباس -: من نسي ركعتي الطواف قضاهما حين يذكر. وقد ذكر ذلك أبو العباس.
قال أبو العباس: ويكره - فيما نصه محمد بن يحيى عليهما السَّلام - جمع أسابيع الطواف وصلواتها، وروى النيروسي عن القاسم عليه السَّلام، قال: سألته عن رجل يطوف أسبوعين أو ثلاثة كم يصلي لها؟ قال: يصلي لكل أسبوع منها إذا فرغ ركعتين. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: ليس هذا [هو] المخالف لما ذكره محمد بن يحيى عليه السَّلام من كراهة ذلك، إذ هو بيان كيفية ما عليه من الصَّلاة إذا فعل ذلك، وهو لا يدل على أنَّه غير مكروه.
ويكره الكلام في الطواف ولا يفسده، نصّ عليه القاسم عليه السَّلام.
ومن ترك من السعي أربعة أشواط فعليه دم، فإن ترك ثلاثة أطعم عن كل شوط مسكيناً، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
ومن حلق قبل الذبح ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه، ويكره ذلك للعامد، وكذلك القول فيمن قدم الذبح على الرمي، والحلق على الرمي، على ما يقتضيه تنبيه يحيى عليه السَّلام على ذلك.(1/249)
قال محمد بن القاسم فيمن ترك الرمل في الطواف والسعي: يكون مسيئاً ولا شيء عليه، وكذلك من ترك استلام الحجر الأسود.
ومن غلط فطاف ثمانية أشواط رفض الثامن، ولا شيء عليه.
قال /121/ القاسم عليه السَّلام - فيما حكاه عنه علي بن العباس -: من لم يدر أستاً طاف أو سبعاً؛ فليعد، وهذا على أصله وأصل يحيى عليه السَّلام، إذا لم يغلب على ظنه عدد ما فعل منه.
وطواف الوداع وهو طواف الصَّدَر، واجب، على مقتضى قول يحيى عليه السَّلام، فإذا طاف للوداع ثم أقام بمكة أياماً، فإنه لا يجزيه عن طواف الوداع، على ظاهر إطلاق يحيى عليه السَّلام.(1/250)
باب ذكر ما يفسد الحج وما يتصل بذلك
من جامع قبل الوقوف بعرفة أو بعد الوقوف بها إلى أن يرمي جمرة العقبة، فسد حَجُّه.
والتَّحلل يقع بالرمي، ولا يعتبر فيه الحلق، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وهو الذي ذكره أبو العباس وخرجه على المذهب.
ومن أفسد حجه بالجماع فعليه أن يمضي في حجه الفاسد وأن ينحر بدنة، وأن يحج في السنة المقبلة وأن يحج بامرأته التي أفسد عليها حجها، وإن كانت امرأته طاوعته وجب عليها أيضا أن تنحر بدنة، وإن كان الزوج أكرهها وجب عليه أن ينحر عنها بدنة، ولم يلزمها ذلك، فإذا حجا في السنة الثانية فبلغا الموضع الذي أفسدا فيه حجهما افترقا، والإفتراق ألاّ يركبا في مَحْمَل واحد ولا يخلوا في بيت واحد، ويجوز أن يكون بَعِيْرُ أحدهما قَاطِراً إلى بعير الآخر. قال أبو العباس: فإن لم يجد بدنة صام مائة يوم، فإن لم يطق أطعم مائة مسكين.
والإحرام يفسد بالوطئ إذا وقع على وجه النسيان، كما يفسد بالعمد، ولزوم القضاء والفدية، على ما يقتضيه ظاهر إطلاق يحيى، وإحرام العمرة كإحرام الحج في فساده بالوطئ ولزوم القضاء والفدية، على مقتضى أصل يحيى عليه السَّلام.
والقارن إذا فسد حجه فعليه دم لقرانه وبدنتان، بدنة لإفساد حجه، وبدنة لإفساد العمرة، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، ومن أتي امرأته في الموضع المكروه أو تلوط أو أتى بهيمة في حال الإحرام فحكمه حكم من وطئ الفَرْجَ، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.(1/251)