تناول هذا الكتاب بالشرح والتعليق العلامة الشهير زيد بن محمد الكلاري - وهو من تلامذة المؤلف - حيث شرحه بكتاب ضخم ضمنه اختلاف الفقهاء وتفريعاتهم وأدلتهم، إضافة إلى شرح نص الكتاب والتفريع عليه وهو مخطوط في ستة مجلدات، وقد حظي ذلك الشرح بالقبول وتداوله الفقهاء وأولوه عناية خاصة حتى أنه غلب عليه في أوساط الزيدية اسم (الشرح) فإذا أطلق فهو المراد، حتى جاء شرح ابن مفتاح على الأزهار.
قام العلامة الأمير الحسين بن بدر الدين المتوفى (663 هـ) بشرحه وذكر أدلته في ثلاث مجلدات ضخمة سماه: (التقرير في شرح التحرير).(1/22)


أسلوب المؤلف في الكتاب
عندما نقارن كتب المؤلف ببعض مؤلفات معاصريه من حيث التبويب والتقسيم والترتيب، وفي هذا الكتاب أبدى المؤلف مهارة في صياغة الأفكار وتهذيب المسائل تجعلنا ندرك بوضوح تميُّز أسلوبه وسلامته من التعقيد، فهو كما قال مؤلفه: (( لايكاد يوجد مثله في سائر كتب أصحابنا )).
وفيما يلي سنحاول التنبيه على بعض الأساليب التي اتبعها المؤلف في هذا الكتاب خصوصاً ما لايكاد يعرف إلا بالبحث والتأمل:
يطلق المؤلف القول إذا كان مما هو مشهور عن القاسم والهادي (ع)، وما ليس كذلك فإنه يشير إلى مصدره، قال في مقدمة الكتاب: (( واعلم أن جميع ما أطلق القول فيه من المسائل فهو من مشاهير نصوص القاسم ويحيى وعللهما عليهما السلام، وما عدا ذلك مما روي عنهما، ولايجري في الاشتهار مجرى نصوصهما أو ذكره أولادهما، أواستنبطناه نحن من كلامهما وعللهما، أو أخرجه أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني رحمه اللّه على أصولهما، فإني أنسبه إلى جهته، لئلا يلتبس منصوصهما المشهور بغيره، وقد قصدنا في أكثر ما أردناه تحرير عقود الأبواب التي تبنى مسائلها عليها، وترتيب المنصوص عليه من المسائل والمخرج على وجه يسهل معه تصور المذهب)) .
يعمل المؤلف في الغالب على وضع ضابط لفقه الباب الواحد يشرح ذلك ويفصله، ثم يأخذ في ضرب الأمثلة وشرحها مركزاً على تنوعها، لعل القارئ يعي المراد ويقيس مالم يذكر على ما ذكر.
المسائل الفقهية التي تضمنها الكتاب لاتعني اختيار المؤلف، ولكنها تعني ماذهب إليه القاسم والهادي وولداه.(1/23)


لايستدل المؤلف في هذا الكتاب إلا نادراً؛ إذ الإستدلال غير مراد هنا، وقد يذكر الحديث بمعناه.
عندما يحكي المؤلف نصاً عن كتاب (الأحكام) أو (المنتخب) فإنه - في الغالب - لايذكره بلفظه، وهذا ما أعاقني عن وضع علامة تنصيص على تلك النصوص.
حرص المؤلف على التمييز بين ما هو مقتضى نص أحد الأئمة وبين ما هو تخريج وقياس، فلذا تراه يشير بعد ما كان مقتضى نص أحد الأئمة إلى أنه نص عليه في كذا.. أو نص عليه فلان. وما كان تخريجا فإنه يقول بعده: تخريجا .. أو على أصل فلان. وهكذا.
يبدو أن المؤلف اعتمد على كُتب أبي العباس الحسني كثيراً، فإنه كثيراً ما يقول: قال أبو العباس.. وقال.. وحكى.. ألخ.
كثيراً ما يرد في الكتاب: قال السيد أبو طالب رحمه الله. فيُحْتَمَل أن يكون ذلك من المؤلف نفسه، ويحتمل أن تكون بلفظ: قلت. فحولها بعض النساخ في زمن متقدم إلى : قال السيد أبو طالب. كنوع من التوضيح. ولايستبعد أن يكون المؤلف نفسه هو الذي فعل ذلك، كما يقول بعض المؤلفين: قال الحقير إلى عفو الله فلان بن فلان لطف الله به، أو وفقه الله ونحو ذلك.
***(1/24)


الأئمة المعتمد فقههم في الكتاب
ذكرنا فيما مضى أن هذا الكتاب خلاصة لفقه الأئمة الأربعة: القاسم بن إبراهيم، والهادي، والمرتضى، والناصر، ولا بد لنا هنا من التعريف بهم تتميما للفائدة، فهذه تراجم مقتضبة إختصرتها من كتاب (الإفادة) للمؤلف رحمه الله أرجو أن تؤدي المراد.(1/25)


الإمام القاسم بن إبراهيم عليه السلام
هو: أبو محمد القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
كان نجم آل الرسول صلى اللّه عليه وعلى آله، المبرز في أصناف العلوم وبَثِّها ونشرها وإذاعتها، تصنيفاً وإجابة عن المسائل الورادة عليه، والمتقدم في الزهد والخشونة ولزوم العبادة.
ومن أحب أن يعرف تقدمه في علم الكلام فلينظر في: (كتاب الدليل ) الذي ينصر فيه التوحيد، ويحكي مذاهب الفلاسفة، ويتكلم عليهم، ويتكلم في التراكيب والهيئة، وفي : (كتاب الرد على ابن المقفع ) ونقضه كلامه في الانتصار لما فيه من التثنية، وفي الكتاب الذي حكى فيه (مناظرته للملحد بأرض مصر )، وفي (كتاب الرد على المجبرة )، وفي (كتاب تأويل العرش والكرسي ) على المشبهة، وفي (كتاب الناسخ والمنسوخ )، وفي كلامه في (فصول الإمامة ) والرد على مخالفي الزيدية، وفي (كتاب الرد على النصارى ).
وحدثني أبو العباس الحسني رحمه اللّه قال سمعت أبا بكر محمد بن إبراهيم المقانعي ، يذكر عن أبي القاسم عبد اللّه بن أحمد بن محمود ، عن مشائخه أن جعفر بن حرب دخل على القاسم بن إبراهيم عليه السلام فجاراه في دقائق الكلام، فلما خرج من عنده قال لأصحابه: أين كنا عن هذا الرجل، فواللّه ما رأيت مثله؟!(1/26)

5 / 168
ع
En
A+
A-