باب التَّمَتُّع
المتمتع بالحج هو: من يتمتع بالعمرة إلى الحج، فيبتدئ بالعمرة، فإذا طاف لها وسعى وفرغ من ذلك قَصَّر وحَلَّ من إحرامه، ثم يبتدئ بالإحرام للحج، فيكون قد تمتع فيما بين إحرامي العمرة والحج بما لا يجوز للمُفْرِد والقارن أن يتمتع به، مما يمنع منه الإحرام من الطيب ولبس الثياب والوطء وغير ذلك، والتمتع هو الانتفاع.
ولصحة التمتع بالعمرة إلى الحج شروط، منها: أن لا يكون الحاج المتمتع من أهل مكة، ولا من أهل المواقيت، ولا مَنْ داره بين الميقات وبين مكة، على أصل يحيى عليه السَّلام ومقتضى كلامه، وعلى ما خَرَّجه أبو العباس. وتحصيل المذهب فيه أن مَنْ يكون ميقاته داره لا يكون متمتعاً.
ومنها: أن يكون إحرامه للعمرة في أشهر الحج، فلا يكون عند وروده الميقات معتمراً عمرة قد أحرم لها قبل أشهر الحج.
ومنها: أن تكون عمرته في هذه الأشهر قد أحرم لها عند ورود الميقات أو قبله.
ومنها أن تكون العمرة والحج في سفر واحد.
ولو أن رجلاً ورد مكة معتمراً في/116/ غير أشهر الحج وأقام بها، ثم اعتمر بها في أشهر الحج، ثم حج لم يكن متمتعاً، وكانت حجته مكية.
ولو أن رجلاً اعتمر في أشهر الحج وأقام بمكة إلى السنة الثانية، ثم أعتمر أيضا في أشهر الحج لم يكن متمتعاً، على مقتضى قول يحيى عليه السَّلام.
ولو أن رجلاً أحرم بالعمرة في أشهر الحج في ميقات بلده أو قبله وورد مكة وقضى عمرته ثم اعتمر بها عمرة أخرى وحج في تلك السنة كان متمتعا بالعمرة الأولى، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وقد ذكره أبو العباس.(1/242)
ولو أن رجلاً أحرم بالعمرة من ميقات بلده أو قبله في أشهر الحج، وورد مكة فاعتمر، وفرغ من العمرة وحَلَّ منها ثم عاد إلى أهله، وورد ثانياً في تلك السنة، وحج لم يكن متمتعاً، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
والمتمتع إذا انتهى إلى الميقات أحرم لعمرته كما ذكرنا، ونوى أن إحرامه للعمرة متمتعاً بها إلى الحج، وينطق بذلك فيقول: اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي. ويذكر ذلك في تلبيته ويفعل في إحرامه ومسيره وعند انتهائه إلى الحرم ما ذكرنا أن المُفْرِد يفعله، إلا أنَّه يقطع التلبية عند نظره إلى الكعبة وابتدائه بالطواف، ثم يطوف ويسعى لعمرته كما بينا أن المفرد يفعله لحجته.
فإذا فرغ من ذلك قَصَّر من شعره. قال أبو العباس: يأخذ من مقدم رأسه ومؤخره وجانبيه ووسطه، ويجزيه أن يأخذ قدر أنملة. قال القاسم عليه السَّلام: يأخذ ما وقع عليه اسم التقصير من وسط ليس فيه تقصيرولا إفراط، وروي عن القاسم عليه السَّلام أنَّه يُقَصِّر ولا يحلق.
فإذا كان يوم التروية أحرم للحج وأَهَّل به من المسجد أومن حيث شاء من مكة، ثم يخرج إلى منى ويفعل في حجه جميع ما ذكرنا أن المفرد يفعله، إلا أنَّه يجب عليه الهدي فينحر بَدَنَةً أو يذبح بقرة أو شاة إما مفرداً بالهدي أو يكون مشتركاً فيه بينه وبين غيره، على ما نبينه في باب الهدي، ويأتي بسائر أعمال الحج.
فإذا عاد إلى مكة من منى طاف وسعى لحجته ثم يطوف طواف الزيارة، ثم يطوف طواف الوداع كما ذكرنا.
والمتمتع إذا فرغ من العمرة فله أن يتحلل، ساق الهدي أو لم يسق، على مقتضى قول يحيى عليه السَّلام/117/ .(1/243)
باب القِرَان
القِرَان هو: أن يجمع بإحرام واحد بين العمرة والحج، ولا يفصل بينهما، ولا يُحِلُّ من إحرامه بعد الفراغ من العمرة، ويصل ذلك بأعمال الحج، ويسوق بَدَنَةً من موضع إحرامه إلى منى ، فإن القِرَان لا يكون إلا بسوق بدنة، فإذا حضر الحاجُّ الميقات وأراد القران أناخ بدنته، فإذا اغتسل ولبس ثوبي إحرامه، عَمَد إلى البدنة فَيُشْعِرَهَابِشَقٍّ في شِقِّ سَنَامها الأيمن حتى يُدْمِيَها، ويقلدها فَرْدَ نعله ويجللها بأي جَلٍّ كان، ويصلي ويحرم كما ذكرنا، وينوي في إحرامه القران بين العمرة والحج، وينطق بذلك فيقول: اللهم إني أريد الحج والعمرة معا ًفيسرهما لي. ويذكر ذلك في التلبية ويفعل في مسيره وعند انتهائه إلى الحرم وإلى مكة وعند دخول المسجد ما ذكرناه.
ثم يطوف سبعاً كما بينا، ويسعى بين الصفا والمروة لعمرته، وينوي ذلك ولا يُقَصِّر شيئاً من شعره إذا فرغ من ذلك، ويثبت على إحرامه، ثم يطوف ويسعى ثانياً لحجته إن أحب تعجيل ذلك، ثم يخرج إلى منى يوم التروية، ويأتي بباقي أعمال حجته كما وصفنا.
فإن قَرَنَ من غير سَوْقِ بدنة جاهلاً بذلك، فعليه بدنة ينحرها بمنى، هكذا حكى أبو العباس عن محمد بن يحيى عليه السَّلام، والصحيح على أصل القاسم ويحيى عليهما السَّلام أنَّه لا يكون قارناً إذا لم يسق الهدي. ويستحب له أن يقف ببدنته المواقف التي يقفها.(1/244)
باب ذكر ما يفعله الإمام في أيام الحج
ينبغي للإمام أن يخطب النَّاس بمكة قبل يوم التروية، ويعلمهم فيها مناسك الحج وما يعملونه فيه، فإذا كان يوم التروية خرج عند انتصاف النهار إلى منى، فيصلي بالناس بها الظهر والعصر، ويقيم بها حتى يصلي المغرب والعشاء الآخرة ويبيت، فإذا أصبح صلى صلاة الصبح، ثم يتوجه إلى عرفة فيخطب هناك كما خطب بمكة، ويفصل بين كلامه بالتلبية، ثم يعود إلى الخطبة ويفعل ذلك ثلاثاً أو خمسا أو سبعاً، وحكى أبو العباس عن محمد بن يحيى رضي اللّه عنه أنَّه يخطب يوم/118/ النَّحر للعيد وأنه يصلي صلاة العيد ثم يخطب.(1/245)
باب واجبات المناسك التي يُجْبَر تركها بالدم وما يستحب فعله منها وما يتصل بذلك
من نسي السعي بين الصفا والمروة حتى خرج من مكة، فعليه أن يرجع ويسعى، فإن لم يمكنه الرجوع فعليه دَمٌ يُرِيْقُهُ في أي موضع كان، ومتى رجع إلى مكة قضاه استحباباً، ومن ترك طواف القدوم فإنه يطوف مادام بمكة، فإن خرج من غير أن يطوفه فعليه دم، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
قال القاسم عليه السَّلام: إن فرق بين الطواف والسعي لعلة فلا بأس، ويسعى في آخر يومه أو في غده، فإن كثرت الأيام استحب له أن يُرِيْقَ دماً.
ومن دخل الحجر في طوافه جاهلاً بالنهي عنه فلا شيء عليه، وإن دخله مع العلم بذلك فعليه دم، وهذا في الطواف الواجب إذا لم يعده، فإن أعاده لم يلزمه شيء.
قال أبو العباس: إن نَكَّس الطواف كله أعاده، وإن نكس السعي ألغى الأولفلايحتسب به.
والقارن والمتمتع إذا أخَّرا ذبحَ هديهما حتى تخرج أيام النَّحر، فعليهما أن يذبحا ما لزمهما من الهدي، وأن يريقا دماً لتأخير ذبحه عن وقته، ولهما أن يأكلا من الأول دون الثاني الذي هو الجزاء.
ومن عرض له عارض في طوافه وسعيه فقطعه، فإنَّه يبني على ما طاف وسعى، ولا شيء عليه.
قال محمد بن يحيى عليه السَّلام فيما حكاه عنه أبو العباس: مَنْ بات عشية عرفة في غير المزدلفة لعذر أو لغير عذر فعليه دَمٌ. ولا يجوز الرمي قبل طلوع الفجر يوم النحر إلا النساء لضعفهن.
قال القاسم عليه السَّلام - في المريض الذي لا يستطيع الرمي -: يُرمَى عنه ويُهْرِيْقَ دماً.(1/246)