قال أبو العباس فإذا انتهى إلى مؤخر الكعبة وهو المُسْتَجَار دون الركن اليماني بقليل بسط في الشوط السابع يديه على البيت وألصق به بطنه وخَدَّيه، وقال: اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مقام العائذ بك من النَّار.
وأما المرأة فإنها لا تهرول في طوافها وسعيها ولا تزاحم الرجال ولا تستلمفي الزحمة، وإن لم يمكنها ذلك إلا بمزاحمة الرجال أشارت، وتخفض صوتها عند التلبية، والوقوف في أسافل الصفا والمروة أزكى لها.
فإذا فرغ من الطواف صَلَّى ركعتين وراء مقام إبراهيم عليه السَّلام، يقرأ في الأولى منهما: بفاتحة الكتاب وقل يأيها الكافرون، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وقل هو اللّه أحد، وإن قرأ في الأولى بفاتحة الكتاب وقل هو اللّه أحد، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون جاز، وإن قرأ بغيرهما من المفَصَّل جاز. ثم ينهض ويستقبل الكعبة ويدعو بما يريده لنفسه ولغيره. ثم يدخل زمزم إن أحَبَّ ويشرب من مائها ويَطَّلع فيها.
ثم يخرج إلى الصفا من بين الأسطوانتين المكتوب فيهما، فإذا استوى عليه استقبل الكعبة بوجهه، ويدعو بما حضره ويسبِّح اللّه ويهلله ويصلي على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم.(1/237)
قال يحيى عليه السَّلام: يقرأ الحمد وقل هو اللّه أحد والمعوذتين وآية الكرسي وآخر الحشر، ثم ليقل: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، نَصَر عبده وهزم الأحزاب وحده لا شريك له، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم، اللهم/113/ اغفر لي ذنبي، وتجاوز عن خطيئتي، ولا تَرُدَّني خائباً يا أكرم الأكرمين، واجعلني في الآخرة من الفائزين. ثم ينزل عن الصفا ويمضي حتى إذا حاذى المِيْل الأخضر المعلق في جدار المسجد هرول حتى يحاذي المِيْل المنصوب في أول السراحين، ثم يمشي حتى ينتهي إلى المروة، ويدعو في حال سعيه، ويصعد المروة ويواجه الكعبة ويدعو بمثل ما دعا به على الصفا، فيكون ذلك شوطاً واحداً، ثم يعود إلى الصفا ويسعى بينهما كذلك سبعة أشواط.
قال القاسم عليه السَّلام في (مناسكه) : يبدأ بالصفا ويختم بالمروة. قال أبو العباس: إذا بلغ المروة كان شوطاً وإذا عاد إلى الصفا كان شوطاً، وحكاه عن القاسم، فإذا فعل ذلك فقد فرغ من الطواف والسعي.
ثم يأتي رحله، فإذا كان يوم الترويةسار ملبياً إلى منى، ويستحب له أن يصلي الظهر والعصر بمنى، والمغرب والعشاء الآخرة ليلة عرفة ويبيت بها، فإذا أصبح يوم عرفة صلى بها صلاة الفجر، وإن أتاها في آخر ليلة عرفة أستحب له أن يُعَرِّسَبها ساعة، فإذا أصبح صلى بها صلاة الفجر.(1/238)
ثم يسير منها إلى عرفة، وليكن في هذا اليوم صائماً إن استطاع، فإذا انتهى إليها نزل بها حتى يصلي الظهر والعصر، ثم جاء إلى الموقف، فإن أحب أن يأتيه بعد الظهر فعل، ثم يقف في الموقف، وعَرَفَةُ كلها موقف ما خلا بطن عُرَنَة، وينبغي له أن يجتهد في الدُّنُوِّ من موقف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فيما بين الجبال، فإذا وقف ذكر اللّه تعالى وسَبَّحه وهلله واستغفره ودعا لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات، إلى أن تَجِبَ الشمس، والمستحب في الوقوف هو الجمع بين جزء من النهار وجزء من الليل، على أصل يحيى عليه السَّلام.
فإذا غربت الشمس أفاض ملبياً نحو المزدلفة بالسَّكينة والوقار، ويكثر من الذِّكر والإستغفار، ولا يصلي المغرب والعشاء الآخرة حتى يحصل بها، ثم يجمع فيما بينهما.
فإذا طلع الفجر صلى بها صلاة الصبح، ثم يمضي إلى المشعر الحرام فيقف به ساعة يدعو اللّه ويذكره ساعة، ويسبِّحه ويهلله ويصلي على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم.
ثم يسير عائداً إلى منى يلبي ويدعو ويهلل ويقرأ على حال الخشوع والوقار/114/ حتى إذا انتهى إلى وادي مُحَسِّر - وهو ما بين المزدلفة ومنى - استحب له أن يسرع السير حتى يجاوزه. وإن جمع بين المغرب والعشاء أو فرق بينهما في الطريق قبل أن يأتي المزدلفة لم يجزه، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، فإذا انتهى إلى منى حَطَّ بها رحله.
ثم يأتي جمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات، ويقطع التلبية مع أول حصاة يرمي بها، ولا يقطعها قبل ذلك، وَلْيَرْمِ بالحصيات السبع مفترقة واحدة بعد واحدة، فإن رمى بها دفعة واحدة أعاد.(1/239)
قال القاسم عليه السَّلام: ولتكن الحصيات في يده اليسرى، ويرميها بيده اليمنى، وليكن بينه وبين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعاً، ويكبِّر مع كل حصاة يرميها، ويأخذ الحصيات من المزدلفة، وإن أخذها من بعض جبال منى وأوديتها جاز، ويستحب له أن يغسلها، ويستحب له أن يرمي وهو على طهارة، ولا بأس بأن يرمي راكباً. قال أبو العباس: وتكون كل حصاة قدر أنملة.
ثم يأتي رَحْلَه فيضحي إن أراد ذلك بما شاء، من بدنة أو بقرة أو شاة، وفَرَّق الباقي على المساكين، وأولى المساكين بذلك من قَرُبَ من رحله.
ثم يحلق رأسه أو يُقَصِّر، فإذا فعل ذلك حَلَّ له كل شيء حَرُمَ عليه بالإحرام من الطِّيب ولبس المخيط وغير ذلك، مما لا يجوز للمحرم لبسه، ولا يبقى عليه مما يمنع منه الإحرام إلا وطءَ النساء؛ فإن ذلك لا يحل له إلا بعد طواف الزيارة.
ثم يعود إلى مكة في يومه ذلك، وهو يوم النَّحْرِ إن أحَبَّ أو في أي يوم أراد من أيام منى، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر.
فإذا عاد إليها طاف طواف الزيارة، ولا يرمل في شيء من أشواطه، وهو الطواف الفَرْضُ الذي لايتم الحج إلا به، فإذا طافه حَلَّ له وطءَ النساء. ووقتهممتد من أول يوم الرمي، وهو يوم النحر إلى آخره، وهو أربعة أيام، فإن كان اختار تأخير الطواف والسعي عند قدومه مكة طاف أولاً وسعى لحجته إذا عاد إليها من منى، ثم يطوف طواف الزيارة.(1/240)
وإذا كان ثاني يوم النحر أخذ إحدى وعشرين حصاة بعد زوال الشمس، ثم يأتي الجمرة التي في وسط منى وهو متطهر فيرميها بسبع حصيات، ويكبر/115/ ويهلل عند رمي كل حصاة، ثم يأتي الجمرة التي تليها فيرميها كذلك بسبع حصيات، ثم يأتي جمرة العقبة فيرميها كذلك بسبع حصيات، ثم ينصرف إلى رحله.
فإذا كان يوم الثاني وهو الثالث من يوم النَّحر أخذ أيضا إحدى وعشرين حصاة بعد زوال الشمس، وأتى هذه الجمرات، فيرمي كل جمرة منها بسبع حصيات كما فعل في اليوم الأول والثاني، ويقف عند الجمرة الأولى والثانية، ويدعو ولا يقف عند جمرة العقبة، فإن أحب أن يَنْفُر في هذا اليوم ويعود إلى مكة فَعَل فإنَّه النفر الأول.
قال القاسم عليه السَّلام: ويترك باقي الحصى بمنى، وهي إحدى وعشرون حصاة؛ لأن الجميع سبعون حصاة، وإن أحب أن يتم الرمي وينفر في النَّفر الثاني أقام إلى غَدٍ، فإذا ارتفع النهار رمى هذه الجمرات بباقي الحصى، كما فعل في اليومين الأولين، وإن شاء أقام إلى بعد الزوال فيرمي وقد زالت الشمس، وهو مخير في ذلك، فإذا عاد إلى مكة فقد تم حجه، ولم يبق عليه إلا طواف الوداع، فإذا أراد الرَّحيل طاف بالبيت طواف الوداع.(1/241)