باب ذكر أنواع الحج وذكر الدخول فيه
الحج ثلاثة أنواع: إفراد، وتمتع، وقِرَان.
والإحرام ينعقد بالنية والذِّكر، على مقتضى كلام يحيى عليه السَّلام، وهو الذي حَصَّله أبو العباس من المذهب وخرَّجه أن الإحرام ينعقد بالنية مع الذِّكر أو تقليد الهَدْي، فأما بمجرد النية أو التهيؤ والتجرد فلا يكون الإنسان محرماً حتى ينطق به، أو يقلد الهدي سار مع الهدي أو قدمه مع النِّية.
قال أبو العباس: وينعقد الإحرام بغير التلبية من ذكر اللّه سبحانه أو تسبيحه أو تعظيمه، كما ينعقد إحرام الصَّلاة بغير لفظ التكبير، على ما نصّ عليه أحمد بن يحيى رضي اللّه عنه، فإن نوى الحج فغلط ولبى بعمرة، لم يلزمه ما لفظ به من ذِكْر العمرة ويجب أن يعود فيلبي بالحج، وإن أراد التمتع إلى الحج بالعمرة فغلط ولبى بالحج، لزمه ما عقد عليه بنيته من العمرة.
قال أبو العباس: إن نوى حجاً أو عمرة ولم يذكر واحداً منهما فله ما نوى منهما، وإن لبى ولم ينو شيئاً لم يلزمه شيء، وإن لم ينو إلا الإحرام فقط وضعه على ما شاء من حج أو عمرة، ولايجزيه عن حجة الإسلام. قال: وكذلك إن قرنه بذكر الحج، ولم ينو أنَّه من فرضه، لم يجزه عن الفرض، كما لو نوى الصوم في يوم من أيام رمضان لم يجزه عنه، مالم ينو أنَّه منه. فإن نوى في إحرامه أنَّه يحج نفلاً لم يجزه عن الفرض، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وعلى ما قرره أبو العباس من المذهب.(1/232)


قال أبو العباس: فإن أحرم ونسي ما نواه وأحرم له، طاف وسعى ناوياً ما أحرم له، ثم يستقبل الإحرام له بالحج، وعليه دَمٌ لتركه التقصير أو الحلق بعد السعي ودم القِرَان.
وإن أحرم بحجتين قاصداً إلى ذلك ناوياً لهما جميعاً وجبتا عليه، ويلزمه أن يمضي في إحداهما ويرفض الأخرى، وعليه لرفضها دم، ويقضي التي رفضها في السنة الأخرى.
وكذلك إن أحرم بعمرتين رفض إحداهما، وعليه لرفضها دم، ويمضي في الأخرى، ثم يقضي التي رفضها.
ومن أَهَلَّ بعمرة وهو محرم بحجة فأدخل العمرة على الحج، فقد أساء وينعقد إحرامه بها، وعليه أن يرفض تلك العمرة ويمضي في حجته، فإذا فرغ منها قضى تلك العمرة بعد خروج أيام التشريق، وعليه لرفضها دم.
ولو أن رجلاً يريد الحج مفرداً، أو قارناً أو متمتعاً وبعث بهديه مع قوم وأمرهم بتقليده في يوم بعينه، وتأخر هو، لزمه الإحرام في ذلك اليوم الذي أمرهم فيه بتقليد هديه.
ويستحب لمن أراد الإحرام أن يغتسل، والغسل للإحرام سنة وليس بفرض، ثم يلبس ثوبي إحرامه، وهما ثوبان جديدان أو غسيلان، رداءً وإزاراً، فيرتدي بأحدهما ويتأزر بالآخر، ويتوخي أن يكون إحرامه في وقت صلاة فريضة حتى يحرم عقيبها، فإن لم يتفق ذلك صلى ركعتين، فإذا فرغ من صلاته نوى ما أحرم له من إفراد الحج، أو تمتع بالعمرة إلى الحج، أو القران بين العمرة والحج ويقول: اللهم إني أريد الحج والعمرة، أو القران بين الحج والعمرة، فيسر ذلك لي. ويلبي بما أحرم له، ثم يدعو بما أحب، ويسير ويسبِّح في طريقه ويهلل ويكبر ويقرأ ويستغفر اللّه، فإذا استوى بظهر البيداء ابتدأ التلبية.(1/233)


قال القاسم عليه السَّلام: لا بأس بأن يستبدل المحرم بثوبي إحرامه.
وقال أبو العباس: ما زاد المحرم من الأزر فلا بأس بذلك.
وقال أحمد بن يحيى رضي اللّه عنه - في المحرم معه كساء لم يلبسه في حال إحرامه -: يجوز أن يلبسه وهو محرم.
والمرأة إذا أرادت الإحرام، فإنها تغتسل وتصلي كما ذكرنا، وتلبس القميص والمقنعة والسراويل.
فإن لم يجد من يريد الإحرام ماءً تيمم إن كان محدثا أو جنبا، ويجزيه تيمم واحد عن حدثه وجنابته لصلاته.(1/234)


باب الإفراد
إذا أحرم المفرد بالحج على الوجه الذي ذكرنا واستحضر النِّيَّة له، قال/111/: اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني ومحلي حيث حبستني، أحرم لك بالحج شعري وبَشَرِي ولحمي ودَمِي وما أَقَلَّتِ الأرضُ مِنِّي. ثم يقول: لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك، إنَّ الحمد والنعمة لك والمُلك لا شريك لك لبيك، ذا المعارج لبيك، لبيك بحجة لبيك. ثم يسير في طريقه ويكبر ويهلل ويقرأ ويستغفر اللّه، فإذا استوى بظهر البيداء ابتدأ التلبية يرفع بها صوته رفعاً متوسطاً، وكلما علا نَشْزاً من الأرض كَبَّر وإذا انحدر لبَّى، ولا يُغْفِل التلبية الفَيْنةَ بعد الفَيْنَة، ويلبي راكباً وماشياً، وفي أَدْبار الصلوات وعند الأسحار، كما ذكره القاسم عليه السَّلام في المناسك.
فإذا انتهى إلى الحرم اغتسل، وذلك سُنَّة، ثم يقول: اللهم إنَّ هذا حرمك وأمنك الذي اخترته لنبيك وقد أتيناك راجين. فإذا دخل مكة كان مخيراً بين تقديم الطواف والسعي وبين تأخيرهما إلى أن يعود من منى.
فإذا نظر إلى الكعبة - قال القاسم عليه السَّلام - يقول: اللهم البيت بيتك، والحرم حرمك، والعبد عبدك، وهذا مقام العائذ بك من النَّار، اللهم فأعذني من عذابك، واخْتَصَّني بالأجزلِ من ثوابك، ووالديَّ وما ولدا، والمسلمين والمسلمات، يا جبار الأرضين والسموات. وإذا أراد تقديم الطواف والسعي دخل المسجد متطهراً، و المستحب أن يغتسل لدخوله.(1/235)


ثم يبتدئ بالطواف من الحجر الأسود ويأخذ في المشي عن يمينه من الحَجَر. قال أبو العباس: فإن أخذ عن يمين الحجر ويسار نفسه أعاد، إلاَّ ما طاف عن يمينه، على أصلهم، ويسير حتى يأتي باب الكعبة ثم يأتي الحِجْر، ثم يأتي الركن اليماني، ثم يعود إلى الحَجَر الأسود، فيكون ذلك شوطاً واحداً، ويطوف على هذا المنهاج سبعة أشواط، يبدأ بالحجر الأسود ويختم به في كل شوط، ويرمل في ثلاثة أشواط منها، ويمشي في الأربعة الباقية. قال القاسم عليه السَّلام: الرَّمل فوق المشي ودون السعي.
ويستلم الحجر الأسود ويقبله إن تمكن من ذلك، واستلامه يكون بيمنى يديه، على ما حكاه أبو العباس عن محمد بن يحيى، ويستلم الأركان كلها إن أمكنه، وما لم يتمكن من استلامه منها أشار إليه بيده، ويقول عند/112/ استلامه لها: ?رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ? .
ويقول إذا ابتدأ الطواف: بسم اللّه وبالله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فإذا حاذى باب الكعبة قال - وهو مقبل عليها -: اللهم البيت بيتك والعبد عبدك، وهذا مقام العائذ بك من النَّار. ثم يقول عند مُضِيِّه في باقي طوافه: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم. يردد ذلك في حال طوافه ويسبح اللّه ويهلله ويصلي على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، ويقول عند استلامه الأركان وإشارته إليها: ?رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ? .(1/236)

47 / 168
ع
En
A+
A-