ولو أن صبياً بلغ أو عبداً أُعتِق أو كافراً أسلم ليلة عرفة، وكان في بعض المواقيت وأمكنه إذا أحرم منه أن يلحق الوقوف بعرفة، وجب عليه أن يحرم من هناك، وإن كان بمكة أحرم من مسجدها، وإن كان بمنى أو بموضع يمكنه منه إذا رجع إلى مكة وأحرم منها أن يدرك الوقوف رجع إليها وأحرم من مكانه، وكذلك القول إذا كان ذلك يوم عرفة أو ليلة النحر، فإنه إذا لحق الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج.
قال أبو العباس في الصبي إذا بلغ والذمي إذا أسلم - وقد أحرما من قبل -: عليهما أن يجددا الإحرام؛ لأن إحرامهما من قبل لم يكن إحراماً صحيحاً، فإذا جددا إحرامهما ووقفا أجزأهما ذلك عن حجة الإسلام.
فإن أحرم العبد ثم أعتق مضى في حجته بذلك الإحرام؛ لأنَّه يصح إحرامه وينعقد ولا يجزيه ذلك عن حجة الإسلام.
ومن حج في مؤنة غيره وقد التزم نفقته أو في خدمته وقد استأجره أجزأه ذلك عن حجة الإسلام، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
ولا يجب الحج إلا مرة واحدة، حكى ذلك أبو العباس عن القاسم عليه السَّلام.
والحج يجب على الفور، ولا يجوز تأخيره عند حصول الشروط وزوال الموانع، وقد مر للقاسم ما يدل على أنَّه يجب على التراخي.
قال يحيى عليه السَّلام: من حج ودِيْنُه دِيْنُ العامَّة في مخالفة اعتقاد التوحيد والعدل/107/، ثم تاب ورجع إلى الدِّين واعتقاد التوحيد والعدل، وجب عليه أن يحج.
قال محمد بن يحيى في (مسائل مهدي) : إذا كانت المرأة قادرة على نفقة مَحْرَمِها وامتنع المحرم من أن يحج بها إلا بأن تنفق هي عليه، وجب عليها أن تحج وتحتمل هي نفقته.(1/227)
باب المواقيت وما يلزم من أجاز بها أو كان بها أو دونها إذا أراد دخول مكة
المواقيت التي وقتها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، وقال: إنها مواقيت لأهلها ولمن ورد عليها من غير أهلها. خمسة: وَقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل العراق ذات عرق، ومن كان منزله أقرب إلى مكة من هذه المواقيت أحرم من منزله.
قال أبو العباس: من ركب البحر أو البر، فلم يَرِد هذه المواقيت فإنه إذا حاذى أدناها أحرم منه، فإن التبس ذلك عليه تحرى.
وميقات أهل مكة للحج الحرم وللعمرة الحل.
قال أبو العباس فيمن يريد دخول مكة من هذه المواقيت - مكيّاً كان أو غير مكي، وقد خرج عنها وجاوز هذه المواقيت، ثم أتاها أوكان من أهل سائر البلدان فوردها -: إنَّه يجب عليه أن يحرم بحجة أو عمرة، ولا يدخل مكة إلا محرماً، وذكر أن الجمالين والحطابين إذا كانوا يجتازونها يعني المواقيت إلى مكة دائما ولا يكون اجتيازهم ندراً فقد استثنوا، فإن كانوا يجتازونها ندراً فعليهم أن يحرموا. وقال رحمه اللّه: إذا دخلها محرما فعليه أن يحج أو يعتمر، فإن نوى عند الإحرام أحدهما فعليه ما نوى.
قال: ومن كان منزله في الميقات أو ما بين الميقات ومكة؛ فإنه إذا دخلها غير مار بالميقات جائياً من ورائها فلا إحرام عليه لدخولها.
قال أبو العباس فيمن يلزمه الإحرام لدخول مكة: إنَّه إن حج من عامه حجاً واجباً أو نذراً أو غيره أجزأه ذلك عن الإحرام الذي لزمه للدخول، فإن حج من العام القابل لم يجزه.(1/228)
ومن كان من أهل الميقات ثم خرج منه وجاء إلى ميقات آخر، فعليه أن يحرم من الميقات الذي أورده على ظاهر إطلاق يحيى، ومن ورد الميقات حاجاً أو معتمراً فجاوزه من غير أن يحرم، فعليه أن يرجع إليه ويحرم منه، فإن لم يمكنه الرجوع لخوف أو لضيق الوقت وخشية الفوات، فإنه يحرم من ورائه قبل أن ينتهي إلى الحرم. قال يحيى عليه السَّلام في (المنتخب) /108/: ويستحب له أن يريق دماً. وحكى أبو العباس في (كتاب الإبانة) : أنَّه يلزمه دم لمجاوزته الميقات من غير أن يحرم. وحكى في (النصوص) عنه ما ذكره في (المنتخب) من أن الدم مستحب، وقوى هذا القول.(1/229)
باب فروض الحج التي لا بدل لها ولا يصح جبرانها
فروض الحج التي لا جبران لها: الإحرام، والوقوف بعرفة، وطواف الزيارة. وروى علي بن العباس عن القاسم عليه السَّلام: أن الوقوف بالمشعر الحرام فرضٌ، وذكر أبو العباس: أن المرور به يجزي عن الوقوف عنده، والإحرام والوقوف بعرفة يفوت بفواتهما، وطواف الزيارة يلزم قضاءه إذا فات، ولا يفوت الحج بفواته.(1/230)
باب ذكر أشهر الحج وما يتصل بذلك
أشهر الحج التي أمر اللّه تعالى بالإهلال له فيها، ونهى عن الإحرام قبلها: شوال، وذو القعدة، والعشر الأوائل من ذي الحجة، وهي الأيام المعلومات على ما رواه أبو العباس عن أمير المؤمنين علي عليه السَّلام، والأيام المعدودات هي: أيام التشريق، ومن أحرم بالحج قبلها فقد أساء وتعدى، ولكن ينعقد إحرامه ويتوجه عليه حكمه.
ومن أهَلَّ بعمرة قبل أشهر الحج وورد مكة في أشهره معتمراً ثم أحرم للحج؛ لم يكن متمتعاً ولم يلزمه دم المتمتع ويكون سبيله سبيل أهل مكة في أنَّه مفرد بالحج لا يجب عليه الدم، وكذلك إن اعتمر بعد ذلك عمرة أخرى، وهذا معنى قول يحيى في (الأحكام) : والعمرة تكون للشهر الذي عقدت فيه، يريد بذلك لو أن رجلاً اعتمر في شهر رمضان، ودخل مكة في شوال، فطاف وسعى وفرغ من عمرته، ثم أحل من إحرامه فيه أو فيما بعده من أشهر الحج لا يكون متمتعاً؛ لأن عقد عمرته بالإحرام لم يكن في أشهر الحج، وإن كان حَلَّ منها في هذه الأشهر. ولا اعتبار بالوقت الذي يحل منها فيه، وإنما الاعتبار بعقدها، فيجب أن يكون ذلك في أشهر الحج.
قال أبو العباس: وعلى هذا يجب أن يكون ميقاته إذا أراد إحراماً لحج أو عمرة، ميقاتَ أهل مكة، كما أنَّه لامتعة له/109/، فإن أراد الحج فالحرم، وإن أراد العمرة فخارج الحرم، فإن فرغ هذا الرجل من عمرته وحل من إحرامه، ثم خرج من مكة وجاوز ميقات بلده ثم عاد محرماً بالعمرة في أشهر الحج، أو عاد فأحرم بها من مكة أو فيما بين الميقات ومكة، ثم أحرم بالحج يكون متمتعاً وعليه دم.(1/231)