ولو أن رجلاً أوجب على نفسه اعتكاف أيام وحضرته الوفاة فأوصى أن يُعْتَكف عنه، وجب أن يُخْرَج من ثلث ماله ما يُسْتَأْجر به مسلم ليعتكف عنه، ويلزم الورثة إجازة ذلك.
ويكره للنساء الإعتكاف، إلا اللواتي لا رغبة للرجال/104/ فيهن، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.(1/222)
باب ذكر ليلة القدر
قال القاسم عليه السَّلام: ليلة القدر من أولها إلى آخرها في الفضل سواء، وهي ليلة ثلاثٍ وعشرين، أو ليلة سبعٍ وعشرين من رمضان.
وقال عليه السَّلام في قوله اللّه تعالى: ?إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ? : إن ذلك لما للأعمال فيها من البر والبركات، وما يمسك فيها عمن يؤخر عنه من النقمات.(1/223)
باب وجوب الحج وذكر شروطه
وجوب الحج يتعلق بمن كان بالغاً عاقلاً مسلماً حراً.
وشروط وجوبه على من نَأت داره من مكة: الزاد، الراحلة، وأمان الطريق، وصحة البدن حتى يتمكن معها من الإستمساك على الراحلة، فإنه إذا لم يكن كذلك لم يلزمه الحج بنفسه.
حكى أبو العباس الحسني عن محمد بن القاسم: أنَّه ذكر فيما جمعه عن أبيه، أن القوة على المشي تنوب عن وجوب الرَّاحلة، وذكر القاسم نحو هذا في (الفرائض والسنن) ، وهكذا حكى أبو العباس عن أحمد بن يحيى، فيكون شرط وجوبه على هذا: الزاد والراحلة، أو القوة على المشي، والأمن.
قال محمد بن يحيى عليه السَّلام - فيمن له عروض إذا باعها كلها يبلغ بثمنها الحج ولا يكونله من بعد ذلك شيء - : ليس له أن يعرض نفسه للتهلكة، إلا أن يكون له من بعد بيعه لما يحج به ما يكفي عياله وولده، فحينئذ يجب عليه الحج.
وقال أيضا في رجل له مال يسير - إن حج به لا يكون له معيشة - : إن كان هذا الرجل وحده وليس له عيال وكان هذا المال يكفيه ذاهباً وراجعاً فعليه الحج، فإن اللّه تعالى يخلف له معيشته، وإن كان له عيال أوصبيان، فالجواب فيه كالجواب فيما مضى.
وقال محمد بن يحيى في رجل معه شيء يسير، فيتزوج به ولا يحج: إنَّه إذا خشي على نفسه العَنَت والوقوع في المعصية جاز ذلك، وهو مأجور غير مأزور، ويضمر الحج ويعتقد فعله.
قال أبو العباس: والبحر/105/ كالبر فيه. يعني: في المسير إلى مكة لفرض الحج. وحكى عن محمد بن يحيى رضي اللّه عنه: الإحتجاج في ذلك بقول اللّه تعالى: ?وَهُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ? .(1/224)
وصحة البدن - التي هي التمكن من الثبات في المحمل وعلى الراحلة - شرط في وجوب الحج على الإنسان بنفسه، فأما في لزوم أن يحج عنه غيره فإنه إن كان وجب عليه الحج قبل أن يدفع إلى هذا العذر بحصول الإستطاعة، فإنه يجب عليه أن يحج غيره عنه، وإن لم يكن وجب لفقد الإستطاعة ثم وجد الزاد والراحلة وفقد صحة البدن على الحد الذي ذكرناه، ففرض الحج عنه ساقط.
قال القاسم عليه السَّلام: فرض الحج زائل عن الشيخ الكبير والعجوز اللذين لا يثبتان على الراحلة، ولا يُقْدَر على أن يُسَافَر بهما في محمل، فإن حجا بأنفسهما أو حج غيرهما كان حسناً.
والأعمى يلزمه الحج إذا وجد المال ومن يكفيه مؤنة السفر في خدمته وهدايته، على قياس قول القاسم ويحيى عليهما السَّلام، وأصحابنا قد حكوا هذه المسألة عن يحيى وأحسب أنها مذكورة في (مسائل إسحاق بن إبراهيم) ، وما قاله القاسم عليه السَّلام فيمن لا يثبت على الراحلة أنَّه لا يلزمه فرض الحج، وهو إذا لم يكن لزمه من قبل بوجود الإستطاعة، فإن كان لزمه ذلك، فإنه يلزمه أن يحجَّ عن نفسه، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وعلى ما ذكره أحمد بن يحيى في الصحيح والصحيحة إذا كانا ممنوعين عن الحج، لمرض أو خوف أو عجز، وكذلك المرأة إذا لم يكن لها مَحْرَمٌ؛ أنَّه يُحَجُّ عنها، وقد ذكره أبو العباس، وحكى نحو ذلك عن محمد بن يحيى عليه السَّلام.
وأما المرأة فمن شرط وجوبه عليها مع الراحلة والزاد: مَحْرَمٌ يحج بها، والمحرَم من يَحْرُم عليه نكاحها من ولد وغيره من قرابتها. قال أبو العباس: سواء كان من نسب أو رضاع.(1/225)
قال رحمه اللّه: فإن كانت هِمَّةً لا يرغب الرجال في مثلها، كان لها الخروج مع نساء ثقات أو غيرهن، فيما نصه القاسم عليه السَّلام.
والمرأة إذا أحرمت بغير إذن زوجها، فإن كان إحرامها لحجة الإسلام، لم يكن لزوجها أن يمنعها منه، ولا أن ينقض عليها إحرامها إلا لعذر، نحو أن لا يكون لها محرم يحج بها، أو يمتنع محرمها من الخروج معها أولا يمكنه ذلك، وإن كان إحرامها لحجة تطوع فله أن يمنعها منه وأن ينقض عليها إحرامها، فإذا نقض عليها/106/ إحرامها، فإنه يبعث بِبَدَنَةٍ تُنحَر عنها، أو بما استيسر للزوج من الهدي ويعتزلها إلى اليوم الذي أمر بنحرها فيه، وعليها قضاء تلك الحجة إذا تمكنت من قضائها، بأن يحصل الإذن من زوجها أو بينونة منه.
والعبد والأمة إذا أحرما بغير إذن سيدهما، كان له أن يفسخ إحرامهما ولا يلزمه أن يهدي عنهما، وإذا عتقا وجب عليهما أن يُمضيا ما كانا أوجباه على أنفسهما وأن يهديا لخروجهما من الإحرام.
والمرأة إذا كانت مستطيعة للحج ولها محرم يحج بها وجب عليها أن تحج حجة الإسلام، أذن لها زوجها في ذلك أو لم يأذن، وليس للزوج أن يمنعها ولا يجوز لها أن تمتنع.
وإن كانت المرأة معتدة، لم يجز لها أن تخرج حتى تنقضي عدتها.(1/226)