باب صيام التطوع وما يستحب من الصيام وما يكره
يستحب صيام الدهر لمن أطاقه ولم يضر بجسمه؛ إذا أفطر العيدين وأيام التشريق، ويستحب صيام شهر المحرم، وصيام شهر رجب وشعبان، ويستحب صيام يوم الإثنين ويوم الخميس، ويستحب صيام يوم عاشوراء وهو العاشر من المحرم، وصيام يوم عرفة للحجيج، ولسائر أهل الأمصار، وصيام أيام البيض وهي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من الشهر.
والصيام في السفر أفضل من الإفطار. قال القاسم عليه السَّلام فيما روي: (( ليس من البر الصيام في السفر )) معناه: التطوع.
وحكى أبو العباس عن القاسم عليه السَّلام: أن صيام الأربعاء بين الخميسين فيه أجر عظيم، وهو صيام يوم الخميس في أول الشهر والأربعاء في وسطه والخميس في آخره.
قال رحمه اللّه: في إتباع شهر رمضان ستة أيام من شوال بالصوم [فيه] فضل عظيم.
قال القاسم عليه السَّلام: من صام شعبان استحب له أن يفصل بينه وبين شهر رمضان بيوم يفطره. ويكره أن يتعمد بالصوم يوم الجمعة، إلا أن يوافق ذلك يوماً كان يصومه ذلك الصائم.(1/217)
باب الإعتكاف
الإعتكاف فهو: لزوم المسجد بنية القُرْبَة ، إذا كان من مساجد الجماعات، مع الصوم في يوم الإعتكاف، وأقل الإعتكاف يوم واحد، ولا يصح الإعتكاف إلا بالصوم، وترك غشيان النساء ليلاً ونهاراً.
وشرائط الإعتكاف: النية، والصوم، واللبث في مسجد تُصَلَّى فيه جماعة، وترك غشيان النساء. ولا يجوز للمعتكف أن يخرج من مسجد إعتكافه إلا لحاجة لا بد له منها، وإذا خرج لها لم يجلس حتى يعود إلى المسجد.
وقال أبو العباس: وإن مكث خارج المسجد في أمر له منه بد، طويلاً أو قصيراً، فسد الإعتكاف، تخريجاً على قوله وعاود المسجد.
ويجوز أن يخرج لعيادة المريض وحضور جنازة/102/، وأن يقف على أهله فيأمرهم وينهاهم ولا يقعد حتى يعود إلى معتكفه، وله أن ينتصف للمظلوم من الظالم ويمنع منه الظلم بما أمكنه من لسانه ويده، وعلى هذا له أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
ومن لزمته الجمعة فإنه يجب عليه الخروج إليها، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، ويجوز للمعتكف أن يتزوج ويزوج غيره ويشهد على التزويج، وإن تزوج لم يدخل بأهله، ويجوز له أن يتطيب ويَدَّهِن ويكتحل.
ويستحب أن لايبيع ولا يشتري. قال أبو العباس: إنما كره عليه السَّلام البيع والشراء لحرمة المسجد، فإن باع واشترى ما لابد له منه خارج المسجد جاز، على أصله، كما جوز عيادة المريض وحضور الجنازة.(1/218)
وينبغي للمعتكف أن يتحرز في حال اعتكافه من كل خصومة وجدال في غير حق، ولفظ قبيح، وفعل محظور، واشتغال بما لا قُرْبَة فيه من الأفعال التي يستغنى عنها وإن كانت مباحة، وأن يتوفر على العبادات وقراءة القرآن والدعاء والإستغفار.
قال أبو العباس: وسواء شرط المعتكف الخروج من المسجد أو لم يشرط؛ في أن الخروج لغير ما ذكرنا مفسد له.
ويصح في الإعتكاف ما يصح في الصوم ويفسده ما يفسد الصوم، والمراد به جنس المباشرة كالوطء والإنزال والقبلة واللمس، فإنما يفسد الصوم من ذلك يفسده.
والإعتكاف ضربان:
أحدهما: أن يدخل الإنسان فيه بنيته.(1/219)
والثاني: أن يوجبه على نفسه، فإن أحب إيجاب الإعتكاف على نفسه فإنه يجب أن يتلفظ به، فيقول: لله علي اعتكاف يومٍ أو أيامٍ. ويعين ذلك أو يطلق، فإن أوجب اعتكاف يومٍ أو أيامٍ وأراد بذلك النهار دون الليل؛ فإنه يدخل المسجد قبل طلوع الفجر حتى يكون عند طلوعه حاصلاً فيه، ويخرج منه بعد غروب الشمس، وإن أوجب على نفسه اعتكاف شهر بعينه لزمه أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس، ويخرج منه آخر الشهر بعد غروبها، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. وإذا أطلق ذلك فله أن يعتكف أي يوم أو أيام أراد، وإن عين فعليه أن يعتكف ذلك اليوم بعينه أو تلك الأيام ما لم يكن اليوم أو الأيام مما لا يصح فيه الصوم، فإن كان كذلك لزمه قضاء ما أوجبه/103/ على نفسه، فإن فاته اعتكاف ذلك اليوم بعينه اعتكف يوماً آخر بدلاً عنه، وكذلك القول في الأيام المعينة، ومن أوجب على نفسه اعتكاف جمعة بعينها فعليه أن يعتكف فيها، فإن فاته ذلك اعتكف جمعة أخرى، وإن لم ينو جمعة بعينها اعتكف أي جمعة كانت، وإن أوجب اعتكاف شهر رمضان بعينه ففاته فإنه يعتكف شهراً آخر غير شهر رمضان، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.(1/220)
قال أبو العباس: إذا أطلق الأيام في إيجاب الاعتكاف دخل فيها الليالي، تخريجاً على قول يحيى عليه السَّلام، وإن أوجبت امرأة على نفسها اعتكاف أيامٍ، ثم حاضت قبل مضي تلك الأيام، خرجت من مسجدها إلى أن تطهر وتغتسل، فإذا اغتسلت عادت إلى المسجد وبنت على اعتكافها. وكذلك إن خاف رجل أو امرأة على نفسه في مسجد اعتكافه فله أن يخرج إلى مسجد آخر. وكذلك إن انهدم المسجد انتقل إلى مسجد آخر وبنى على اعتكافه، وكذلك إن أخرجه السلطان ظلماً وكرها له، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
ومن جعل على نفسه أن لا يكلم أحداً في اعتكافه فينبغي إذا عرض له ما يجب أن يتكلم به نحو رد السَّلام وغير ذلك أن يتكلم ويجيب عن السَّلام، ويكفر عن يمينه فيطعم عشرة مساكين.
وإن قال: لله علي أن أعتكف شهراً إن كلمت فلاناً فكلمه لزمه ذلك.
قال أبو العباس: من قال: لله علي أن أعتكف الجمعة فعليه أن يعتكف كل جمعة؛ لأنَّه تعريف الجنس. قال السيد أبو طالب: هذا إذا لم يقصد باللفظ جمعة بعينها؛ لأنَّه إذا قصد ذلك جرى مجرى تعريف العهد، وكذلك إن قصد به جمعة مُنَكَّرة صح؛ لأن اللفظ يصلح لذلك مجازاً من طريق العُرْف فالنية تعمل فيه.
والعبد والأمة إذا أوجبا على أنفسهما اعتكافاً لزمهما ذلك، ولسيدهما منعهما منه، وكذلك المُدَبَّر وأم الولد، ولا يستحب له منعهم، وكذلك المرأة، على أصل يحيى عليه السَّلام، فأما المكاتب فليس له أن يمنعه.(1/221)