قال محمد بن القاسم عن أبيه - فيما حكاه عنه أبو العباس - فيمن أفطر سنين كثيرة من رمضان ولم يضبطها: يقضي متحرياً.
قال أبو العباس: فإن بلغ صبي في بعض الشهر، صام ما يستقبل ولا يجب عليه قضاء ما مضى.
ومن فاته صيام أيام من شهر رمضان، قضى ما فاته كما فاته مجتمعاً كان أو مفترقاً، فإن فاته مفترقاً وقضاه مجتمعاً كان أفضل، وترتيب المذهب - على موجب قول القاسم عليه السَّلام - أنَّ قَضَاءَهُ مجتمعاً إن كان فاته مجتمعاً هو الأولى، ولو قضاه مفترقاً لأجزأ ولم تلزمه الإعادة، وإن كان مكروهاً؛ لأن التتابع لحرمة الوقت.
ومن نوى أن يفطر وهو صائم ولم يفطر، صح صومه ولا قضاء عليه.
ومن أفطر لا لعذر مبيح للإفطار كمن يأكل أو يجامع متعمداً أو ناسياً، فالإمساك في بقية يومه واجب عليه، ومن أفطر لعذر مبيح لذلك كالمسافر إذا قدم الوطن في بعض النهار وقد أكل في أوله والحائض إذا طهرت وقد أكلت في حال الحيض، فالإمساك يستحب لهما، على موجب قول القاسم ويحيى عليهما السَّلام.(1/212)


باب صيام النذور والكفارات
صيام الكفارات هو: صيام الظهار، وصيام القتل، وصيام اليمين، وصيام المحرم عن جزاء الصيد وعما يلزمه من الفدية. فأما صيام كفارة المحرم عن جزاء الصيد، وصيام كفارة اليمين فموضعهما كتاب الحج، وكتاب الأيمان، وكان يجوز أن يذكر صيام الظهار، وصيام القتل في باب الظهار وباب كفارة القتل، إلا أنا سلكنا طريقة الهادي عليه السَّلام في ذكرهما في كتاب الصيام.
أما كفارة الظهار فهي: صوم شهرين متتابعين إذا لم يتمكن من عتق الرقبة، وكذلك كفارة القتل، إذا قتل مؤمناً خطأً / 99/ ولم يتمكن من الرقبة، فعليه صوم شهرين متتابعين، فإن فَرَق بينهما يوماً فعليه أن يستأنف الصيام حتى يأتي بصوم ستين يوماً متتابعة، إلا أن يفطر فيها عن مرض شديد لا يستطيع معه أن يواصل الصوم، فيجوز له أن يبني إذا زال مرضه، وكذلك القول في كفارة القتل، وصوم من أوجب على نفسه صيام شهرين متتابعين أو صيام سنة متتابعة فأفطر يومي العيدوأيام التشريق، ومن أصحابنا من يعتبر في العلة التي يجوز عندها البناء أن يكون المكفر ذا سقم مأيوس من زواله، وكان الغالب من حاله أنَّه لا يتمكن من المواصلة، ويقول: إن منصوص يحيى في (الأحكام) يقتضي ذلك، وأن رواية (المنتخب) تقتضي أنَّه إن أفطر لأَيِّ عذر كان من سفر أو مرض، فإنه يجوز له البناء، فيجعل للمسألة روايتين.
فإن انقطع التتابع بالنِّفاس فعلى المرأة الإستئناف، وكذلك إن انقطع تتابع الأيام الثلاثة عن كفارة اليمين بالحيض، فعليها أن تستأنف، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.(1/213)


والمظاهر إذا عجز عن عتق الرقبة وشَرَع في الصيام ثم قدر على العتق قبل إتمام شهرين، فعليه أن يعتق، وكذلك إن عجز عن الصيام وشرع في الإطعام ثم قدر على الصيام قبل الفراغ منه، وجب عليه العود إلى الصيام، فإن قدر على العتق بعد الفراغ من الصيام أجزأه الصوم، وإن قدر على الصيام بعد الفراغ من الإطعام أجزأه الإطعام. وكذلك القول في القاتل إذا عجز عن عتق الرقبة وشرع في الصيام.
وإيجاب الصيام لا يصح إلا بالقول، وكذلك سائر النذور لاتجب بالنية فقط.
ولو أن رجلا أوجب على نفسه صيام شهر كامل أو شهرين أو أشهر متتابعة، وجب عليه أن يصوم كما أوجب على نفسه، فإن فرق لا للعذر الذي بيناه وجب عليه الإستئناف.
ومن وقال: لله علي أن أصوم عشرين يوماً وجب أن تعتبر نيته في التتابع والتفريق كما نوى، فيصوم كما نوى، فإن لم يكن نوى شيئاً من ذلك فإنه يصوم كما يختار متتابعاً أو مفترقاً، وكذلك إن قال: لله علي صوم شهر واحد. فإن قال: لله علي صوم شهر كذا وأضافه إلى شهر مخصوص، وجب أن يصوم متتابعاً متجاوراً؛ إلا أنَّه إن أفطر يوماً منه يجزيه قضاء/100/ يوم مكانه، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
ومن قال: لله علي أن أصوم سنة، صامها وأفطر العيدين، وأيام التشريق، وصام خمسة أيام مكانها، ويصوم شهراً بدلاً عن صوم شهر رمضان، إلا أن يكون قد استثنى هذه الأيام بنيته، فلا يلزمه أن يعيد صيامها.(1/214)


ومن قال: لله علي أن أصوم شهراً يوم أتخلص من كذا، أو أعتكف شهراً، فتخلص منه في آخر يوم من شعبان، فإنه يبدأ بشهر رمضان فيصوم ويفطر يوم العيد، ويصوم أو يعتكف ثاني شوال ثلاثين يوماً.
ومن قال: لله عَلَيَّ أن أصوم يوم الفطر ويوم النحر، أو أعتكف فيهما، أفطرهما وصام يومين بدلاً عنهما. وكذلك إن قال: لله علي أن أصوم أيام التشريق.
قال محمد بن يحيى عليه السَّلام - فيمن قال: لله علي أن أصوم أمس -: هذا محال لا يلزمه فيه شيء؛ لأن الصوم فيما مضى لا يصح، ولكن يصوم استحباباً اليوم الذي هو مثل أمس، فإن كان أمس يوم الأحد يصوم يوم الأحد.
وقال رضي اللّه عنه - فيمن قال: لله علي أن أصوم أكثر الأيام -: صام سنة.
وقال رضي اللّه عنه - فيمن قال: لله علي أن أصوم يوم يقدم فلان، فقدم ليلاً أو في النهار وقد أكل فيه -: أحسن ما في هذا أنَّه إن قدم ليلاً صام في نهاره، فإن قدم في النهار صام في اليوم الثاني. وقوله: أحسن ما في هذا؛ الأقرب فيه أنَّه قصد به الإستحباب دون الإيجاب لاسيما إذا قدم ليلاً فإنه لايحتمل إلا الإستحباب.(1/215)


وقال رضي اللّه عنه: لو قال: لله علي أن أصوم ثلاثة أيام بلياليها، وجب عليه صوم ثلاثة أيام فقط، ولو قال: لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان أبداً، فقدم [يوم] الإثنين صام يوم كل اثنين يستقبله، إلا أن يصادف ذلك يوم الفطر، أو يوم الأضحى، أو أيام التشريق، فإنه يفطر هذه الأيام ثم يقضيها، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وكذلك إن أوجب على نفسه صوم كل خميس أو غيره ففاته صيام بعض تلك الأيام، وجب عليه أن يقضي ما فاته، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
قال أبو العباس: ولو قالت المرأة: لله علي أن أصوم أيام حيضي، لم يلزمها شيء.
والعبد إذا أوجب على نفسه صوماً أو اعتكافاً، لزمه ذلك، ولسيده /101/ أن يمنعه منه، وكذلك القول في المُدَبَّر وأم الولد، فإن منعهم لزمهم قضاء ذلك إذا أعتقوا، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.(1/216)

43 / 168
ع
En
A+
A-