ولو أن صائمة جُوْمِعت وهي نائمة، فعلمت فطاوعت، فسد صوم الرجل والمرأة جميعاً، وإن لم تعلم حتى جومعتفلا قضاء عليها، وكذلك إن كانت مجنونة، قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: وهذا يجب أن يكون المراد به من جنونها مما يعرض ويزول كالصرع ونحوه، وعلى هذا إن عرض للصائم جنون في بعض النهار ثم زال، ولم يكن منه ما يفسد الصوم، صح صومه. فإن أكرهت على ذلك أو أكره رجل أو امرأة على تناول طعام أو شراب نظر في حال الإكراه، فإن كان تخويفاً أو ضرباً أو ما يجري مجرى ذلك، فأقدم المكره على الإفطار لدفع ذلك عن نفسه فعليه القضاء، فإن أُوْجِرَ الطعام أو صُبَّ الشراب في حلقه من غير فعل منه، فلا قضاء عليه، هذا الذي تقتضيه نصوص القاسم ويحيى وأصولهما.
قال القاسم عليه السَّلام في الريق يبلعه الصائم: لا يفسد صومه؛ لأنَّه لا يقدر على أن يمتنع منه. قال: ويكره إذا كثر في فيه أن يرد ذلك إلى جوفه، وقد ذكر ذلك محمد بن يحيى في البزاق والريق. قال: فأما النخامة فإنه لا يردها، فإن دخل ذلك الحلق من غير تعمد لم يفسد الصوم، وإذا كان بين أسنانه لحم فازْدَرَدَهُ حتى نزل إلى جوفه فإنه يفسد صومه، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
ومن أصبح جنباً في شهر رمضان عن جماع أو إحتلام لم يفسد صومه وسواء كان عامدا أو ناسياً على ما أطلقه يحيى عليه السَّلام.
قال أبو العباس فيمن احتلم في نهار شهر رمضان: لا يفسد صومه. وحكى على ابن العباس عن القاسم عليه السَّلام فيمن اجتنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى مضى الشهر، عليه قضاء الصَّلاة دون الصيام.(1/207)
قال أحمد بن يحيى عليه السَّلام فيمن أصابته جائفة فداواها بدواء /96/ يصل إلى جوفه: لا يفسد صومه.(1/208)
باب الترخيص في الإفطار وما يلزم فيه الفدية
الترخيص في الإفطار يجوز عند حالين: أحدهما: السفر. والآخر: إذا خشي من الصوم الضرر. وإذا وجب القصر جاز الإفطار، والحال التي يخشى معها الضرر فالإفطار عندها جائز، وإن لم يكن ذلك مؤدياً إلى التَّلف، والصوم مكروه، وإن صام أجزأ، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، فإن كان مؤدياً إلى التلف كالمريض الشديد المرض والشيخ الهِمّ، فالإفطار واجب.
والحامل والمرضع إذا خافتا على الجنين والمرضَع. وكذلك من لا يصبر على العطش من الرجال والنساء، يجب عليهم الإفطار.
وكل هؤلاء إن لم يخشوا على أنفسهم وعلى الجنين والمرضَع وخشوا زيادة الضرر فإن صاموا أجزأ، وإن لم يصوموا جاز.
ومن يفطر لعذر مأيوس من زواله كإفطار الشيخ الهِمّ والمرأة الهرمة، فعليه الفدية، وصاحب العطش إن كان يرجو زوال علته فإنه يفطر ويقضي إذا زال المرض، فإن كان لا يرجو زوالها ويغلب ذلك على ظنه فعليه الفدية، على مقتضى كلام يحيى عليه السَّلام.
والفدية: إطعام مسكين. قال أبو العباس: وقَدَّره يحيى عليه السَّلام يعني الإطعام في موضع مُدَّين يخرجهما مما يستنفقه من بُرٍّ أو غيره.(1/209)
ومن فاته صيام أيام من شهر رمضان ولم يقض ما فاته حتى دخل شهر رمضان في السنة الثانية فإنه يقضي ذلك ويطعم عن كل يوم مسكيناً، وهذا هو الذي نصّ عليه في (الأحكام) ، وقد قال فيه: إذا كان قد ترك القضاء لِعِلَّة مانعة من قضائه فلم يفصل بين ترك الصيام لعذر أو لغير عذر، وفي رواية (المنتخب) ذكر جوابا عن السؤال عمن أفطر لعلة، أنَّه لا يلزمه إلا القضاء دون الإطعام، وكان أبو العباس يقول: إن مذهبه في ذلك، أن من أفطر لعذر أنَّه لا يلزمه إلا القضاء، ومن أفطر لغير عذر فعليه القضاء والفدية؛ لأنَّه لم يذكر في (الأحكام) حين أوجب الإطعام أنَّه أفطر لعذر /97/ ويقول: إنَّه صرح بذلك في (المنتخب) . فقال فيمن أفطر لعلة: عليه القضاء دون الإطعام.
قال السيد أبو طالب: ولا يبعد أن يكون ما ذكره في (الأحكام) وما في (المنتخب) روايتين مختلفتين في المسألة، فيكون الواجب على من ترك القضاء إلى السنة الثانية قضاء ما فات والإطعام عن كل يوم، على ما نصّ عليه في (الأحكام) ؛ لأنَّه إذا أوجب ذلك على من ترك القضاء لعلة على ما ذكر هناك فبأن يوجبه على من تركه لا لعلة أوْلَى، وفي رواية (المنتخب) يكون عليه القضاء فقط دون الإطعام، ويكون ما فيه من ذكر الإفطار لعلة تقييداً للسؤال بها من جهة السائل والجواب يكون مطلقاً.(1/210)
باب قضاء الصيام ووجوب الإمساك
كل مخاطب بالصوم إذا تركه لعذر أو لغير عذر وجب عليه القضاء، ومن أفطر لعذر فعليه القضاء لزواله كالمسافر إذا أقام، والمريض إذا صح، والحامل والمرضع إذا زال المانع، وكذلك من يفطر لغلبة العطش، وكذلك الحائض والنفساء إذا طهرتا. وعلى المستحاضة أن تصوم وتصلي وتقضي ما فاتها من الصيام في حال الحيض إذا خرجت منه.
ومن جُنَّ شهر رمضان كله ثم أفاق وجب عليه القضاء، والمراد به الجنون الطارئ بعد كون الإنسان عاقلاً مخاطباً بالصوم، وعلى هذا قرر أبو العباس المذهب. قال رحمه اللّه:وإن جُنَّ عشر سنين قضى ما أفطر، إلا أن يكون مجنوناً في الأصل، وكذلك المغمي عليه، وكذلك إن جُنَّ بعض الشهر ثم أفاق قضى ما فات وصام ما بقي.
قال أبو العباس: ومن نوى الصيام من الليل ثم أغمي عليه النهار كله، صح صومه ذلك اليوم فقط، إذا لم يكن منه ما يوجب فساده.
ومن دخل في صوم تطوع ثم أفطر، لم يجب عليه القضاء.
ومن ارتد عن الإسلام سنين ثم عاد إليه لم يلزمه قضاء ما ترك من الصيام في حال ردته.
قال القاسم عليه السَّلام - فيما حكاه عنه علي بن العباس -: ولا يصوم أحد عن أحد.
وروى أبو خالد عن زيد بن علي عليه السَّلام، في المريض يموت وعليه أيام من شهر/98/ رمضان، أنَّه يُطْعَم عنه كل يوم نصف صاعٍ ولا يصام عنه. ومن أصحابنا من قال يجزي الصيام عنه إذا أوصى به، تخريجاً على نصّ يحيى عليه السَّلام فيمن مات وعليه إعتكاف عن نذر، على أنَّه يستأجر من يعتكف عنه إذا أوصى به، وهذا تخريج غير معتمد عليه.(1/211)