باب ذكر ما عنده يجب صيام شهر رمضان وما يصح به الصوم وما يتعلق بذلك
يجب صيام شهر رمضان عند رؤية الهلال في ليله، أو تواتر الخبر برؤيته، أو شهادة عدلين فما فوقهما بذلك، على مقتضى نصّ يحيى عليه السَّلام، وكذلك القول في هلال شوال، ولا فصل في ثبوت رؤية الهلال من طريق الشهادة بين أن تكون السماء جلية مصحية أو متغيمة، على موجب قول يحيى عليه السَّلام.
فإن غُمَّ الهلال عُدَّ من الشهر المتقدم - الذي صح أوله برؤية الهلال - ثلاثون يوماً.
وقال أبو العباس: على أصل يحيى يُعَدُّ من شعبان تسعة وعشرون يوماً إذا غم هلال شهر رمضان، ويصام يوم الثلاثين؛ لأن صوم يوم الشك عنده أولى من إفطاره. فإن غم هلال شوال عُدَّ من شهر رمضان ثلاثون يوماً لا محالة، وهذا صحيح.
قال القاسم فيمن رأى هلال شوال قبل الزوال: أحب إليَّ إتمام الصيام إلى الليل. وعلى هذا إن رأى هلال شهر رمضان يوم الشك قبل الزوال لم يتغير حكمه في أنَّه مشكوك فيه. وشهر رمضان قد يكون تسعة وعشرين يوماً كما يكون ثلاثين يوماً.
وصوم يوم الشك أولى من الإفطار، وينبغي لمن صامه أن ينوي في صومه أنَّه فرضٌ إن كان اليوم من شهر رمضان، وإلا فهو تطوع، حتى تقع النية مشروطة، فإذا صام بنية الفرض عن رمضان مشروطة على الوجه الذي ذكرناه، ثم صح أن اليوم كان من الشهر أجزأه، ولم يجب عليه القضاء.
قال أبو العباس: إن نوى في صومه أنَّه من شهر رمضان إن كان اليوم منه أو تطوع لم يجزه .
ولا يصح الصوم إلا بالنية، على مقتضى نصّ يحيى عليه السَّلام، ولا يجزي صيام شهر رمضان بنية التطوع.(1/202)
قال أبو العباس: فإن لم ينو صيام يوم الشك، ثم استيقن بعد الزوال أنَّه من شهر رمضان فنوى الصوم أجزأه.
وتَجْزِي نية الصوم إذا صادفت جزءاً من النهار سواء وجدت قبل الزوال أو بعده في شهر رمضان وغيره، ما لم يكن صوماً في الذمة كالقضاء والكفارات والنذور.
ولا يصح صوم شهر رمضان و غيره إلا بتجديد النية لكل يوم، على ما خرجه أبو العباس من كلام يحيى عليه السَّلام.
ووقت وجوب الصوم، طلوع الفجر، ويستحب ترك ما لا يصح معه الصوم عند الشك في طلوعه/93/.
ووقت الإفطار، غروب الشمس، وأمارة ذلك ظهور الكواكب الليلية.
وتقديم الإفطارعلى الصَّلاة جائز إن خشي أن يشغله الجوع عنها، قد ذكر القاسم ذلك، وذكر أحمد بن يحيى أنَّه مخير في تقديم أيهما شاء.
ولو أن رجلا رأى هلال شهر رمضان وَحْدَه، وجب عليه أن يصوم، وكذلك إن رأى هلال شوال أفطر وكتم ذلك تجنباً للقالة.
قال أبو العباس - فيمن أسَرَهُ العدو والتبس عليه شهر رمضان -: إنَّه يتحرى، فإن وافق صومه شهر رمضان أو شهراً بعده أجزأه، وإن كان صام قبله لم يجزه ويقضيه.
قال: وإن كان صام في شوال، فإنه يقضي يوماً واحداً، وإن صام في ذي الحجة، فإنه يقضي عن يوم النحر وأيام التشريق فيقضي صوم أربعة أيام.(1/203)
باب ما يستحب فعله للصائم وما يكره
يستحب للصائم أن يزيد في عباداته وقراءته القرآن وتسبيحه في الغداة والعشي، وينبغي له أن يتحفط في نهاره لئلا يسهو فيصيب ما يمنع الصوم من إصابته، وأن يتحرز عند تمضمضه واستنشاقه من دخول الماء إلى حلقه ووصوله إلى خياشيمه، وإن استاك نهاراً توقى أن يدخل حلقه مما جمعه السواك من خلاف ريقه.
ويكره له أن يضاجع أهله ويلمسها ويُقَبِّلَها لا سيما إن كان شاباً، لما لا يؤمن من وقوعه في المحظور عند غلبة الشهوة.
وينبغي أن يتحرز من دخول الغبار والذباب فمه.
ومن جاز له أن يفطر في شهر رمضان لعذر فأفطر، ثم زال السبب المبيح لذلك، استحب له أن يمسك بقية يومه كالمسافر إذا قدم في بعض النهار، وقد أكل في أوله، والحائض إذا طهرت وقد أكلت قبل ذلك.
ويكره له الحجامةإن خشي الضعف، حكاه أبو العباس عن القاسم عليه السَّلام.
ويكره له أن يواصل بين يومين في الصيام.
قال أبو العباس: ويكره له مضغ العلك.(1/204)
باب ما يفسد الصيام وما لا يفسده
يفسد الصوم بأشياء ثلاثة:
أحدها: ما يصل - بفعل الصائم/94/ من خارج - إلى الجوف جارياً في الحلق، سواء كان ذلك عن تعمد أو نسيان أو إكراه أو اختيار.
وثانيها: الوطء في الفَرْج سواء كان معه إنزال أو لم يكن.
وثالثها: إنزال المني عن فعل بسبب يستجلب به ذلك من لمس أو نظر عن شهوة، فإذا أكل أو جامع في نهار شهر رمضان عامداً أو ناسيا فسد صومه وعليه القضاء.
قال أبو العباس: النسيان ضربان، أحدهما: أن ينسى الصوم ويتعمد الأكل والجماع، فهذا يفسد صومه وعليه القضاء.
والثاني: أن لا يتعمد ذلك وإنما يدخل فمه ويصل إلى جوفه من غير اختياره، كالحصاة والدخان والغبار يدخل فمه وينزل إلى حلقه، فهذا لا يفسد صومه. ويجب عليه في العمد أكلاً كان أو وطئاً التوبة مع القضاء، فأما العتق والصوم والإطعام فذلك مستحب عند يحيى بن الحسين غير واجب عليه، وكذلك عند القاسم عليه السَّلام، على رواية يحيى عنه في (الأحكام) ، وفي رواية النيروسي وعلي ابن العباس عنه أن ذلك واجب عليه، وفي (مسائل النيروسي) ما يدل على أنَّه يفصل في النسيان بين الأكل والجماع، فيوجب الكفارة في الوطئ ناسياً.
فإن تعمد إبتلاع شيء مما ذكرناه أو ابتلاع دينار أو درهم أو فلس أو زجاج، فسد صومه وعليه القضاء. وإن تمضمض واستنشق فدخل الماء حلقه ونزل إلى جوفه من فيه أو من خياشيمه، فسد صومه وعليه القضاء.
فإن قَبَّل أو نظر أو لمس من شهوة فأمنى، فسد صومه وعليه القضاء، فإن أمذى استحب له القضاء.(1/205)
قال أبو العباس: فإن طلع الفجر وهو مخالط أو في فيه طعام فعليه أن يتنحى ويلقي الطعام من فيه، ولا يفسد صومه، فإن لبث على حاله من الجماع فسد صومه وعليه القضاء.
فإن أفطر وهو شاك في غروب الشمس ولم يتبين له أن إفطاره كان بعد غروبها، فسد صومه وعليه القضاء، فإن تَسَحَّرَوهو شاك في طلوع الفجر ولم يتبين له أنَّه تسحر بعد طلوع الفجر، كان صومه صحيحاً، وإن تبين له أنَّه أكل بعد طلوع الفجر فعليه القضاء، نصّ عليه القاسم عليه السَّلام.
ولا يفسد الصوم باستعمال الكحل والذروروصب الدهن في الأذن وفي الإحليلولا الحقنة، ويفسده السعوط /95/؛ لأنَّه مما يصل إلى الجوف. ولا تفسده الحجامة. ولا ذوق شيء بطرف اللسان إذا لم يصل إلى الحلق. ولا مضغ الطعام إذا لم ينزل منه شيء، تخريجاً على هذا. ولا يفسده القيء متعمداً ولا مبتدراً إلا أن يرجع إلى الحلق منه شيء. ولا تفسده المضمضة والاستنشاق ولا رش الماء على البدن. ولا بَلَّ الثوب عليه من عطش، نصّ القاسم على ذلك. قال القاسم عليه السَّلام: لا باس بأن يستاك الصائم بالسواك الرطب.(1/206)