وينبغي للمصدق إذا ورد المناهل أن يقسم المواشي التي يريد أخذ زكاتها قسمين، ويخير صاحبها فيهما فيترك القسم الذي يختاره ويأخذ الصدقة من القسم الآخر، وكذلك يفعل في العنب، يجعله على عشرة أجزاء خمسة منها على حدة، وخمسة منها على حدة/86/، ويخير صاحبها فيها، فيترك الخمسة التي يختارها، ويأخذ الصدقة من الخمسة الباقيه، وكذلك يفعل في التمر إذا أراد أخذ الصدقة منه بالخرص، على قياس قول يحيى عليه السلام، ويعدل في جميع ذلك بين الجيد والرديء والوسط.
وإذا جاء المصدق إلى صاحب الغلة فوجده قد باع غلته وهي قائمة بعينها في يد المشتري، أخذ المصدق الصدقة من عينها، ويرجع المشتري على البائع بقيمة ما أخذه منه، وإن كان المشتري قد استهلكها أخذ مثلها أو قيمتها من البائع أو من المشتري على ما يختاره، فإن أخذ ذلك من المشتري رجع على البائع به، وإطلاقُ يحيى القول بإنه يأخذ الصدقة من البائع إن كان المشتري قد استهلك الغلة، المرادُ به أنَّه يأخذها من البائع إن اختار ذلك، حتى لا يحتاج المشتري إلى أن يرجع على البائع بها، لا أنَّهلا يجوز له أخذها من المشتري، فمذهبه في سائر المغصوب إذا استهلكتيقتضي ذلك.
ولرب المال أن يشتري من المصدق ما أخذه منه من الصدقة.
ولا ينبغي للمصدق أن ينزل على من يأخذ منه الصدقة، ولا أن يقبل له هدية، فإن أخذ ذلك كان مردوداً إلى بيت المال؛ إلا أن يكون الإمام قد أذن في ذلك لبعض عُمَّاله لمصلحة يراها فيه.(1/192)


باب زكاة الفطر
صدقة الفطر واجبة على كل مسلم عن نفسه وعن كل عيال كانوا له من المسلمين من صغير أو كبير ذكر أو أنثى حُرٍّ أو مملوك.
وهي تلزم من كان يملك يوم الفطر قوت عشرة أيام لنفسه ولعياله، وإن ملك دون هذا القدر لم تلزمه، وإن كان يملك هذا القدر لنفسه وحده ولا يملك لعياله؛ وجب عليه أن يخرجها عن نفسه فقط، وكذلك إن كان منفرداً وملك هذا القدر وجبت عليه، على ما حصله أبو العباس الحسني.
ووقت وجوبها أول ساعة من نهار يوم الفطر، وهو أول يوم من شوال، وحدَّها طلوع الفجر من هذا اليوم.
وهي صاع من بر، أو صاع من تمر، أو صاع من شعير، أو صاع من ذرة، أو صاع من إقط لأصحاب الإقط، أو صاع من زبيب أو غير ذلك مما يستنفقه المزكون.
ولا يجوز أن يخرج في صدقة الفطر إلا الطعام متى وجد، وإن لم يوجد وتعذر السبيل إليه جاز/87/ إخراج قيمته.
ويجوز أن تُفَرَّق صدقة الفطر عن واحد في جماعة من الفقراء، مع شدة الحاجة إليها لكثرة الفقراء أو لضيق الطعام، وإذا لم تشتد الحاجة فالمستحب أن يدفع صدقة كل واحد إلى واحد من الفقراء.
ويجوز أن تخرج صدقة الفطر من غير ما يأكله الإنسان من غير قوت بلده، والمستحب أن يخرجها مما يأكله ويقتاته، إلا أن يعدل عنه إلى ما هو أعلى منه.
والمستحب إخراجها في أول النهار يوم العيد، بعد تناول شيء من الطعام أو شربة من الماء، ثم يخرجها قبل صلاة العيد، فإن أخرج ذلك إلى آخر النهار جاز، والتعجيل أفضل.(1/193)


فإن لم يجد من وجبت عليه مستحقاً لها يوم الفطر عزلها إلى أن يجد، وإن علم لها مستحقاً في مكان وَجَّهَ بها إلى هناك، وكذلك إن كان من ذوي رحمه من لا تلزمه نفقته في مكان آخر جاز أن يوجهها إليه.
قال القاسم عليه السلام: إن عَجَّلَها في شهر رمضان فهو أفضل. قال أبو العباس: وكذلك عنده إن عجلها في شعبان؛ لأنَّه نصّ على جوازها قبل الفطر مطلقاً، وما ذكره يحيى بن الحسين في (المنتخب) من أنَّه لا يخرجها ليلة الفطر، فإنه محمول على أن المراد به بيان وقت وجوبها وأنه يوم الفطر.
وإن مضى يوم العيد وهو لا يلزمه صدقة الفطر لإعدامه، ثم أيسر في اليوم الثاني لم يلزمه إخراجها.
قال أبو العباس: وعلى هذا لو ولد له يوم الفطر مولوداً أو ملك مملوكاً فعليه زكاة الفطر عنهما. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: يجب أن يكون المراد بقوله: إن ملك مملوكاً يوم الفطر. أن يملكه من جهة الإرث لا من جهة الشراء على ما بينا من تفصيله في (الشرح) .
وإن مات العبد ليلة الفطر لم تلزمه صدقة الفطر عنه، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ومن خشي أن لا يجد من الطعام ما يخرجه يوم الفطر، فينبغي له أن يرتاده قبل ذلك ويحصله.
فإن تعذر عليه إخراجها لغيبة ماله عنه فليرغالسلف، فإن لم يتمكن من ذلك كان ديناً عليه إلى أن يظفر به. وإن وجبت عليه صدقة الفطر، ثم أفلس قبل إخراجها، كان ديناً عليه، على قياس يحيى عليه السلام.
ولو ارتد عن الإسلام قبل يوم الفطر ثم رجع إلى الإسلام بعده لم تلزمه صدقة الفطر، على قياس قول يحيى عليه السلام.(1/194)


قال أبو العباس: يجب على الزوج إخراج صدقة/88/ الفطر عن زوجته، على قياس قول يحيى عليه السلام، وهذا ظاهر على أصله، كما ذكر أبو العباس، مؤسرة كانت أو معسرة، وإن كان الزوج فقيراً وهي مؤسرة لزمها أن تخرج عن نفسها وعن كل من تلزمها نفقته.
قال أبو العباس: ويجب إخراجها عن العبد المرهون، وعن العبد المغصوب، والآبق إذا كان يرجو وصولهما إليه، على أصل يحيى. وحكى عن يحيى بن الحسين: أنها تلزم عن مماليك مملوكه المأذون له في التجارة؛ لأنهم مماليكه، وعلى هذا تلزم عن عبيده للتجارة وعن عبده المأذون له.
قال رحمه اللّه في (النصوص) : لو ابتاع يوم الفطر مماليك على أنَّه بالخيار أو هما جميعاً ولم ينقطع الخيار أو جاز وقته وزادوا أو نقصوا في يده، أو ماتوا، فعليه إخراج زكاة الفطر عنهم، كما نصّ يحيى عليه السلام، على أنهم إن ماتوا فهم من مال المبتاع، وإن كان الخيار للبائع فعليه إخراجها عنهم دونه، وذكر في موضع آخر أنها على البائع إذا اشتراهم يوم الفطر وهو الأولى، وقد بينا الكلام فيه في (الشرح) .
قال أبو العباس: ولا فطرة على المكاتب، وصدقة الفطر تلزم المسلم عن عياله المسلمين، ولا يجب إخراجها عن العبد الكافر، ولا يجب إخراجها عن الجنين ولا على الأجير.
قال أبو العباس: وإن كان عبد بين اثنين لزمهما إخراجها عنه على قدر ملكهما.
قال رحمه اللّه في (النصوص) : ويلزمه إخراجها عن من لزمته نفقته، حاضراً كان أو غائباً، على أصل يحيى عليه السلام.(1/195)


قال: ومن تلزمه نفقته ممن يرثه من ذوي أرحامه ومواليه الذين أعتقهم، إنما يجب عليه إخراجها عنهم إذا لم يملكوا يوم الفطر ما تجب عنده صدقة الفطر، وعلى هذا الأصل إذا زوج عبده من أمته لزمه إخراج الفطرة عنهما، فإذا زوجها من عبد أجنبي ففطرتها على مولى العبد، وإن زوجها من حُرٍّ كانت فطرتها على الزوج كالنفقة.
قال أبو العباس: وإن ملك العبد يوم الفطر كانت فطرته على البائع، وإن ملكه ليلة الفطر كانت الفطرة عليه - يعني المشتري -، وإن ابتاعه في رمضان ثم قبضه من البائع أول يوم من شوال، كانت فطرته على المشتري.
ولا يجوز إخراج صدقة الفطر إلى فقير أهل الذمة.
قال يحيى بن الحسين في (المنتخب) في جواب السائل عمن له أخذ صدقة الفطر ولا يجب عليه إخراجها: إنَّه من لا يملك يوم/89/ الفطر قوت عشرة أيام. فَمِنْ أصحابنا من حمل هذا القول على من له أخذ الفطرة ولا يلزمه إخراجها، وقد ذكر أبو العباس هذا في (النصوص) ، وذلك يقتضي أن من ملك يوم الفطر قوت عشرة أيام أنَّه لا يجوز له أخذها، فقد نصّ على أنَّه يلزمه إخراجها، والأولى أنَّه عليه السلام إنما قصد به بيان ما سأله عنه السائل من صفة مَنْ لا يلزمه إخراجها، وإن كان ذكر في سؤاله من يجوز له أخذها، ولكنه فهم من كلامه أن مقصوده بالسؤال من لا يجب عليه ذلك. فقال: هو من لا يملك قوت عشرة أيام.
ولا يصح اعتبار الوزن في كمية الصاع، وإنما يعتبر فيه الكيل فقط، وهو الصاع المعهود بالمدينة، وذكر أبو العباس أن وزنه تقريباً ستمائة وستة وستون وثلثان.(1/196)

39 / 168
ع
En
A+
A-