باب ذكر أهل الصدقات
أهل الصدقات ثمانية أصناف، فمنهم:
الفقراء: وهم الذين لا يملكون القدر الذي لا يستغنى عنه، كالمنزل وثياب الأبدان والخادم. قال أبو العباس: وسواء بلغ ذلك ما يكون قيمته قدر النصاب أوكان دونه.
والمساكين: وهم أهل الفاقة والضراء الذين يقصر حالهم عن حال الفقراء، ولا يملكون القدر الذي ذكرنا.
والعاملون عليها: وهم السُّعاة في جبايتها وجمعها. قال محمد ابن القاسم فيما حكاه عنه أبو العباس: هم يجرون مجرى الأجراء، وإن لم يكن ذلك إجارة محضة؛ لأن ما يأخذونه ليس على عمل معلوم. وقال رحمه اللّه: ويستوى في ذلك حال الغني والفقير، لأنهم يأخذون منها على العَمَالة، إلا مَنْ لا تحل له الصدقة من آل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، فإنهم لا يعطون منها على العمالة، وروى محمد بن القاسم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنَّه منع بني هاشم من تولي عمالتها، ولما/83/ سئل عن ذلك قال: (( إنها غسالة أوساخ النَّاس )) .
والمؤلفة قلوبهم: وهم أهل الدنيا المائلون إليها، الذين لا يتبعون المحقين إلا على ما يُعْطَون منها، ولا يستغني الإمام عنهم، إما انتصاراً بهم، أو تخذيلاً لهم عن معاونة الأعداء، فيتألفهم كما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يتألفهم.
وفي الرقاب: وهم المكاتبون يُعانُون على أداء الكتابة من مال الصدقة على قدر حاجتهم وضعفهم، إذا كانوا من أهل الدين ولم يكونوا فساقاً، وعلى هذا حمل يحيى بن الحسين ما في الآية من ذكر الإيتاء.
والغارمون: وهم الذين لزمتهم الديون من غير سرف ولا إنفاق في معصية.(1/187)


ومن يُعْطَى في سبيل اللّه، فهم: المجاهدون يعطون منها ما يتقوون به، ويصرفونه إلى سلاحهم وكراعهم ونفقاتهم، ويصرف أيضا من هذا السهم إلى سائر مصالح المسلمين المقربة إلى اللّه تعالى، نحو إصلاح طرقهم وبناء مساجدهم وحفر الآبار والسقايات، وتكفين موتاهم إذا فضل عما ذكرنا.
وبنو السبيل: وهم مارة السبيل المسافرون الذين بعدوا عن أوطانهم، فلا يجدون ما يوصلهم إلى أهاليهم فيعطون ما ينفقونه ويحتملون به إلى بلادهم، وإن كان لهم أموال في أوطانهم، وكلما استغنى صنف من هذه الأصناف صرف سهمه إلى غيره من سائر الأصناف المحتاجين على ما يراه الإمام، وإن رأى صرف جميع الصدقات إلى صنف واحد من هذه الأصناف جاز ذلك.
قال القاسم عليه السلام - فيما حكاه أبو العباس -: لا يُعطى شيئا من هذه الصدقات إلا من كان موافقاً في الدين، فأما المخالف فلا يجوز صرفها إليه. وحكى رحمه اللّه عن محمد بن يحيى: أن من لا يعلم منه خلاف أُعْطِيَ على ظاهر الإسلام.
ومن دفع إلى إنسان صدقة ماله وهو فقير ثم أيسر بها أو بغيرها قبل الحول أو بعده؛ فقد نفذت الصدقة وأجزت، نصّ عليه محمد بن يحيى على ما حكاه عنه أبو العباس، ويجوز دفع الصدقة إلى ولي اليتيم لينفقها عليه إذا كان مؤتمناً، على ما ذكره أبو العباس.(1/188)


باب ذكر من لا تحل له الصدقة
الذين لا تحل لهم الصدقة صنفان: فصنف تحرم عليهم لأنسابهم/84/، وصنف تحرم عليهم لأحوالهم.
فالصنف الأول: هم آل رسول اللّه صلى اللّه عليه، وهم آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل العباس بن عبد المطلب، وكذلك آل الحارث بن عبد المطلب؛ لأنهم يجرون مجرى آل العباس في الإنتساب إلى بني هاشم، وإنما اقتصر يحيى على ذكر البطون الأربعةلأن جُلّ بني هاشم وجمهورهم هؤلاء، وقد نبه بذكرهم على من لم يذكره منهم، فهؤلاء لا تحل لهم الصدقة على وجه من الوجوه لاختصاصهم بهذا النسب، ومن اضطر منهم إلى تناولها؛ وكان تناول الميتة يضره، فإنه يتناول منها على سبيل الإستقراض، ويرد ذلك متى أمكنه، وقد روى أصحابنا أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لأبي رافع: (( لا تحل الصدقة لآل محمد؛ ومولى القوم منهم )) .
فأما الصنف الآخر وهم الذين لا تحل لهم الصدقة لأحوالهم: فمنهم من لا تحل له لحال هو عليها، فإذا فارقها حلت له، نحو أن يكون على دِيْنٍ باطل أو فسق، أو يكون مالكاً للقدر الذي تجب فيه الزكاة. ومنهم من لا تحل له لحال هو عليها من جهة، وتحِل له من جهة أخرى، نحو من يلزم الغير نفقته، فإن ذلك الغير لا يحل له إخراج زكاته إليه، ولا يجوز له أخذها منه، ويحل له أخذ الزكاة من غيره.(1/189)


قال القاسم عليه السلام في (مسائل النيروسي) : لا يجوز أن يعطى الزكاة مشركاً، ولا مبدياً لتشبيه اللّه بخلقه. وقال محمد بن يحيى في (الإيضاح) : لا يُعْطَى العشر فاسق ذو كبيرة وإن كان فقيراً. وقال في (مسائل العوقي) : من كان يعطي زكاته المنافقين والسفهاء ثم تاب فإنه يكون ضامناً لها.
وقال يحيى عليه السلام: لا يجوز أن يعطي الرجل زكاته أباه ولا أمه ولا ولده ولا زوجته ولا أحداً من أقاربه الذين تلزمه نفقتهم، فأما ذووا أرحامه وأقاربه الذين لا يلزمه نفقتهم، فإنه يعطيهم وهم أحق بها من الأجانب.
قال عليه السلام في (الأحكام) : فإن كان أقاربه مخالفين في الدين، فالأباعد من المؤمنين أحق بها.
قال محمد بن القاسم - فيما حكاه عنه أبو العباس -: يجوز أن تعطي المرأة زوجها من زكاتها، ولا يجوز أن يعطي الرجل زكاته مملوكه ولا مُدَبَّرهولا أم ولدهإلا أن يكون قد ثبت عتقهم.
والفقير الذي لا يملك النصاب لا فرق بين أن يكون/85/ قوياً في بدنه متمكنا من الكسب، وبين أن يكون ضعيفاً، في جواز دفع الزكاة إليه.
ولا يجوز أن يدفع إلى أحد من الفقراء إلا دون النصاب، ولا يجوز أن يعطى الزكاة مَنْ عنده - من أي أصناف الأموال كان - ما تجب فيه الزكاة.
قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه - فيمن له دين على فقير -: لا يجوز له أن يحتسب به من صدقته حتى يقبضه ثم يرده إليه إن أحب، ويجوز دفع الزكاة إلى عبد له مولى فقير، على قياس قول يحيى عليه السلام.(1/190)


باب كيفية استيفاء الزكاة وإخراجها إلى مستحقيها
إذا كان في الزمان إمام حق فإليه استيفاء الزكوات كلها من أصناف الأموال الظاهرة والباطنة، أو إلى من يلي من قِبَلِه، وله أن يجبر أربابها على حمل الزكوات إليه، وأن يستحلف من يتهمه بإخفائها، فإن أخرجها رب المال مع علمه لمطالبة الإمام لم تجزه.
فإن أبطأ المصدق على أرباب الأموال فأخرجوها إلى مستحقيها أجاز المصدق لهم بعد أن يُعْلِمهم أنهم إن عادوا لمثله لم يجزْ لهم، فإن ادعوا أنهم أخرجوها ولم يكن المصدق تحقق ذلك طالبهم بالبينة وبحث عن الحال، فإن صح ما ادعوه وإلا طالبهم بها وأخذها منهم.
فإن لم يكن في الوقت إمام حق، وجب على أرباب الأموال أن يفرقوها في مستحقيها.
ولا ينبغي أن تخرج زكاة مال لأهل بلد إلى بلد سواه وفيهم فقير مستحق، فإن لم يكن فيهم مستحق جاز ذلك، وكذلك إن رأى الإمام إخراجها إلى مكان آخر وجب أن يعمل على ما يراه.
ولو أن رب المال عزل زكاة ماله فهلكت لزمه الضمان، وكذلك إن أخرجها ليحملها إلى بلد الإمام فهلكت في الطريق لزمه الضمان، ولو سلمها إلى الإمام أو وكيله فتلفتت لم يضمنها، وكذلك لو قال له وكيل الإمام: إعزل زكاة مالك فعزلها فتلفت ضمنها، وإن تسلمها من الإمام أو من وكيله فتلفت لم يضمنها، وكذلك لو تسلمها الإمام أو وكيله من صاحب المال ثم ردها إليه وجعلها وديعة عنده فتلفت لم يضمنها.(1/191)

38 / 168
ع
En
A+
A-