وكل ما يجب فيه الزكاة من أنواع ما تخرج الأرض، وجب إخراجها منه قبل دفع شيء فيها للمؤن، ولا يحتسب بما ينفقون منها، نحو ما يلزم في حفر بئر أو ثمن دلو أو إنفاق على الأرض أو نفقة أجراء.
قال/77/ القاسم عليه السلام في (مسائل بن جهشيار) فيمن قَبَّل أرضه غيره بدراهم معلومة فزرعت، كان العشر على صاحب الْحَب. قال: وكذلك إن قَبَّلها بطعام كان العُشر على من له الزرع.
وقال أيضا في هذه (المسائل) : إن اشترى أرضاً للتجارة وجب عليه العشر في الزرع، والزكاة في ثمن الأرض.
وقال عليه السلام في هذه (المسائل) : مَنْ زرع أرَضِينله فحصل منها عند الدياسة عشرة أجربةمن طعام، فأخرج العُشُر وطرح الباقي بذراً، فخرج هذا القدر، فعليه العشر منه. وعلى هذا لا فرق بين أن يزرع موضعاً أو مواضع متقاربة أو متباعدة، في أنَّه يجب ضم بعض ما يخرج منها إلى بعض، وإخراج العشر إذا بلغ خمسة أوسق، وكذلك التمر فإنه جنس واحد، وكذلك لا فرق بين أن يحصل جميع ذلك في وقت واحد أو يتقدم حصاد بعضه على بعض.(1/177)


باب أحكام الأرضين وذكر الخراج وكيفية وضعه
الأرضون ستة أنواع:
[1] فأرض افتتحها المسلمون عنوة واقتسموها فيما بينهم، فهي ملك لهم يتوارثونها، ويجب عليهم فيها العشر، كأرض (خيبر) التي قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بعضها بين المسلمين، وعامل على بعضها بالنصف، وتركه في أيدي أهلها.
[2] وأرض أسلم عليها أهلها طوعاً، فهي لهم ويلزمهم فيها العشركأرض (الحجاز) و (أرض اليمن).
[3] وأرض أحياها رجل مسلم فهي له ولورثته من بعده، ويلزمه فيها العشر.
[4] وأرض أُجلي عنها أهلها قبل أن يُوجف عليهم بخيل أو ركاب أو يُقَاتَلوا، مثل أرض (فدك)، فهذه لإمام المسلمين ينفق منها على نفسه وأسبابه، ويضع ما يرتفع منها حيث يشاء، كما كانت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.
[5] وأرض افتتحها المسلمون وتركوها في أيدي أهلها على خراج يؤدونه فهي أرض خراج، كسواد (الكوفة) و (مصر) و (الشام) و (خراسان) ونحوها، فإن انتقلت إلى المسلمين لزمهم فيها الخراج مع عشر الزرع؛ لأن الأرض ليست بملك لهم وإنما هي في أيديهم كما تكون الأرض المستأجرة في يد الأجير، وكما يجب عليه إخراج الكرى إلى رب الأرض وإخراج العشر مما يخرج منها فكذلك هذا؛ لأن الخراج يجري مجرى كرى الأرض/78/.
[6] وأرض صُولح عليها أهلها وهم في مَنَعَة، فيؤخذ منهم ما صولحوا عليه لبيت المال، كأهل (نجران).(1/178)


قال علي بن العباس: سمعت يحيى بن الحسين يحكي عن جده عليهم السلام: أن بلاد العرب من (العذيب) إلى أقصى (اليمن)، ومن (عمان) إلى (تيماء) و (البحرين)، وتخوم أرض (الشام) كلها عُشْرِيَّة، وأرض (العراق) وأكثر الجبال و (خراسان) كلها صلحية خراجية. وما يؤخذ من هذه الأرضين كلها - سواءٌ العشر من مال الخراج ومال الصلح وما عومل عليه أهلها من مقاسمة - فهو فيءٌ تحل لمن لا تحل له الصدقة من آل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، وهم أولى به من غيرهم، وكذلك الإمام له أن يتناول منه. فإن أسلم أهلها بعد ذلك أو انتقلت إلى المسلمين لزمهم فيها العشر مع الخراج.
أطلق يحيى بن الحسين القول - بأن من أحيا أرضا فهي له ولورثته ويلزمه فيها العشر - في (الأحكام) ، وقال في (المنتخب) : أمر الأرضين إلى الإمام إذا كانت الأرض لاصاحب لها.
ولا يجوز لذمي إحياء المَوَات على أصل يحيى عليه السلام، ومن تحجر محجراً أو ضرب عليها أعلاماً فهو أولى بها مالم يعطلها ثلاث سنين، فإن عطلها هذه المدة كان أمرها إلى الإمام، ويدفعها إلى من يعمرها إذا رأى ذلك إصلاحاً وامتنع هو من عمارتها.
قال يحيى بن الحسين: روي أن أمير المؤمنين أمر عامله أن يضع على كل جريب زرع غليظ درهماً ونصفاً، وعلى كل جريب زرع وسط درهماً، وعلى كل جريب زرع رقيق ثلثي درهم، وأمره أن يضع على كل جريب من النخل عشرة دراهم، وعلى كل جريب من القصب عشرة دراهم، وعلى كل جريب - البستان الذي يجمع النخل والشجر - عشرة دراهم، وأمره أن يلقي كل نخل شاذ عن القرى لمارة الطريق.(1/179)


قال أبو العباس رحمه اللّه: ما رواه يحيى عن أمير المؤمنين عليه السلام من توضيف الخراج على قدر الزرع، يقتضي أن الأرض التي لا تصلح للزرع لا يجوز أن يوضع عليها الخراج.
قال القاسم عليه السلام - فيما حكاه عنه على بن العباس -: إن اصطلمت زراعة الخراجية آفة لم يؤخذ منها خراج، فإن عطلها صاحبها أُخذ منه.
قال محمد بن عبد الله في (سيرته) : يؤخذ خراج الأرض والجزيةفي كل سنة مرة واحدة، ولا تباع من أهل الذمة الأراضي المغلة التي يملكها المسلمون، ولا تؤجر منهم لئلا تبطل أعشارها/79/. وقد روي عن محمد بن عبد الله في الذمي إذا اشترى من مسلم أرضاً أنها تعود خراجية، فإن عادت ملكاً للمسلم عادت عشرية، وإن وهب مسلم من ذمي أرضاً عُشْرِية ضرب عليها الخراج، فإن رجع في هبته عادت عشرية، وإن اشترى تغلبي أرضاً عُشْرِية لزمه فيها عشران، فإن اشتراها منه ذمي ضرب عليها الخراج، فإن عادت إلى تغلبي فعليه عشران، وإن عادت إلى مسلم فعليه عشر واحد، فإن أسلم التغلبي أو الذمي أخذ منه العشر كما يؤخذ من أرض المسلمين.(1/180)


باب زكاة أموال التجارة وما يكون في حكمها
كل صنف من أصناف الأموال التي تكون للتجارة من العروض والمأكول والحيوان وغير ذلك ففي قيمته - إذا بلغت النصاب - الزكاة، وكذلك العبيد والخيل والبغال والحمير إذا اُتجر فيها، والعوامل من الإبل والبقر والمعلوفة من الغنم إذا كانت للتجارة، ففي قيمتها ربع العشر، فأما إذا كانت للنتاج فقط من غير أن تقصد للتجارة بذلك فلا زكاة فيها، على ما حصله أبو العباس من المذهب، وذكر أن ما في (المنتخب) من ذكر النتاج فإن المراد به إذا كان ذلك للتجارة بأن يتصرف في أولادها بالبيع، وكذلك القول إذا كانت الأرضون والدور والحوانيت والعبيد والخيل والبغال والحمير للإستغلال، فأما العبيد الذين يُمسكون للخدمة والتصرف في التجارة، فلا زكاة عليهم، وكذلك الدُّور والحوانيت التي تكون مساكن أو متاجر، وكذلك الخيل والبغال والحمير التي تكون للركوب لا زكاة في شيء منها.
ولو أن رجلاً اجتمع عنده من وبَرٍ أنعامه وأصواف أغنامه وألبانها ما يبلغ قيمته النصاب، لم يجب عليه الزكاة فيها، فإن عارض بها سلعة من السلع للتجارة وحال عليه الحول وجبت الزكاة في قيمتها.
ولو أن رجلا اشترى مسكناً ليكريه، ثم بدا له فجعله للسكنى لم تجب في قيمته الزكاة. قال أبو العباس: وعلى هذا إن اشترى إبلاً أو غيرها من المواشي للتجارة ثم خلاَّها سائمة فقد حالت عن التجارة، يعني أن الزكاة تجب في أعيانها لا في قيمتها كسائر السوائم/80/، وإن اشتراها لغير التجارة ثم نوى أنها للتجارة لم تصر كذلك بالنية؛ لأن النية لا تصير لها حكم التجارة.(1/181)

36 / 168
ع
En
A+
A-