ولو كانت بينهما مائة وخمسون شاة، لأحدهما ثلثاها وللآخر ثلثها، أخذ المصدق منها شاتين، ورد صاحب الثلث على صاحب الثلثين قيمة ثلث شاة، لأن ما أخذه من صاحب الثلثين/74/ لصاحب الثلث فيه ثلث شاة، وما أخذ من صاحب الثلث فلصاحب الثلثين فيه ثلثا شاة، فيتقاضان في الثلثين ويبقى لصاحب الثلثين، على صاحب الثلث قيمة ثلث شاة، وكذلك القول في الإبل والبقر.
ولو مات رجل وخلف مائة شاة وثلاثة بنين، ولم يقسموها أخذ المصدق منها شاة واحدة، وكذلك إن بقيت في أيدهم سنين كثيرة، ولم يقمسوها أخذ المصدق منها كل سنة شاة واحدة إلى أن يقسموها، هكذا ذكر يحيى في (المنتخب) .
قال أبو العباس رحمه اللّه: فإذا اقتسمها الورثة، استأنفوا الحول في إخراج زكاتها من حين القسمة، ولم يبنوا على حول الميت، وهذا يقتضى أن رب المال إذا مات قبل تمام الحول واقتسم الورثة ما ورثوه لم يبنوا زكاته على حول الميت واستأنفوا له حولاً عند قمسته.(1/172)


باب زكاة ما أخرجت الأرض
الصدقة واجبة في جنس جميع ما أخرجته الأرض، وذلك إما أن يكون مكيلاً كالحبوب وغيرها مما يكال، نحو التمر والزبيب، أو يكون غير مكيل كالفواكه والبقول ونحوها من الخضروات والحطب والقصب، وجميع ذلك إما أن يكون سقيه سيحاً أو من ماء السماء، أو مستبعلاً من الشجر، وإما أن يكون بالدوالي والخطَّارات والسواني، فما كان منها سقيه سيحاً أو من ماء السماء أو من الشجر مستبعلا ففيه العشر إذا بلغ النصاب، وما كان سقيه بالدوالي والسواني والخطارات ففيه نصف العشر، فإن كان في سقي بعض السنة سيحاً وفي بعضها يسقى بالدوالي، والسواني، نحو أن يكون نصف السنة سيحاً ونصفها بالدوالي وجبت الصدقة فيها على حساب ذلك، فيكون في نصفه العشر، وفي النصف الآخر نصف العشر، فيؤخذ منه ثلاثه أرباع العشر؛ لأن عشر الأربعين أربعة، إذا وجب في نصفه العشر أخذ من العشرين اثنين، وإذا وجب في النصف الآخر نصف العشر يكون المأخوذ منه واحداً، فيكون الجميع ثلاثة من أربعين.
فإن كان أياما يسقى سيحاً وأياماً يسقى بالدوالي، ويختلف ذلك في القلة والكثرة وجب أن يراعى فيه الأغلب، فإن كان السيح هو الغالب، والآخر/75/ يسير، بحيث لا يعتد به في زيادة المؤنة، وجب العشر، وإن كان مما يعتد به في زيادة المؤنة، أخرج على حساب ذلك، على قياس قول يحيى عليه السلام.(1/173)


وما كان من ذلك مكيلاً، فإنه لا زكاة فيه حتى يبلغ خمسة أوسق، وإن نقص صنف من أصناف المكيلات عن خمسة أوسق لم يجب فيه شيء، ولم يضم صنف منها إلى صنف آخر، نحو أن يكون خمسة أوسق إلا صاعاً من الحنطة، وخمسة أوسق إلا صاعاً من الشعير، فإن أحدهما لا يُضَمُّ إلى الآخر، وكذلك الذرة والأرز. والوسق ستون صاعا، والصاع ثلث مكوك العراق.
وأما ما لا يكال، نحو الفواكه والبقول وسائر الخضروات وما في معناها، نحو الزعفران والقطن والحنا وغير ذلك من الكُتَّان والقصب والحطب، فإنه إذا بلغت قيمته مائتي درهم وجب فيه العشر، أو نصف العشر، على قدر السقي، سواء أغلت الأرض ذلك دفعة أو دفعتين أو أكثر.
وإن نقصت قيمة صنف من هذه الأصناف عن مائتي درهم، لم يجب فيه شيء، ولم يضم صنف إلى صنف، نحو أن يكون لرجل من الرمَّان والتفاح والقطن والقثاء ما قيمة كل واحد منها مائة وتسعون درهماً، وكذلك البطيخ والزعفران.(1/174)


وما تجب فيه الزكاة من جميع ذلك مما يكال أو لا يكال، فإن الصدقة تؤخذ من عينه دون قيمته، إلا ما تخرجه الأرض أولاً فأولاً ولا يمكن حبس أوله على آخره، نحو البطيخ والقثاء؛ فإنه إذا لم يخرج منه دفعة واحدةً ما قيمته مائتا درهم، وعُرف في آخره أنَّه حصل من ثمنه هذا القدر، أخذ منه عُشْرٍه أو نصف عُشرِه، على ما يقتضيه ظاهر كلام يحيى عليه السلام، وقد مر لأبي العباس الحسني رحمه اللّه ما يقتضي أنَّه يؤخذ من غير الخارج، وعلى هذا ينبغي أن يؤخذ على الخرص كما قال رحمه اللّه: إن المصدق يقاسم صاحبه على ما يخرج في كل جَزَّةٍ، فإن لم يبلغ نصاباً في آخر السنة رَدَّ المصدق ما أخذه على صاحبه، وقد قال في موضع: لا تؤخذ زكاة ما تخرج الأرض إلا من العين، فتحصيل المذهب على هذا أن الأخذ من العين هو الواجب، فإذا فات ذلك أخذ من الثمن.
والخَلْفُ الذي يخرج في السنة دفعات، كالقطن والحناء وما يجري مجراهما، إن كان يخرج منه دفعة واحدة ما يبلغ قيمته مائتي درهم أخذ زكاته، فإن كان لا تبلغ هذا القدر ضُمَّ ما يخرج من بعد إلى ما تقدم، فإذا بلغ/76/ النصاب أخذ منه الزكاة، ويعتبر ذلك في كل ما يخرج إلى آخر السنة، فإن كان ما يخرج إلى آخر السنة ينقص عن النصاب، لم يجب فيه شيء، ولم يضم ما يخرج منه في عام إلى ما يخرج منه في عام آخر.
قال أبو العباس رحمه اللّه: وإن خَرَص في أولها ما يستخلف إلى آخر السنة وأخذ منه الزكاة، ثم نقص في آخرها عن المبلغ الذي تجب فيه الزكاة، كان المأخوذ حقاً لصاحب الغِلَّة على المصدق يرده عليه.(1/175)


قال رحمه اللّه: وإن أصابته آفة بعد إدراكه وإمكان حصده وفرط فيه ضمنه، فإن كان ذلك في مبتدأ إدراكه وقبل بلوغ أوان الحصادلم يضمن، وإن أخذ منه قبل أن يبلغ هذا الحد دون ما تجب فيه إذا بلغ، ثم ضربت أصولها بإعصار فاحترقت، فللساعي الإستبانة، فإن عاد من أصولها تمام ما يعشر منه أخذ ذلك، وإن لم يعد رَدّ المأخوذ على صاحبه، وقد أومى يحيى عليه السلام إلى هذه الجملة في (المنتخب) .
وما يؤخذ من كُوْر النَّحل من العسل، فحكمه حكم ما لايكال مما تخرج الأرض، في أنَّه إذا بلغت قيمته مائتي درهم وجب فيه العشر، فإن لم يجتمع دفعة واحدة ما يبلغ قيمته هذا القدر، واجتمع في آخر السنة ذلك أخذ منه زكاته، فإن أخذ منه العشر في الأول قبل أن يكمل النصاب، ثم رُمِي النحل بآفة أتلفته، رَدَّ المصدق على صاحبه ما أخذ منه.
وما هو مكيل في جنسه عند يبسه، وأريد الإنتفاع به قبل أن ييبس ويكال كالعنب والتمر، فإنه يخرص عند بلوغ استحكام الجودة حتى لا يبقى في التمر بلح ولا في العنب حِصْرِم، فإذا غلب على ظن من ينظر الخرصويعرف مقاديره - إن كان كرماً أو نخيلاً - [أنه] يبلغ عنبه إذا صار زبيباً، أو رطبه إذا صار تمراً - خمسة أوسق، أخذ منه العُشُر أو نصف العشر على قدر السقي، وقد مر ليحيى عليه السلام في رواية (المنتخب) أن العنب إذا كان لا يزبب أنَّه يُقَوَّم كما يقوم سآئر ما لا يكال، والمعمول عليه ما ذكرناه، وهو الذي نصّ عليه في (الأحكام) .(1/176)

35 / 168
ع
En
A+
A-