ومن صلى على الفساق والمخالفين ضرورة، فإنه يدعو عليهم ولا يدعو لهم. قال القاسم عليه السلام: يلعن كما روي عن الحسين بن علي عليهما السلام في صلاته على سعيد بن العاص.
وحكى أبو العباس عن محمد بن عبداللّه في الصبي والصبية إذا سُبِيَا من دار الشرك وليس معهما أحد من أبويهما أنَّه يُصَلَّي عليهما في دار الإسلام، فإن كانا معهما أو أحدهما وأسلم واحد منهما يصل عليهما، وكذلك في دار الحرب، فإن لم يسلما ولا أحدهما لم يصل عليهما.
قال القاسم عليه السلام: وإن سبيت جارية فلمولاها وطؤها، وإن لم تصفالإسلام، ويُصلَّى عليها إذا ماتت لأنها صارت للمسلمين.(1/152)
باب دفن الميت والتعزية عليه
ينبغي أن يُلْحد لقبور المسلمين إلا أن لا يُتمكن من ذلك، ويُستحب أن ينضد على القبر اللبن أو الصفا أو القصب، ويكره الآجر إلا من ضرورة، ويكره أن يفرش فيه شيء أو توضع وسادة، ويكره تجصيصه وتزويقه وتسقيفه، ولا بأس بتطيينه وطرح الرضاضعليه، ويستحب أن توضع الجنازة عند موضع الرجلين من القبر ويدخل الميت إلى قبره من جهة رأسه ويُسَلّ سلاً رفيقاً.
قال القاسم (ع): يؤخذ من منكبيه وصدره فإذا أُدخل القبر وُضع على حضيض من الأرضويوسد بتراب أو نشزمن اللحد ويوجه إلى القبلة على جنبه الأيمن.
قال أبو العباس: ويُدْخِل الرجل امرأته إلى قبرها، على قياس قول يحيى عليه السلام: أنَّه يغسلها، وإلا فمحرمها، وتغطى بثوب من فوقها.
قال القاسم عليه السلام: لا تدفن جماعة في قبر واحد، إلا أن تدعو الضرورة إلى ذلك، فإن اضطروا حجز بينهم بحواجز من تراب.
ويستحب أن يحثى على القبر ثلاث حثيات من تراب، ويستحب تربيع القبر. قال علي بن العباس: رأيت أولاد القاسم يأمرون بالرش على القبر. قال أبو العباس: يرفع القبر من الأرض قدر شبر.
قال القاسم عليه السلام - فيمن/64/ يموت في البحر ولا يتمكن من دفنه في البر -: يغسل ويكفن ويعصب ويُرَسَّبفي البحر إذا خشي أن يفسد وينتن، ولا بأس أن يُنقش اسم الميت على اللوح ويُنصب على القبر والصخر أولى من اللوح.
قال زيد بن علي عليهما السلام: لا تُتبع الجنازة بمجمرة.
قال القاسم عليه السلام: ولا بأس بتعزية أهل الذمة، ولا يُدعى لهم بالمغفرة ولا تُشهد جنائزهم، وكذلك قال يحيى. وقال: يقال لهم قولاً حسنا.(1/153)
وإذا ماتت الذمية وفي بطنها ولد مسلم كان حكمها حكم سائر أهل ملتها في الدفن وغيره، ولا تدفن في مقابر المسلمين.
قال أحمد بن يحيى: لا يجوز أن تُزرع أرض يُعلم أنها كانت مقبرة في الجاهلية.(1/154)
باب الأصناف التي تجب فيها الزكاة وشرائط وجوبها
الزكاة واجبة في أصناف الأموال كلها، من: عين، وورِق، وماشية، وسلعة، ومُستغَلٍّ، وثمار، وما تخرجه الأرض من حب وغيره مما يكال أويوزن، أولا يكال ولا يوزن.
وشرائط وجوبها تنقسم، فمنها: ما يختص المالك، ومنها: ما يختص المال.
فأما ما يختص المالك: فأن يكون مسلماً حراً بالغاً كان أو غير بالغ، متمكناً منه أو راجياً لهإذا لم يذهب عن يده ويحصل في بلاد المشركين.
وما يختص المال، فهو: أن يبلغ النِّصاب، وتقديره بالوزن في الذهب والفضة، أوالعدد في المواشي، أوالكيل فيما يكال، أو القيمة في أموال التجارة والمستغلات، وفيما يخرج من الأرض مما لا يكال ولا يوزن، أو يوزن ولا يكال. وحولُ الحول في بعضه، وهو ما تتكرر فيه الزكاة. وإدراكه وبلوغه حال الحصاد في بعضه، وهو مالا تتكرر فيه الزكاة، نحو الثمار، وما تخرجه الأرض.
وأما شرائط أدائها: فالنية، والتمكن من المال.
ومجموع شرائطها: الملك، والنصاب، وحول الحول أوالحصاد.
ولو أن رجلا ضاع ماله أو ذهب عنه بسرقة أو غلبه غالب عليه في بلد من بلاد المسلمين، فغاب عنه سنين كثيرة ثم وجده، وجب عليه إخراج زكاته لما مضى من السنين. قال أبو العباس: وكذلك إذا دفنه وضل عنه ثم وجده، وجب عليه إخراج زكاته لما مضى من السنين. فإن غلبه عليه المشركون في/65/ دار الحرب سنين كثيرة، ثم ظفر به لم يجب عليه إخراج زكاته لما مضى.(1/155)
وكل مال تلف قبل وجوب الزكاة فيه، لم يجب على مالكه إخراج زكاته، وما تلف منه بعد وجوب الزكاة وجب عليه إخراج زكاته. والإعتبار في وجوب الزكاة فيما يخرج من الشجر والأرض من الثمار والجبوب؛ أن يبلغ حال الجذاذ أو الحصاد، فإذا بلغ هذه الحال وتلف، وجب على صاحبه إخراج زكاته، وكان أبو العباس يقول: إذا حصل الوجوب ببلوغ هذه الحال وتلف، تحول الوجوب إلى الذِّمة، ولا يشترط فيه التفريط من مالكه في حصده، ومن أصحابنا من ذهب إلى أن وجوب الأداء يتعلق بإمكانه، وذلك يحصل بعد الحصد، فإذا أمكن ذلك وفرط لزمه ضمانها، وهذا يقتضى أن يكون تلفه بعد أن يمر من الوقت ما يمكن حصده فيه، فحينئذ يجب الضمان فيه.
وما لا يخرج من الأرض ويكون وجوب زكاته متعلقاً بالحول؛ فإنه لو تلف بعد الحول بساعة وجب إخراج زكاته على مالكه وكان ضامناً لها.
ولو أن رجلاً ملك النصاب في أول الحول ثم استفاد من جنس ذلك المال شيئاً عيناً كان أو سلعة في وسطه أو آخره، وجب عليه عند تمام الحول إخراج الزكاة عن الأصل والمستفاد جميعاً، ولا يستأنف حول المستفاد.
ومن ملك سلعة تجب في قيمتها الزكاة ثم زاد سعرها أو نقص في وسط السنة، وجب إخراج زكاتها عن قيمتها التي تستقر في آخر الحول، وكذلك إن كان المال عيناً أو ورِقاً ثم نقص عن النصاب في وسط السنة، ثم تم النصاب في آخرها وجبت الزكاة فيه، على مقتضى قول يحيى عليه السلام، وعلى ما قاله أبو العباس وقرره من المذهب.(1/156)