قال رحمه اللّه: وقد روى عن يحيى بن الحسين عليه السلام بعضُ النَّاس صلاةَ التسبيح فحَرَّفها. قال: وتفصيلها؛ أن يصلي أربع ركعات بتسليمتين، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة من المفصل، ثم يقول: سبحان اللّه والحمدلله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر، خمس عشرة مرة، ثم يركع فيقولها عشراً، ثم يرفع رأسه فيقولها عشراً، ثم يسجد فيقولها عشراً، ثم يرفع رأسه فيقولها عشراً، ثم يسجد الثانية فيقولها عشراً، ثم يرفع رأسه فيقولها عشراً، ثم يقوم فيفعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الركعة الأولى، فيكون الدعاء في جميعها ثلاث مائة مرة، في كل ركعة خمس وسبعون مرة.(1/142)
باب توجيه الميت وغسله
أحسن التوجه للميت أن يُلقى على ظهره عند موته وعند غسله مستقبل القبلة بوجهه، وتُصَفّ قدماه إليها ليكون وجهه كله إلى القبلة.
قال القاسم عليه السلام في (مسائل عبد الله بن يحيى القومسي) : تغمض عيناه كاسهلة، ويربط برباط واسع من ذقنه إلى قمته، وتجافى ذراعيه إلى عضديه، ثم يمدان إلى فخذيه، وكذلك فخذاه إلى بطنه ترفعان وتغمز مفاصله أجمع لتلين أصابعه وركبتاه، ويوضع عليه ما يمنع من انتفاخه.
وإن كان الميت امرأة حاملاً وفي بطنها ولد يتحرك، شُقَّ بطنها وأخرج الولد منه، ثم يخاط تخييطاً وثيقاً.
ولا يحل اللطم عليهولا خمش الوجه ولا الصياح ولا شق الجيب، ولا بأس بالبكاء عليه.
والمستحب لمن مات في أول النهار أن لايبيت إلا في قبره، ومن مات في أول الليل ينبغي ألا يصبح إلا في قبره، إلا أن يكون غريقاً أو صاحب هدم أو مبرسماً، فإن هؤلاء يجب التثبت في أمرهم والتأني.
وغسل كل من مات من المسلمين فرض على الكفاية، إلا الشهيد الذي يموت في المعركة/58/ فإنه لا يغسل، ويدفن بثيابه إلا أن يكون عليه خُفّ أونعل أو فرو أو منطقة، فإنه ينزع عنه، وكذلك السراويل إلا أن يكون قد أصابه دم، وإن نُقِل عنهاوبه رمق، ثم مات غُسِلَ.
قال أبو العباس: وليس الغريق والنفساء - التي تموت في طلقها - والمبطون وصاحب الهدم - وإن عدوا شهداء - من هذا، فهؤلاء يغسلون، وكذلك المرجوم التائب.(1/143)
قال القاسم عليه السلام - فيما حكاه عنه أبو العباس -: من قُتِلَ بعصا أو حجر في سبيل اللّه فحكمه حكم الشهداء ولا يغسل، فإن وجد ميتاً فيهاوليس فيه أثر القتل، غُسل، على موجب المذهب.
قال أبو العباس: من دفن من غير غسل لا يستخرج للغسل، وإن كان بالميِّت جراح أو حريق يخاف معه أن يتقطع إن غُسل، صُبَّ عليه الماء صباً.
والسِّقط إن كان قد استهل، وجب غسله، وإن لم يكن قد استهل لم يجب غسله.
وحكى على بن العباس إجماع أهل البيت عليهم السلام على أن الأقل أو النصف من بدن الإنسان إذا وجد لم يغسل ولم يصل عليه، وإن وجد الأكثر منه أو النصف مع الرأس غُسل وصُلي عليه.
ويجوز للزوجين أن يغسل كل منهما صاحبه، ويتقيان النظر إلى العورة.
قال أبو العباس: فإن كانت المرأة قد بانت منه بِرِدَّة أو طلاق قبل الدخول أو خلع لم يجز أن يغسلها، فإن كان الطلاق رجعياً جاز أن يغسلها، على موجب قول يحيى عليه السلام، ولأم الولد أن تغسل مولاها، على موجب المذهب.
قال القاسم عليه السلام: يُغْسَل الجنب والحائض إذا ماتا على حالهما.
قال: ويكره للجنب والحائض أن يغسلا الميت، فإن دعت الضرورة إلى ذلك بأن لا يوجد طاهر جاز.
قال يحيى عليه السلام: الجنب يغتسل ببعض طهور الميت إن كان فيه فضل، فإن لم يكن فيه فضل ولم يوجد ماء فإنه يتيمم، وأما الحائض فتطهر يديها ثم تغسل، وإن كان الميت جنباً أو امرأة حائضاً أجزأهما غسل واحد، وقد ذكره أبو العباس في (النصوص) .(1/144)
وإن مات رجل بين نساء أو ماتت امرأة بين رجال، فإن كان للميت مَحْرَمٌ غسله، يؤزره ويسكب عليه الماء سكباً ويغسل بدنه بيديه ولا يمس العورة، فإن لم يكن محرم وأمكن أن ينقى بأن يصب عليه/59/ الماء صباً من غير أن يمسه فعل، وإن لم يمكن ذلك لَفَّ على يديه خرقة، ثم يممه ولا يكشف شيئا من بدنه وشعره.
قال القاسم عليه السلام في الصبي الذي لم يبلغ: لا بأس بأن تغسله النساء، وهذا محمول على من لم يبلغ حد المجامعة وشهوة النساء، وكذلك حكم الصبية الصغيرة إذا ماتت بين الرجال، على قياس قوله.(1/145)
ومن أراد أن يغسل ميتاً، وضعه على المغتسل بثيابه التي مات فيها ويمده على قفاه مستقبلاً بوجهه إلى القبلة، ويُجَرَّد عن ثيابه، وتُستر عورته، ويمسح بطنه ثلاث مرات مسحاً رفيقاً، وإن كانت امرأة حاملاً لم تمسح، ثم يَلُفُّ الغاسل علي يديه حرقة ويسكب الماء على بدنه، وينقي به فَرْجيه، ولا ينظر إلى عورته، ثم يوضئه وضوء الصَّلاة يغسل فمه وأسنانه وشفتيه وأنفه على رفق، ثم يغسل رأسه بالحَرَض فينقيه ويغسل به سائر بدنه، يقلبه يميناً ويساراً و يبداء باليمين ويستقصي غسل بطنه وظهره وأفخاذه وبين أرفاغه وينقي أظافيره، ثم يغسل عنه ذلك الحرض، ثم يغسله بالسدر كما غسله أولاً، ثم يغسل عنه ذلك السدر بالماء القراح، ثم يغسله الثالثة بالكافور، وإن كان محرماًغسله بالماء القراح، فإن حدث به حدث، أتم الغسل خمساً، وإن حدث بعده شيءٌ أتمه سبعاً، فإن خرج بعد ذلك شيء احتيل في رده بكرسف أو غيره، ويحتال في رده عن الكفن، ثم ينشفه الغاسل بثوب أو خرقة، ولا يُغسل إلا في موضع مظلم مستور من فوقه، فإن كان الموضع مضاء صرفوا أبصارهم عنه، هكذا ذكر أبو العباس في (النصوص) .
ويكره تسخين الماء إلا لبرد شديد أو وسخ، ولا يمشط شعره ولا تقلم أظافيره، ولا يطلى بالنورة، وما يسقط منه من شعر أو ظفر يُرَدُّ في كفنه.
ويستحب الغسل لمن غَسَل الميت.
قال أبو العباس: إن انتضح عليه شيء من الماء الذي أصاب بدن الميت، وجب عليه الغسل، على مقتضى قول القاسم عليه السلام. وهذا محمول على أن الموضع الذي ترشش عليه الماء لم يتميز عما سواه.(1/146)