باب صلاة الجمعة
صلاة الجمعة واجبة على كل مسلم، إلا على المرأة والمملوك والصبي والمريض؛ إذا تكاملت شروطها /46/ وإن حضرها هؤلاء كان ذلك حسناً، إلا النساء فإن لزوم البيت أصلح لهن.
وشروطها خمسة: الإمام أو من يخلفه، أو من يعتزي إليه في إقامة الجمعة وفي الخطبة. والوقت. والعدد. والمكان. والخطبتان.
وتحصيل المذهب في اعتبار الإمام أن يكون في الزمان إمام حق، فيقيم الجمعة ويقيمها من يستخلفه أو من يعتقد طاعته ويظهر شعاره والدعاء إليه، ويدعو له في خطبته إن أمكنه، ويسر ذلك إن لم يمكنه لمانع ويكني عنه، وإن لم يستخلفه الإمام.
والوقت، هو زوال الشمس إلى آخر وقت الإختيار، وهو أن يصير ظل كل شيء مثله.
والعدد، فهو أن يكون عدد المصلين سوى الإمام ثلاثة، وكان أبو العباس يذهب إلى أن كلام يحيى عليه السلام يقتضي أن العدد اثنان سوى الإمام، وظاهر كلامه يقتضي ما ذكرناه.
والمكان، هو المستوطن سواء كان بلداً أو قرية أو منهلاً، إذا كان ذلك لجماعة من المسلمين وكان هناك مسجد يُجَمَّع فيه.
ولا يجوز الإئتمام بالصبي في صلاة الجمعة على موجب المذهب، ويجوز الإئتمام بالأعمى والمملوك.
ويستحب للمسلمين أن يظهروا الزينة في يوم الجمعة فيلبسوا أنظف لباسهم ويتطيبوا بأطيب طيبهم، ويأكلوا أطيب طعامهم، ويُرَفِّهون على أنفسهم وأرقائهم من الأعمال.
ويستحب للإمام أن يأتيها راجلاً، وإن أتاها حافياً في المرة بعد المرة كان مستحباً.(1/122)


وإذا حضر الإمام والمسلمون معه المسجد لصلاة الجمعة صعد المنبر بعد زوال الشمس، ويقف عند كل درجة وقفة فيذكر اللّه تعالى، فإذا حصل في أعلاه جلس مستقبلاً للناس بوجهه، وإذا أذن المؤذن وقال: اللّه أكبر، في آخر أذانه، قام الإمام، فإذا قال: لا إله إلا اللّه. تكلم فخطب خطبتين يفصل بينهما بجلسة خفيفة، فإذا نزل أقام المؤذن الصَّلاة، فإذا قال: حي على الصَّلاة وقف الإمام في مصلاه واصطف النَّاس وراءه، فإذا قال: قد قامت الصَّلاة كبر، ويصلي بهم ركعتين، يقرأ في الأولى بأم الكتاب وسورة الجمعة، وفي/47/ الأخرى بأم القرآن وسورة المنافقين، أو سورة سبِّحأو الغاشية ويجهر بالقراءة فيهما.
ويستحب للإمام إذا دخل المسجد أن يتطوع بركعتين قبل صعوده المنبر، وكذلك إذا فرغ من صلاة الجمعة تنحى يميناً أو يساراً وتطوع بركعتين .
وتكره الصَّلاة والكلام في حال خطبة الإمام، وعليهم الإنصات والإستماع، وحكى أبو العباس عن القاسم ومحمد بن القاسم ومحمد بن يحيى رضي اللّه عنهم ما يدل على أن الكلام الخفيف الذي لا يشغل عن سماع الخطبة لا بأس به. وإنَّ من لحق الإمام وهو في الخطبة فلا بأس بأن يتجوز بركعتين خفيفتين، وحمل رحمه اللّه قول يحيى: إن الإمام إذا خطب انقطعت الصَّلاة والكلام. على الحال التي تكون الخطبة قد انتهت فيها إلى آخرها، ووجب القيام إلى الصَّلاة، إلا أن ظاهر لفظ يحيى يمنع من هذا التأويل، ولو قيل: إن المراد بقوله: انقطعت الصَّلاة، أنَّه ينقطع حكم استحباب النفل عن الذين حضروا قبل الخطبة وتطوعوا لكان أولى.(1/123)


ويحمد الله في خطبته الأولى، ويصلي على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، ويعظ النَّاس ويعرفهم فضل الجمعة، ويحثهم على السعي إليها، ثم يقرأ سورة من المفصل، ثم يجلس جلسة خفيفة، ثم يقوم فيخطب الثانية أوجز من الأولى فيذكر اللّه تعالى ويصلي على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ويدعو للمسلمين والمسلمات. والذي يجزي من الخطبتين: حمد اللّه والصلاة على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم والدعاء للإمام المخطوب له في الثانية، فإن لم يمكنه أن يصرح بذكره للخوف ونواه في دعائه للمحقين أجزأه ذلك.
قال أبو العباس: لا تَجْزِي الجمعة إلا بالخطبتين، وظاهر كلام يحيى يدل عليه، والخطبتان بمنزلة الركعتين، وظاهر كلام يحيى يقتضي أنَّه يقرأ في آخر الخطبة الأولى دون الثانية.
وإن نعي الإمام إلى الخاطب وقد ابتدأ الخطبة، أتم الجمعة.
وإن أدرك المأموم شيئا من الخطبة، وهو أن يدرك منها قدر آية، أتم الجمعة، وإن لم يدرك شيئاً منها لم تصح منه الجمعة، ويصلي أربعاً ويبني على ما أدركه مع الإمام.
قال أحمد بن يحيى - فيما حكاه عنه أبو العباس/48/ -: من أدرك منها شيئاً فهو كمن أدرك الركوع، فيعتد بتلك الركعة، وكذلك الخطبة؛ لأن المأموم لم يشارك الإمام في ذكرها، ولم يؤخذ عليه ذلك، وإنما أخذ عليه الاستماع، ولا يصح أن يقال: إن الإمام يتحمل عنه الاستماع.
قال أبو العباس: وإن نفر النَّاس عن الإمام حتى بقي وحده صلى أربعاً، لأن شرائط الجمعة معتبرة فيه كما أنها معتبرة فيهم.
قال رحمه اللّه: وإن مات في بعض خطبته، استؤنفت، على أصل يحيى عليه السلام.(1/124)


وإن ابتدأ الخطبة قبل الزوال ثم علم بذلك، أعاد الخطبة والصلاة جميعاً.
وإن اتفق عيد وجمعة جاز الإجتزاء بحضور العيد عن حضور الجمعة إلاّ الإمام، فإنه يحضرها، على موجب قول يحيى عليه السلام.
ولو أن رجلاً كان نازحاً عن إمام المسلمين جاز له أن يقيم الجمعة إذا كان يدعو إلى طاعته على قدر الإمكان، ويدعو له في خطبته مصرحاً أو معرضاً وإن لم يكن الإمام ولاه ذلك.
وإن دخل وقت العصر والإمام في صلاة الجمعة أتمها، على قياس قول يحيى عليه السلام.
والمسافر تجب عليه الجمعة كالمقيم.
والصلاة الوسطى هي: صلاة الجمعة، وهي في سائر الأيام الظهر.
قال أبو العباس: لا يصلي الظهر جماعة بحيث تجب الجمعة ولا يؤذن لها ولا يقام.
قال: ومن لا يريد حضور الجمعة لعذر، فصلى في بيته الظهر قبل تجميع الإمام أجزأه.
قال رحمه اللّه: ويخطب الإمام قائماً، فإن خطب جالساً أجزأه، وإن ترك الصَّلاة على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فيها لم تجزه، وظاهر كلام يحيى عليه السلام يدل عليه.
قال: ويسلم على النَّاس قبل الإبتداء بالخطبة.
قال رحمه اللّه: ولا يجوز أن يخطب وهو على غير وضوء، فإن أحدث في خطبته متعمداً أو مسبوقاً، كان كمن أحدث في صلاته وعليه أن يستأنفها.
قال رحمه اللّه: ويستحب أن يتوكأ في خطبته على سيف أو عُكَّازٍ أو قوس.
قال: ويستحب أن يكون المنبر ثلاث مراقي، ويكره أن يكون منيفاً عالياً.
وإن كان مصراً كبيراً متباعد الأطراف، جاز أن يصلى فيه الجمعة في مسجدين أو ثلاثة، على موجب قول يحيى عليه السلام.(1/125)


فإن اجتمع /49/في يوم واحد صلاة الجمعة وصلاة الكسوف وصلاة الإستسقاء والجنازة، وجب أن يبدأ بصلاة الجمعة إن خشي فوتها، على قياس قول القاسم عليه السلام وقول محمد بن يحيى رضي اللّه عنه.
وإن اجتمع صلاة الجنازة والاستسقاء والعيد، إبتدأ بصلاة العيد إن خشي فوتها، وإن اجتمع صلاة الكسوف والإستسقاء، بدأ بالكسوف إن خشي فوت وقته بالإنجلاء .(1/126)

25 / 168
ع
En
A+
A-