وإذا أراد الرجل أن يصلي في جماعة فلم يجد في الصف مكاناً، فليجذب رجلا من الصف ليقف معه، وعلى المجذوب أن ينجذب فإنه أفضل له، ولا يصلي أحد وراء الصفوف وحده إلا لعذر، فإن صلى فالأقرب على المذهب إذا كان ذلك لغير عذر أن صلاته تبطل، وفي أصحابنا من يقول إن ذلك يكره ولا تبطل الصَّلاة، وقد ذكره أبو العباس.
ومن لحق الإمام راكعاً كبر تكبيرة ينوي بها الدخول في الصَّلاة، ويكبر تكبيرة أخرى فيركع بها معه ويعتد بتلك الركعة التي لحق الإمام فيها راكعاً، فإن لحقه ساجداً سجد معه استحباباً، فإذا رفع الإمام رأسه من السجود كبر مفتتحاً للصلاة معه، ولم يعتد بالركعة التي لحقه فيها ساجداً، وإن لم يسجد وانتظر قيامه جاز، ويصلي معه باقي صلاته يقوم بقيامه ويقعد بقعوده، ولا يخالفه في شيء من ذلك، فإذا سلم الإمام قام فأتم لنفسه ما بقي واعتد بالركعة التي لحق الإمام فيها راكعاً. وإذا لحق الإمام وقد فاته بعض الركعات جعل مالحقه فيها /40/ أول صلاته. قال القاسم عليه السلام: فإن أدرك مع الإمام ركعة أو ركعتين كان أول صلاته، ويكتفي في ذلك بالحمد إذا قرأها ولم يمكنه معها سواها، والمراد به أن يقضي قرأة السورة في ركعة أخرى، وقال في موضع: وإن فاتته من المغرب معه ركعتان، قرأ بالحمد وسورة فيما أدرك كما كان يقرأ لو كان وحده في نفسه، وهكذا حكم النساء إذا لحقن صلاة الإمام.
ولو أن رجلا صلى ركعتين منفرداً، ثم جاء الإمام المسجد وافتتح الصَّلاة، فأتَمَّ به فيما بقي منها، بطلت صلاته.(1/112)


ولو أن رجلا صلى الفرض، ثم قام مع الإمام في صلاته متطوعاً، فحدث بالإمام حدث فقدمه وهو لا يعلم أنَّه متطوع، فصلى بهم، فسدت صلاتهم.
قال أبو العباس رحمه اللّه: إن أحدث الإمام في الآخرتين أو أحدهما، فقدم أمِّيّاً فصلى بهم، فسدة صلاتهم، وإذا كان الإمام من أهل الدين واصطف وراءه قوم مخالفون، واصطف خلفهم أهل الدين، لم تفسد صلاتهم، نصّ عليه أحمد بن يحيى رضي اللّه عنه.
قال أبو العباس: لو أن الإمام أُحْصِر ولم يمكنه أن يقرأ، فقدم رجلاً فصلى جازت الصَّلاة.
ولو أن رجلاً صلى الفرض وحده، ثم رأى رجلاً يصلي جماعة وهو رضى عنده، جاز له أن يرفض الأولى وأن يصلي معه معتداً بتلك الصَّلاة في فرضه، نصّ عليه يحيى عليه السلام في (المنتخب) .
ولا بأس بأن يُصَلَّي في مسجد واحد جماعة بعد جماعة أخرى.
وإذا صلى المأموم قدام الإمام، لم يصح إئتمامه به وبطلت صلاته إذا نوى الإئتمام به.
قال القاسم عليه السلام - في الإمام إذا صلى بالقوم -: يستحب له أن يتحول من موضعه متقدماً عنهم أو متأخرا عنهم، ولا يتحول يمينا ولا يساراً، ولا يستقبل القوم بوجهه.(1/113)


باب السهو وسجدتيه
سجدتا السهو تجبان على المصلي في: الأذكار، والأفعال، والزيادة، والنقصان، ولا تختصان الفرض دون النفل، على مقتضى نصوص القاسم ويحيى عليهما السلام. فأما في الأذكار، فنحو أن يقرأ في موضع تسبيح، أو بدل التشهد الأول. وأما /41/ في الأفعال، فنحو أن يركع في موضع سجود، أو يسجد في موضع ركوع، هذا إذا فعله على طريق السهو دون التعمد.
قال يحيى عليه السلام: سجدتا السهو تجبان على من قام في موضع جلوس، أو جلس في موضع قيام، أو ركع في موضع سجود، أو سجد في موضع ركوع، أو سبَّح في موضع قراءة، أو قرأ في موضع تسبيح. فإن سبَّح وقرأ في موضع يصلح لهما جميعاً، فإن كان التسبيح فيه أفضل كالركعتين الأخيرتين من الظهر والعصر والعشاء الآخرة والثالثة من المغرب فلا سهو عليه، تخريجا على نصه.
قال القاسم عليه السلام: إن نسي ركعة أو سجدة حتى فرغ من صلاته، أعاد الصَّلاة. وقال: إن زاد في صلاته ركعة أعاد الصَّلاة، ونص يحيى عليه السلام في (المنتخب) على أن من تيقن أنَّه زاد سجدة في صلاته أونقص ركعة أوزاد ركعة أو نقص ركعة بطلت صلاته، وهذا كله محمول على الزيادة المقصودة دون المسهو عنها. فإن من ترك من الركعة الأولى سجدة وصلى الركعة الثانية فسجد لها سجدة صحت له ركعة واحدة، وكذلك إن ترك من أربع ركعات أربع سجدات من كل ركعة سجدة صحت له ركعتان، ولم يعتد بما تخلل بين السجدتين من الأفعال - على ما خرجه أبو العباس من كلام يحيى عليه السلام - وعليه سجدتا السهو.(1/114)


وإن نسي فلم يفعل التشهد الأول حتى قام إلى الثالثة؛ فإن كان استتم القيام مضى في صلاته وسجد سجدتي السهو، وإن لم يكن استتم القيام عاد فجلس للتشهد، فإن شك فلم يدر أركعتين صلى أم ثلاثا، تحرى، وبنى على غالب ظنه، وسجد سجدتي السهو، فإن استوى ظنه في الأمرين جميعاً استأنف الصَّلاة، فإن وهم ثلاثاً صلى أو أربعاً فأضاف إليها ركعة أخرى، ثم أيقن قبل التسليم أنَّه صلى خمساً أعاد الصَّلاة، هكذا حكاه أبو العباس عن القاسم عليه السلام.
قال القاسم عليه السلام في (مسائل ابن جهشيار) - فيمن شك في صلاته -: إن الأحب إليه أن يستقبلها، إلا أن يكون مبتلى بالشك، فدواؤه المضي عليه. وهذا يقوى أنَّه إذا عرض له الشك أولاً يستقبل، وقوله عليه السلام: يمضي عليه. يجب أن يكون محمولاً على أنَّه يبني على الأقل.
وقال القاسم عليه السلام - فيمن نسي القنوت في صلاة الفجر والوتر -: يسجد سجدتي السهو /42/ إن أحب. وقال في المتطوع: يسجد إذا سهى سجدتي السهو إن أحب. وإذا نسي بعض التكبيرات سوى تكبيرة الإفتتاح سجد سجدتي السهو، وإذا نسي القراءة في بعض الركعات وقد قرأ في ركعة، سجد سجدتي السهو، على ما تقتضيه نصوص يحيى عليه السلام.
قال القاسم: وإن نسي القراءة في الأولتين قرأ في الآخرتين وسجد سجدتي السهو، وإن سهى فسلم تسليمة واحدةأجزت صلاته، وعليه سجدتا السهو.
وسجود السهو بعد التسليم لزيادة كان أو نقصان، فإن سجد قبل التسليم بطلت صلاته.(1/115)


ويتشهد بعد سجدتي السهو - استحباباً لا وجوباً - ويسلم. قال القاسم عليه السلام: يقول فيهما ما يقول في سجدتي الفريضة، ويكبر عند سجوده وعند رفع رأسه.
فإن نسيهما سجدهما إذا ذكر، فإن كان قريباً من مصلاه عاد إليه - استحباباً -، وإن كان قد بَعُد عنه سجد حيث يمكنه.
قال أحمد بن يحيى: وإن نسي فسبَّح في الركوع تسبيح السجود، أو في السجود تسبيح الركوع، سجد سجدتي السهو.
قال محمد بن يحيى: ولو قرأ في تشهده لم يضره، وعليه سجدتا السهو. وهذا محمول على التشهد الأول.
قال أحمد بن يحيى في (المفرد) : لو أن رجلاً صلى ركعتين، فلما أن كان في الثالثة نسي أن يقرأ وسبَّح، ثم ذكر قبل أن يركع فإنه يقرأ، وإن ذكر بعد الركوع لم يقرأ. وهذا في صلاة الوتر. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: هذا يقتضي أنَّه يرى القراءة في الركعة الثالثة من الوتر مستحبة دون التسبيح، وقد دل على هذا كلام يحيى في (المنتخب) وكلام القاسم في (مسائل النيروسي) .
ويسجد المأموم لسهوه إذا سهى، وإن لم يسه الإمام، وإن سهى الإمام ولم يسه المأموم سجد لسهوه، فإن كان الإمام قد سبقه بركعة فسجد لسهوه حين يسلم لم يسجد المأموم حتى يقوم ويتم ما فاته، فإذا سلم سجد سجدتي السهو.
قال أبو العباس: من سهى مراراً في صلاته يجزيه عنها سجدتي السهو مرة واحدة. قال: ومن سهى في سجدتي السهو فلا سهو عليه.(1/116)

23 / 168
ع
En
A+
A-