فإن كان بين الإمام والمأمومين طريق سابلة، بطلت صلاة المأمومين، نصّ عليه القاسم عليه السلام. قال محمد بن يحيى: رضي اللّه عنه وكذلك النهر. قال أبو العباس: هذا إذا لم تتصل الصفوف، فإن اتصلت لم يضر ذلك، وسواء فيه بين النهر والطريق.
قال رحمه اللّه: البعد بين الإمام والمأمومين في المساجد لا بأس به، وإنما لا يجوز أن يكون بينهم وبين الإمام بُعدٌ متفاوت في غير المساجد كالبراري والصحاري ونحوها.
والإئتمام لايصح إلا بأن تكون نية الإمام معقودة عليه وعلى الفرض الذي حصل فيه الإئتمام، وكذلك المؤتم يجب أن تكون نيته /37/معقودة على الإئتمام في ذلك الفرض، على ما تقتضيه نصوص القاسم ويحيى عليهما السلام.
قال القاسم عليه السلام في المسائل: لو أن رجلا افتتح الصَّلاة وحده فجاء رجل آخر فأتم به لم تصح صلاته؛ لأنَّه لم يَعْقِد - يعني من افتتح الصَّلاة - على جماعة. فإذا اصطف رجلان ونوى كل واحد منهما أنَّه إمام لصاحبه أجزت صلاتهما، وإن نوى كل واحد منهما أنَّه مؤتم بصاحبه بطلت صلاتهما.
قال محمد بن يحيى فيما حكاه عنه علي بن العباس: من صلى الظهر بقوم، فأتم به آخرون في عصرهم لم تجز أهل العصر لاختلاف الصلاتين.(1/107)
ولا يجوز للرجل أن يصلي بنساء لارجل معهن، فإن صلى ونوى أن يؤمهن ونوين الإئتمام به بطلت صلاته وصلاتهن، فإن كان معهن رجل جاز أن يصلي به وبهن. قال يحيى: إلا أن يصلي الرجل في بيته بحرمه صلاة نافلة فقط. وكان أبو العباس يحمله على أن المراد به بيان جواز العدول بفعل النوافل عن مساجد الجماعات إلى المنزل دون إقامة الجماعة، فإنها لا تنعقد عنده بأن يؤم الرجل بالنساء وحدهن.
ويجوز أن تؤم المرأة النساء، وإذا أرادت ذلك، وقفت في وسطهن ولا تتقدمهن ويقفن عن يمينها ويسارها.(1/108)
وإذا حضر مع الإمام رجل واحد وقف عن يمين الإمام، فإن حضر رجلان أو أكثر تقدم الإمام واصطف المؤتمون ورآءه وعدلوا الصفوف وسووا بين مناكبهم ولم يتركوا خللاً بينهم. قال أبو العباس رحمه اللّه: والصبيان حكمهم حكم الرجال في هذا الباب، يعني أن رجلاً وصبياً لو اجتمعا لاصطفا خلف الإمام، وكذلك الصبيان إذا كثروا، وكذلك إذا أجتمع رجل وصبي، فإن الصبي يقف عن يمينه، إلا أن الرجال يقدمون على الصبيان والصبيان يقدمون على النساء، فإن حضر رجال ونساء وقف الرجال خلف الإمام والنساء وراءهم، فإن حضر مع الإمام رجل وامرأة وقف الرجل عن يمين الإمام والمرأة وراءهما، وإن حضر رجل وخنثى لُبْسَة، لم يصل به الرجل على موجب المذهب، فإن حضر رجل آخر وخنثى لبسة وقف الرجل عن يمين الإمام والخنثى وراءهما، وإن حضرت امرأة معهما، وقف الرجل عن يمين الإمام والخنثى وراءه والمرأة وراء الخنثى، وعلى هذا الترتيب إن حضر عدة /38/ من الرجال والنساء والخناثا، فإن حضر مع الإمام رجلان وامرأة وخنثى لبسة، وحدث بالإمام حدث، قدم أحد الرجلين ليصلي بهم، فإن حضر رجل واحد مع المرأة والخنثى وحدث به حدث أتم كل واحد منهم صلاته على الإنفراد، ولا يصلي الرجل بهما.
والإعتبار في معرفة حكم الخنثى بخروج البول، فإن سبق من الفَرْج فهي امرأة وحكمها حكم النساء، وإن سبق من الذكر فرجل وحكمه حكم الرجال، وإن خرج منهما من غير سبق، فهي خنثى لبسة، ويتميز حكمه من حكم الرجال والنساء لاجتماع الشبهين فيه.(1/109)
والنساء إذا تخللن صفوف الرجال فسدت صلاة من خلفهن من الرجال، وكذلك تفسد صلاة من عن يمينهن ويسارهن من الرجال، على مقتضى قول يحيى عليه السلام.
وإذا حدث بالإمام حدث ينقض وضوءه، قَدَّم من كان يصلح تَقَدُّمه ابتداء، ويخرج فيطهرويستأنف الصَّلاة . فإن قدَّم من كان لا يصلح تقدمه ابتداء، إما على الإطلاق نحو الإمرأة والصبي والفاسق، أو لحال عارضه، نحو أن يكون على غير طهارة، أو يكون متطوعاً خلف الإمام، والإمام لا يعلم ذلك فقدمه، أو يكون أُمِّيّاً والقوم قُرَّاء، أو مقيماً والقوم مسافرون في غير الفرض الذي يستوي فيه فرض المقيم والمسافر، فصلى بهم، بطلت صلاتهم. وإذا كان من يريد الإمام تقديمه في الصف الثاني مشى القهقرى إليه، ويكره استقباله لهم فإن استقبلهم لم يضر، وإن كان بعضهم مقيمين وبعضهم مسافرون فقدم المقيم على المسافرين بطلت صلاة المسافرين، وإن كان بعضهم أميين وبعضهم قرأ فقدم الأمي بطلت صلاة القراء.
وإن كان الإمام لا يحسن فاتحة الكتاب ويحسن غيرها، فأم من يحسن فاتحة الكتاب وثلاث آيات معها لم تجز صلاة المؤتم، فإن كان الإمام لا يحسن فاتحة الكتاب ويحسن ثلاث آيات سواها والمأموم يحسنها ولا يحسن ثلاث آيات سواها أجزت صلاته، وإن اشترك الإمام والمأموم في أن واحداً منهما لا يحسن فاتحة الكتاب، إلا أن المأموم يحسن أكثر مما يحسن الإمام، أجزت صلاة المأموم، هذا كله مقتضى المذهب.(1/110)
فإن كان من قدَّمه الإمام فاتته ركعة فإنه يجلس في آخر صلاة القوم حتى يتشهدوا /39/ ويسلموا، ويقوم هو فيقضي ما فاته، وإن لم يسلم القوم حتى يقضي هو ما فاته ويسلم فيسلموا حينئذ بتسليمه جاز.
ولا يقرأ المأموم خلف الإمام في الصَّلاة التي يسمع فيها قراءة الإمام، ويقرأ في الصَّلاة التي لا يسمع فيها قرأته، وحكى أبو العباس عن محمد بن يحيى، أن المأموم إذا لم يسمع قراءةالإمام في الصَّلاة التي يجهر فيها بالقراءة فعليه أن يقرأ. قال رحمه اللّه: في الأصم الذي لا يسمع القراءة، مثله. وحكى رحمه اللّه عن أحمد بن يحيى وجوب الإعادة على من قرأ وهو يسمع قراءة الإمام أو لم يقرأ إذا خافت، وذكر أن ما قال محمد بن يحيى وأحمد بن يحيى صحيح، على تعليل القاسم ويحيى عليهما السلام.
قال محمد بن يحيى في الإمام إذا أخفى القراءة فيما يجهر بها ولم يقرأ المأموم أيضا ناسياً: إن صلاتهما فاسدة وعليهما الإعادة .
قال أحمد بن يحيى: إن بدأ المأموم فقال: اللّه. قبل أن يقول الإمام: اللّه أكبر. ثم تمم التكبيرة بعده لم تفسد صلاته، فإن قال: اللّه أكبر. قبل أن يقول الإمام: اللّه. فسدت صلاته.
ويستحب للإمام ومن معه أن يقوموا إذا قال المؤذن في الإقامة: حي على الصَّلاة، فإذا قال: قد قامت الصَّلاة كبر.(1/111)