باب أماكن المصلي
قال القاسم عليه السلام - فيما حكى عنه أبو العباس رحمه اللّه -: يجب على كل مصل فريضة أو نافلة أن لا يصلي من البقاع إلا في بقعة نقية.
قال: وأفضلها عنده - كما رواه عنه ابنه محمد [بن القاسم] - : ما كان من المساجد، وأفضلها المسجد الحرام، ثم مسجد الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم، ثم مسجد بيت المقدس، ثم مسجد الكوفة. ونصوص يحيى تقتضي ذلك، أعني طهارة البقاع للصلاة.
قال القاسم عليه السلام - فيما حكى عنه علي بن العباس -: من بنى مسجداً في داره ولم يشرع بابه إلى الطريق، فليس بمسجد، ويورث بعده، ولا يكون مسجداً حتى يكون بابه إلى شارع أو سكة. قال: ولا يكون مسجداً حتى يكون العلو والسفل مسجداً.
قال عليه السلام: ولا يجوز أن يبال فوق سطح المسجد أو يتغوط أو يتبزق.
وحكى رحمه اللّه عن محمد بن يحيى رضي اللّه عنه أنَّه قال: إن كانت على بعض ما يصلي عليه نجاسة مباينة له غير ملاقية أجزته صلاته، فإن كانت على مسجده ومقامهلم تجز، على موجب المذهب. قال رحمه اللّه /25/: فإن كانت بين مسجده ومقامه أعادها، على موجب نصّ القاسم عليه السلام في الأرض إذا كانت كذلك.
ولا تجوز الصَّلاة في الأرض المغصوبة، ولا في حُشِّمن الأرض، فإن كانت بالوعة أو شبهها وقد رُدِمَت وأُلْقِي عليها طين نظيف أجزت الصَّلاة.
ولا تَجْزِي الصَّلاة في البِيَع والكنائس؛ لنجاسة المشركين فيها، فإن طهرت من آثارهم أجزت.
وتكره الصَّلاة في الطرق السَّابلةوالمقابر والحمامات، ونص يحيى عليه السلام على توجه الكرهة إلى البيوت الداخلة التي يماط فيها الأذى دون الخارجة.(1/87)
ولا بأس بالصلاة في أعطان الإبل ودِمَن الغنم، إذا لم يكن فيها قَذَر من صديد ولا دَبَر.
ولا بأس بالصلاة في جوف الكعبة.
قال القاسم عليه السلام: تكره الصَّلاة على حصير عليه التماثيل، وهكذا نصّ عليه يحيى عليه السلام في البساط الذي يكون عليه التماثيل، وفي الجدار الذي يستقبله إذا كان عليه صُوَر . وقال في البيت الذي فيه تماثيل النَّاس والدواب: فإن كان الموضع الذي يستقبله إلى قدر رأسه نقياً من ذلك، جازت صلاته. فدلت هذه الجملة من كلامه على أن استقبال التماثيل مكروه، وأن هذه التماثيل يجب أن تكون تماثيل الحيوان.
وتكره الصَّلاة إلى الأقذار، ويكره أن يصلي الرجل على نَشْز من الأرض وأمامه في موضع منخفض نجس، فإن كان في موضع منخفض وأمامه في النشز نجس لم يكره، وقد اعتبر أصحابنا أن يكون النشز الذي عليه النجاسة أرفع من قامة المصلي، فإن كان قدر قامته أو دونها كُرِهَ أن يصلي إليه، واعتبروا أيضاً في كراهة استقبال النجاسة، أن يكون بين المصلي وبينها القدر الذي يكون بين الإمام والمأموم.
قال الإمام القاسم عليه السلام: تكره الصَّلاة خلف النائم وخلف المُتَحَدِّث.
ويجب منع أهل الذمة وسائر المشركين من دخول المساجد.
وراكب السفينة يصلى على ما يمكنه قائماً أو قاعداً، ولا يجوز أن يصلي قاعداً وهو يقدر على الصَّلاة من قيام، على ما نصّ عليه القاسم عليه السلام، وهو مقتضى قول يحيى عليه السلام.(1/88)
والواقف في الماء الذي لا يتمكن من الخروج منه، فإنه يصلي فيه قائماً وراكعاً وساجداً إن أمكنه ذلك، فإن لم يمكنه السجود/26/ لكثرة الماء، وكان الماء كدراً يستر عورته؛ فإنه يصلى قائماً، ويومي للركوع والسجود إيماء، إذا لم يستطع غير ذلك، وإن كان الماء صافياً لا يستر عورته صلى قاعداً، إلا أن يكون الماء كثيراً فلا يتمكن من القعود لكثرته، ويومي للركوع والسجود.
وإن كان العراة جماعة وأراد بعضهم أن يؤمهم وكان الماء كدراً تقدمهم، وإن كان صافياً وقف فيما بينهم واصطفوا عن يمينه ويساره وصلوا بالإيماء.
قال محمد بن القاسم رضي اللّه عنه: لا يجوز في المسجد إلا الصَّلاة والذِّكر وقراءة القرآن، ولا يجوز فيه الاشتغال بأعمال الدنيا، ويمنع فيه الصبيان والنساء الحُيَّض والمجانين.
قال القاسم عليه السلام - فيما روى عنه محمد بن منصور -: أكره أن ينام في المسجد إلا معتكف أو مضطر.
ومن صلى في فضاء من الأرض، فإنه يستحب له أن يجعل بين يديه سِتْرَة، فإن لم يجد ما يجعله سِتْرةً غرز بين يديه شيئاً، فإن لم يجد خط بين يديهخطاً، ثم لا يُفْسِد صلاته ما يمرُّ بين يديه.(1/89)
باب لباس المصلي وما يصلى عليه وستر العورة
يجب على كل مصل أن يستر عورته بثوب طاهرٍ إذا تمكن من ذلك، فإن صلى مكشوف العورة مع القدرة على سترها لم تجزه صلاته، وسواء انكشف منها قليل أو كثير، على قياس قول يحيى عليه السلام.
قال أبو العباس رحمه اللّه: فإن انكشف عن المصلي ثوبه وهو في ركن من الصَّلاة وقد أدى منه قدر الفرض، ثم أعاده قبل أن يأخذ في ركن آخر أجزت صلاته، وإن لم يكن أدى من الركن قدر الفرض، أو لم يعده حتى أخذ في ركن آخر، لم تُجز صلاته.
ويجب على كل مصل أن يُطَهِّر كل ما يلبسه - في الصَّلاة ويصلي عليه - من كل نجس.
والعورة من الرجل: ما دون السرة إلى مادون الركبة . وأما المرأة فجميع بدنها عورة، غير الوجه والكفين، والقدمين عند القاسم عليه السلام، على ما حكاه أبو العباس رحمه اللّه، وكلامه في (مسائل النيروسي) يقتضي أن القدمين منها - من العورة -، فأما ظاهر نصّ يحيى عليه السلام فإنه يقتضي أن جميع بدنها عورة إلا الوجه، ويمكن أن يُخَرَّج من/27/ كلامه مثل ما حكاه أبو العباس عن القاسم عليه السلام، فأما القدم فالرواية فيها مختلفة على ما ذكرناه.
وأما الأمة فهي كالرجل في معنى العورة، ولها أن تصلي بغير قِنَاع، على ما نصّ عليه القاسم.
قال يحيى عليه السلام: يستحب للرجل أن يستر منكبيه وهبريته وظهره وصدره إذا صلى، ولا بأس بالصلاة في الثوب الواحد إذا كان صفيقاً، وستر ما يجب ستره للرجال والنساء. وأما المرأة فلا بد من أن يكون الثوب الذي تصلي فيه مغطياً لشعرها وقدميها، على ما نصّ عليه القاسم عليه السلام.(1/90)
قال يحيى عليه السلام: أكره الصَّلاة في الخَزِّ؛ لأني لا أدري ما هو ولا ما ذكاة دوابه ولا ما أمانة عماله، وأخاف أن يكونوا يجمعون فيه الميت والحي والمتردي والذكي.
قال عليه السلام: وأكره الصَّلاة في الفرو إذا لم يكن معه غيره.
قال عليه السلام: وأكره الصَّلاة في الثوب المشبع صباغاً.
قال: ولا يصلى في الحرير. وقال في (المنتخب) : لا تجوز الصَّلاة فيه إلا أن يكون نصفه قطناً، ونص في (المنتخب) على أن النساء يجوز لهن لباس ما شئن لبسه من الحرير والديباج. فبان من المذهب أن ما أطلقه من منع الصَّلاة في الحرير، المراد به الرجال دون النساء، ولا بأس بالصلاة في الخُفِّ والنعل، إلا أن يكون ذابح دواب جلدهما كافراً، أي كفرٍ كان.
فإن لم يجد المصلي إلا ثوباً نجساً صلى عارياً، وكذلك إن كان بعضه نجساً. قال أبو العباس رحمه اللّه: فإن وجد ثوبين وعلم أن أحدهما طاهراً والآخر نجساً ولم يتميز له الطاهر من النجس، صلى في كل ثوب منهما صلاة.
ولا تجوز الصَّلاة في الثوب المسروق ولا المغصوب، على ما نصّ عليه القاسم عليه السلام.
ولو أن رجلا وجد ثوباً يبلغ ركبتيه، صلى جالساً، على ما نصّ عليه أحمد ابن يحيى عليه السلام.
ولا تجوز الصَّلاة في جلود الميتة، دُبغت أو لم تُدبغ.
وإن حمل في صلاته شيئاً نجساً لم تجز صلاته، على قياس قول يحيى عليه السلام.(1/91)