باب الحيض
الحيض هو: الدم الخالص الذي تراه المرأة عند بلوغها فتكون بالغة به، وأقله ثلاث ليال بأيامها، وأكثره عشر. قال أبو العباسعليه السلام: المعتبر في ذلك الليالي بأيامها من الوقت إلى الوقت، فعلى هذا إذا رأت المرأة الدم في اليوم الأول وقت الظهر، وامتد ذلك إلى وقت الظهر من اليوم الرابع فقد رأته ثلاثة أيام، وهي تشتمل على ثلاث ليال وذلك حيض، وإن انقطع دون هذه المدة لم يكن حيضاً، وإن امتد إلى اليوم العاشرمن الوقت إلى الوقت فهو أكثر الحيض، وما زاد على ذلك لا يكون حيضاً.
والصفرة والكُدرةفي أيام الحيض حيض، وفي غير أيام الحيض ليستا بحيض. قال القاسم عليه السلام: أما ما كان منهما بين دفقات الدم في أوقات الحيض فهو من الحيض. وكان أبو العباس يحمل قول يحيى عليه السلام في ذلك على موافقة قول القاسم، ويقول: إن المراد به إذا كان بين دفقات/16/ الدم. وهذا بعيد، بل ما قال يحيى يخالف ظاهره ما قاله القاسم، والصحيح من قول يحيى: أن ما كان منهما في وقت الحيض فهو حيض، ووقت الحيض على مذهب القاسم - وعلى ما خرجه أبو العباس من كلام يحيى - وقت الإمكان.
وله ثلاثة أحوال: حال الابتداء، وحال العادة، وحال وجود الدم عقيب طهر صحيح.(1/72)


فأما حال الإبتداء: فأن يبتدأ بالمرأة الدمُ ولم تكن رأته من قبل، فالواجب على هذه أن تتحيَّض، وتترك الصَّلاة والصوم، وتجتنب ما تجتنبه الحائض، فإن امتد ثلاثاً علمت أنَّه كان حيضاً، وإن انقطع دونها، تيقنت أنَّه ليس بحيض، وتقضي ما تركت من الصَّلاة والصوم، وإن امتد وبلغ العشر وانقطع عندها علمت أنَّه كان حيضاً، وإن زاد على العشر واتصل، فإنها تَعْتَبر عادة نسائها من قِبَلِ أبيها؛ أخواتها وعماتها، فتتحيَّض ذلك القدر، وتقضي الصَّلاة والصوم فيما زاد عليها، وتعتبر عادة أكثرهن عادة، وإن لم تعرف عادتهن اعتبرت أكثر الحيض، وهو: عشر، فتتحيض عشراً.
وحال العادة: فهي المدة التي جرت عادة المرأة بالحيض فيها، والعادة ضربان: عادة عدد من ثلاث أو خمس أو ست أو سبع أو نحو ذلك، وعادة وقت: من أول الشهر أو وسطه أو آخره.
وحال وجود الدم عقيب طهر صحيح، بأن ينقطع دم حيضها المعتاد سواء كان عشراً أو دونها من ثلاث فما فوقها، ويلي ذلك طهر صحيح، ثم ترى الدم.
وذات العادة، فالواجب عليها إذا رأت الدم في أيام عادتها أن تتحيض، فإن زاد الدم على مدة عادتها تركت الصَّلاة إلى عشر، فإن انقطع الدم في العاشر فالدم كله حيض، والعادة قد تغيرت، وإن لم تثبت لها عادة أخرى؛ لأنها تثبت بقرأين؛ تخريجاً، وإن زاد على العشر فإن الزائد على العادة لا يكون حيضاً، ولا يكون قد حصل في العادة تغير، وعليها قضاء ما تركت من الصَّلاة في المدة الزائدة على عادتها، وكذلك إن انقطع الدم في العاشر ولم يله طهر صحيح، فإنه في حكم ما لم ينقطع.(1/73)


فأما من ترى الدم عقيب طهر صحيح، فالواجب عليها أن تتحيض وتنتظر، فإن استمر الدم بها مدة أقل الحيض أو أكثره فهو حيض، وإن انقطع دون أقل مدته لم يكن حيضاً، وإن زاد على أكثر مدته لم يكن الزائد/17/ حيضاً. وتثبت العادة عند تغيرها بقرأين، على موجب قول يحيى عليه السلام.
وإن كانت المرأة عادتها خمساً فرأت الدم ستاً، ثم رأت الدم سبعاً، فقد صارت عادتها ستاً.
قال أبو العباس: وإن رأت يوماً دماً وثمانيةً نقاءً ويوماً دماً كان كله حيضاً، وإن رأت يوماً دماً وتسعة نقاء ويوماً أو أياماً بعده دماً، أو يوماً دماً ويوماً نقاءً ويوماً بعده دماً واستمر ذلك، فإنها إن كانت مبتدئة رجعت في الحيض إلى عادة نسائها، ولم تعتد بالنقاء الذي بين الدمين، وإن كانت ذات عادة رجعت إلى عادتها، على موجب أصل يحيى عليه السلام؛ لأن النقاء الذي رأته إذا لم يكمل ولم يبلغ طهراً صحيحاً وتعقبه دم كان بمنزلة الحيض، ولم يكن له حكم على موجب المذهب.(1/74)


وانتقال العادة يكون على ثلاثة أوجه: إنتقال العدد والوقت، وانتقال الوقت دون العدد، وانتقال العدد دون الوقت، فإذا حاضت المرأة في أول الشهر أربعاً وطهرت إحدى عشرة، ثم حاضت أربعاً وطهرت إحدى عشرة، فقد ثبت لها الوقت والعدد للحيض والطهر؛ لأنها رأت عدداً واحداً مرتين. فإن استحيضتفي الشهر الثاني واتصلت الاستحاضة شهوراً، عملت في الحيض والطهر على ما تقرر من عادتها، فيكون حيضها أربعاً وطهرها إحدى عشرة . ولو أنها لم تحض في الشهر الثاني ولكنها طهرت ستاً وحاضت سبعاً وطهرت عشراً، ثم كذلك مرة أخرى، فقد انتقلت عادتها، فصار حيضها سبعاً وطهرها عشراً.
قال أبو العباس الحسني رحمه اللّه: ولو حاضت من أول الشهر خمساً وطهرت عشراً، ثم حاضت سبعاً وطهرت إحدى عشرة، ثم استحيضت كان حيضها في كل شهر خمساً وطهرها عشراً؛ لأن السبع تجمع الخمس، والإحدى عشرة تحتها عشر، فقد حاضت الخمس قرأين وطهرت عشراً كذلك، فإن لم تستحض بعد طهرها هذا، ولكنها طهرت بعده خمساً وحاضت عشراً، وطهرت ثلاث عشرة وحاضت سبعاً، وطهرت خمس عشرة، ثم استحيضت شهوراً، كان حيضها في استحاضتها هذه من حين ابتداء الحيض بعد ذلك الطهر سبعاً، وطهرها من حين ابتداء الطهر ثلاثة عشر يوماً، فقد انتقل عدد طهرها من العشرة إلى الثلاثة عشر في الوقت والعدد، وانتقل /18/حيضها وقتاً وعدداً إلى السبع.
والمستحاضة تترك الصَّلاة أيام حيضها المعتادة، فإذا انقضت أيام عدتها اغتسلت وصلت وصامت.(1/75)


قال أبو العباس الحسني رحمه اللّه: وإن نسيت ذات العادة أيامها، وأطبق عليها الدم شهوراً، وخفي عليها الإبتداء والإنتهاء وجميع معاني حيضها وطهرها، وعلمت أنها لا تخلط شهراً بشهرٍ، فإنها تتحيض بدأً عشراً، حتى إذا اتصلت الإستحاضة بعد، اغتسلت تمام الشهر لكل صلاةوقضت صلاة العشر، ثم في الشهر الثاني توضأت في أول دمها لكل صلاة وصلت وصامت، فإذا انقضى أقل أيام الحيض اغتسلت وصلت، ثم اغتسلت من يوم تمام الشهرلكل صلاة؛ لإمكان كون كل وقت من أوقاتها وقتاً لطهرها، ولتصم ثم لتقض صيام واحد وعشرين يوماً؛ لإمكان أن يكون مبتدأ حيضها من بعض اليوم، فيكون مدة أكثره بعض حادي عشر، فيفسد صومها أحد عشر يوماً، من بعدتوسط النقاء عشرة أيام مبتدؤه بعض إحدى عشر، ومنتهاه بعض الحادي والعشرين، فتفسد عشرة أيام مبتدؤه بعض الحادي والعشرين، ومنتهاه آخر أيام الشهر، ويكون قاضيتهاأجمع مع غروب الشمس من أربعة وأربعين يوماً من ابتداء شوال.
وللمستحاضة أن تجمع بين الصلاتين بوضوء واحد بأن تؤخر الأولى إلى آخر وقتها، وتقدم الثانية في أول وقتها فتصليهما بوضوء واحد، كالظهر والعصر، والمغرب والعشاء الآخرة، وإن توضأت لكل صلاة كان أفضل لها.(1/76)

15 / 168
ع
En
A+
A-