وقال: فإن مات بعض الخمسين قبل استكمال اليمين وإمضاء القسامة، كان لأولياء القتيل أن يختاروا منهم قوماً بعدد من مات، ليكملوا عددهم فيحلفوا، فإن نقصت الأعداد عن خمسين، فمات بعض من اختاروهم لتكرير الأيمان عليهم، فلهم أن يستبدلوا مكانهم ممن لم يكونوا اختاروهم لتكرير الأيمان عليهم.
قال: وإن ادعى الذين وجبت القسامة عليهم أن أولياء القتيل قد حلفوهم وأقاموا البينة على ذلك برئوا، فإن أنكر أولياء المقتول ذلك، ولا بينة لهم وطلبوا يمينهم على أنهم لم يحلفوهم كان لهم ذلك.
وقال القاسم عليه السلام وأحمد بن عيسى - فيما حكا علي بن العباس رحمه اللّه -: إن وجد بدن قتيلاً أو أكثر البدن أو نصف البدن مع الرأس في قرية أو قبيلة، ففيه القسامة، فإن وجد جنين لم تجب، إلا أن يكون تاماً وبه أثر الجراحة.
قال أبو العباس رحمه الله: إن أخَّر أولياء القتيل استحلاف من وجد القتيل فيما بينهم حتى تمادت الأيام، كان لهم أن يستحلفوهم، فإن ادعى القوم أنهم قد أقسموا، لم يبرؤا إلا بالبينة على ذلك أو تصديق الأولياء لهم، وإن أقاموا البينة منهم ردت شهادتهم، فإن طلبوا تحليف الأولياء على أنهم ما أقسموا ولا برئوا من اليمين، كان لهم ذلك، وإن نكلوا عن اليمين لم يكن لهم عليهم حق القسامة.(1/727)


وقال/405/: فإن وجد القتيل في فيفاء من الأرض نازحة عن البلدان والقرى والقبائل بحيث لا يتوهم قتله عليهم، إلا كما يتوهم على سائر أهل البلدان البعيدة، فلا قسامة، وديته على بيت المال، وعلى هذا إن وجد في ماء راكد أو نهر جار عظيم يبعد عن المنازل، ولا يختص بقوم دون قوم فلا قسامة، وإن وجد في نهر منسوب إلى قبيلة فالقسامة واجبة.
فإن وجد قتيل فيما بين جماعة متباعدي الأوطان، فادعا أولياؤه قتله عليهم، لزمتهم القسامة والدية على عواقلهم، وكذلك لو أصيب رجل بجراح في قبيلة فمات منها، كانت الدية على عواقل تلك القبيلة.
قال: وإن وجد قتيل فيما بين قوم أو قبيلة فزعموا أن رجلاً منهم قتله وأنكر ذلك ولي القتل، ولم يدع قتله على واحد بعينه منهم، فالقسامة واجبة والدية على عواقلهم.
وحكا أبو العباس عن يحيى عليه السلام أنه قال: إن كان في القوم الذين وجد القتيل فيما بينهم خناثا ولزمتهم القسامة، نظر في الخناثا فإن بالوا من مبال الذكور فهم ذكور، وإن بالوا من الفروج فإناث، لا يدخلون في القسامة معهم، وإن خرجت الأبوال من الموضعين جميعاً فهم خناثا لبسة، ولا تلزمهم الأيمان.
وإذا وجد قتيل في سفينة، فالقسامة والدية على من فيها من الركبان وغيرهم من أهلها، الذين هم فيها، على أصل يحيى عليه السلام.
فإن كانت القرية أو القبيلة التي وجد فيها القتيل أهلها صغارٌ ولا عشيرة لهم فيها، فالقسامة والدية على عواقلهم، على أصل يحيى عليه السلام.(1/728)


قال أبو العباس رحمه الله: وإن وجد القتيل فيما بين قوم فيهم بالغون وصبيان ومجانين، فبلغ الصبيان وأفاق المجانين بعد وجوب القسامة ولما أمضيت، لم يحاصوا فيها من وجبت عليهم، وكذلك العبد إذا أعتق. قال: وإن كان المجنون أو المريض يطبق على عقله تارة ويزول ذلك أخرى، فوجد القتيل ولزمت القسامة في حال إفاقتهما، وأحب الأولياء أن يدخلوهم في القسامة مع سائرهم، كان لهم ذلك، وإن وجد ذلك في حال الإطباق فلا قسامة عليهم.
قال: وإذا وجد القتيل في تابوت أو سرير أو غيرهما على رؤوس الرجال محمولاً، فلا شيء لأوليائه عليهم من القسامة والدية/406/.(1/729)


باب الحث على الوصية وذكر ما يجب فيها
ينبغي لمن حضرته الوفاة أن يوصي، ويشهد على وصيته، ويدفعها إلى ثقة من ثقاته، لينفذها بعد وفاته.
قال أبو العباس رحمه الله: الوصية فرض، إذا كان على الإنسان حق لله تعالى من حج أو زكاة، وكذلك إذا كان عليه حق للعباد.(1/730)


باب من تجوز وصيته والوصية له وإليه
كل من أوصى بشيء من ماله على الوجه الذي يصح، فوصيته جائزة، إلا أن يكون مجنوناً لايفيق أو صبياً ابن خمس أو ست أو سبع أو دون ذلك. والمجنون فوصيته جائزة في حال الإفاقة. وابن عشر إذا أوصى فوصيته جائزة، على تخريج بعض أصحابنا من ظاهر قول يحيى عليه السلام، وعند بعضهم أن الوصية لا تجوز إلا من بالغ. والعليل إذا أصمت، وكان عقله ثابتاً، فأوصى بإشارات يفهم بها مراده، نحو أن يقال له: أعتقتَ عبدك فلاناً، أو أوصيت لفلان بكذا وكذا. فيشير برأسه إشارة يفهم بها أنه أراد ذلك، كانت وصيته جائزة. وكذلك الأخرس، على أصل يحيى عليه السلام.
قال أبو العباس رحمه الله: وكذلك سائر العقود تصح إذا كانت الإشارة معهودة فيما يفهم منها، وللعليل ما دام في علته - وبحيث لا يكون مرضه مخوفاً - أن يتصرف في ماله بما شاء من هبة أو عتق، وإذا صار المرض مخوفاً لم يجز من ذلك إلا الثلث، وكذلك الوقف وسائر الصدقات.
والحاملُ لها أن تصرف في مالها بما أحبت في أول الحمل، فإذا جاوز حملها ستة أشهر، لم يجز من ذلك إلا الثلث، وكذلك المحارب له ذلك مالم يبارز عدواً ولم يصاف ولم يباشر قتالاً، فإذا انتهى إلى ذلك لم يجز مما يفعله إلا الثلث. وحكا علي بن العباس إجماع أهل البيت عليهم السلام أن من تقدم للقتل قصاصاً أو رجماً فحكمه حكم المريض، في أنه لا تجوز وصيته إلا في الثلث.
ووصايا المسلمين لأهل الذمة جائزة، وكل من أوصي له بشيء فالوصية جائزة/407/، سواء كان الموصى له وارثاً أو غير وارث، ذكراً كان أو أنثى، حراً كان أوعبداً.(1/731)

146 / 168
ع
En
A+
A-