باب جنايات المماليك
إذا قتل عبدٌ حراً مسلماً عمداً وجب تسليمه إلى أولياء المقتول، فإن شاؤا قتلوه، وإن شاؤا استرقوه، وإن شاؤا باعوه أو وهبوه، وإن شاؤا عفوا عنه وأعتقوه، فإن قتله خطأ، كان سيده مخيراً بين تسليمه وبين أن يفتديه بجنايته، فيلتزم أرش الجناية، وإن سلمه إلى ولي الدم كان له أن يتصرف فيه بجميع وجوه التصرف التي ذكرناها في المسئلة الأولى إلا القتل، فإنه لا قتل عليه.
وإذا قَتَلت أم الولد عمداً وجب تسليمها للقتل، دون الإسترقاق والاستخدام، وإن قتلت خطأ فعلى سيدها قيمتها إن كانت القيمة مثل الدية أو دونها، فإن زادت عليها لم يلتزم أكثر من القيمة، فإن كان مولاها معسراً لزمها أن تسعى لولي الدم في قدر قيمتها.
وإذا قَتَل المُدَبَّر عمداً سُلِّم للقتل دون الإسترقاق، فإن قَتَل خطأ ضمن مولاه قيمته لولي الدم، وإن كان معسرا سلمه بجنايته مملوكاً.
وإن قَتَل المكاتب خطأ، وجب عليه الدية يسعى فيها مع سعيه في كتابته، وحكم سائر جنايات أم الولد والمُدَبَّر والمكاتب إذا كانت خطأ حكم القتل الخطأ.
وإذا جنى عبد على جماعة فيهم حُرّ وعبد ومكاتب ومُدَبَّر عمداً أو خطأ، كان الحكم في العبد أن يُسلم إلى جماعتهم كما يُسلم إذا جنى على واحد، وفي الخطأ أن يسلم إليهم أو يفتدى بأرش الجناية.(1/707)
ولو أن عبداً ضرب بطن امرأة سيده فألقت جنيناً ميتا لزم سيده لها قيمة سدس الغرة، إن كان لها ولدان، فإن لم يكن لها ولدان فقيمة ثلث الغرة، فإن طرحته حياً ثم مات، وجب عليه (أن يدفع سدس العبد إن كان لها ولد، فإن لم يكن لها ولد، وجب) أن يسلم إليها ثلث العبد، إلا أن يختار أن يفديه من جنايته فيفديه بسدس الدية إن كان لها ولدان، أو بثلثها إن لم يكن لها ولدان.
فإن كان قتل عبد رجلاً عمداً وله وليان، فعفى عنه أحدهما دون الآخر، سلم نصفه إلى من لم يعف عنه، إلا أن يفديه صاحبه بنصف الدية.(1/708)
باب ذِكر من تلزمه الدية
/392/ الدية إما أن تلزم الجاني نفسه، وإما أن تلزم العاقلة، فإن كانت الجناية عمداً، فالدية تلزم الجاني إذا اختار ولي الدم ذلك، وإذا ثبتت الجناية باعتراف من الجاني، فالدية تلزمه، وإذا ثبتت الدية صلحاً لزمته. وأرش ما دون الموضحة يلزمه دون العاقلة، هذا الذي نص عليه في (الأحكام) وهو المأخوذ به. وقال في رواية (المنتخب) - فيما دون الموضحة -: إنه يلزم العاقلة.
وإذا وقعت الجناية من العبد، فالدية لا تلزم عاقلة المولى، وإذا كانت الجناية على غير النفس كالبهيمة وما أشبهها والعروض فالأرش لا يلزم العاقلة.
والجاني الذي تلزمه الدية أو الأرش، إن كان معسراً لزمه أن يسعى في أرش جنايته.
وإذا وقعت الجناية خطأ، وكانت خارجة عن هذه الوجوه، فإن ضمانها يكون على العاقلة، سواء كانت الجناية على النفس أو على ما دونها، وإذا قتل الحر العبد خطأ، فقيمته على عاقلة الجاني.
وجنايات الصبي والمجنون ديتهما وأرشهما على عاقلتهما، وعمدهما خطأ، فإن لم يكن لهما عاقلة، وجبت في أموالهما، فإن لم يكن لهما مال، وجب ذلك في بيت مال المسلمين.
ولو أن حرة تزوجت عبداً فولدت منه غلاماً، فجنى في حال رق أبيه، لزمت دية جنايته عاقلة أمه دون أبيه، وكذلك إن أعتق أبوه قبل إيفاء الدية، إذا كانت الجناية في حال رقه.(1/709)
باب تفسير العاقلة وذكر ما يلزم كل واحد منهم
المراد بالعاقلة: العشيرة، وهم: العصبة الأدنون منهم فالأدنون من الجاني، والجاني لا يحتمل من العقل شيئاً، ولا يجوز أن يتحمل الدية البطن الأعلا من الجاني دون البطن الأدنى إذا لم يحتملها، بل يضم إليه أقرب البطون بطناً بعد بطن، حتى يكون ما يلزم كل واحد منهم كسراً.
وإذا لم يكن للجاني عاقلة، أو كان في عددهم قلة، وجبت الدية كلها، أو ما فضل منها عن عاقلته في مال الجاني، فإن لم يكن للجاني مال وجبت في بيت مال المسلمين/393/، على أصل يحيى عليه السلام. وإن لم يكن لأهل الذمة عاقلة وجبت الدية في خاص أموالهم.
ولو أن مسلماً كانت عاقلته مشركون، عقل عنه المسلمون إذا لم يكن له مال، على أصل يحيى عليه السلام.
وإذا كان أولياء القتيل المسلم ذميين، فاستيفاء الدية إلى الإمام، وليس له أن يعفو، حكاه على بن العباس عن القاسم عليه السلام وأحمد بن عيسى عليه السلام.(1/710)
باب ذكر الجنايات التي تجب فيها الدية أو بعض الدية أو الحكومة
يجب في قتل المسلم دية كاملة، وكذلك في قتل الكافر من أهل الذمة يجب فيه دية كاملة مثل دية المسلم.
وإذا قتل الرجل ابنه عمداً أو خطأ فعليه الدية لسائر ورثته ولا يرث هو منها شيئاً.
وفي البصر إذا ذهب كله من العينين الدية، وكذلك في العينين إذا فقئتا أو عميتا الدية، وفي كل واحدة منهما نصف الدية.
وفي الخرس الدية، وفي الصوت إذا انقطع فلم يقدر عليه الدية.
وفي اللسان الصحيح إذا قطع الدية.
وفي السمع إذا ذهب كله الدية، وفي الأذنين إذا استؤصلتا قطعاً الدية، وفي إحداهما نصف الدية.
وفي الأنف إذا قطع من أصله الدية.
وفي البول إذا ضُرب الإنسان فسلس بوله ولم يستمسك الدية، وكذلك القول في الغائط إذا لم يستمسك ففيه الدية.
وفي الشفتين إذا قطعتا الدية. وقال في (المنتخب) : وتفضل السفلى على العليا بشيء على ما يراه الحاكم.
وفي الأسنان كلها إذا قُلِعت دية ونصف دية وعشر دية، وفي كل سن منها نصف عشر الدية، وهو خمس من الإبل، ولا تفاضل بين الأسنان في الدية.
وفي الظهر إذا كسر فلم ينجبر الدية.
وفي اليدين إذا قطعتا الدية. وفي كل واحدة منهما نصف الدية، وكذلك في الرجلين، وفي الرجل الواحدة.
وفي كل أصبع عشر الدية، ولا تفاضل بين الأصابع في الدية، وأصابع اليدين والرجلين سواء في الدية.
وفي كل مفصل من كل أصبع ثلث دية الأصبع، إلا الإبهام فإن في كل مفصل منها نصف دية الإبهام/394/.
وفي الذكر إذا قطع من أصله الدية.(1/711)