باب ذكر من يكون حده القتل
من ارتد عن الإسلام فعليه القتل بعد الإستتابة رجلاً كان أو امرأة، فإن تاب خلي سبيله، وإن أقام على الردة قُتل، والإستتابة تكون ثلاثة أيام، فأما من انتقل من بعض ملل الكفر إلى بعضها كاليهودي يتنصر أو النصراني يتهود أو يتمجس، فإنه لا يقتل، ويقر على ما انتقل إليه وتؤخذ منه الجزية، وإن رأى الإمام تعزيره عزره، والقول في الزنديقوالسَّاحروالدَّيُّوثكالقول في المرتد، فإنهم يقتلون بعد الإستتابة.
ومن سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو استحل شرب الخمر، أو أكل لحم الخنزير فعليه القتل - بعد الإستتابة - إذا لم يتب/385/.(1/697)


باب المحارب
المحارب هو الذي يخيف السبل ويحمل السلاح ويتعرض للمسلمين والمعاهِدين، ويحاول قطع الطريق وأخذ الأموال، ومن حمل السلاح وأخاف المسلمين في غير المصر، وحاول قطع الطريق فأخذه الإمام عزره وأدبه على ما يراه، فإن ظفر به وقد أخذ المال قطع يده اليمنى ورجله اليسرى إذا كان قد أخذ القدر الذي يجب في مثله القطع، قد روي ذلك عن القاسم بن إبراهيم عليه السلام.
وإن كان قد قَتَل مع ذلك قُتِل ثم صلب، ولا يصلب حياً ولا تقطع يده ولا رجله مع القتل والصلب، على ما نص عليه يحيى عليه السلام. وقد أخطأ فيه بعض متأخري أصحابنا، وقال: إنه إن جمع بين القتل وأخد المال يقطع ثم يقتل ويصلب، وهذا غلط على المذهب ومخالفة للمنصوص عليه، وقتله إن كان قد قتل يجب أن يكون ضرب الرقبة، فإن كان بعضهم قَتَل وبعضهم أخذ المال، كان القتل على من قتل منهم دون من أخذ المال، والقطع على من أخذ المال على أصل يحيى عليه السلام.
وإن كان المحارب قبل أن يظفر به الإمام أتاه تائباً، وقد كان أخاف الطريق وأخذ المال، وقتل وجب على الإمام أن يقبل توبته، ويسقط عنه جميع ما يستحقه من النفي والقطع والقتل، ولم يكن لأحد أن يطالبه بشيء مما كان منه قبل توبته من قصاص أو ضمان، فإن قتله قاتل على قتل كان منه، قتل الإمام قاتله.
ولو أن المحارب راسل الإمام أو كاتبه بتوبته وسأله الأمان، وجب على الإمام أن يقبل توبته ويؤمنه إذا رأى ذلك صلاحاً للمسلمين، فإن تاب بعد ما ظفر به الإمام، أقيم عليه حد ما يستحقه من الحدود.(1/698)


باب التعزِير
التعزير دون حد صاحبه بسوط أو سوطين، فإن كان حراً عزر إلى ما دون المائة بسوط أو سوطين، وإن كان عبداً عزر إلى دون الخمسين بسوط أو سوطين، وللإمام أن يحبس من يجب عليه التعزير بعدما يعزره إن رأى ذلك/386/.
والرجل إن أتا المرأة في غير قُبُلها ودُبرها أو وُجد مع امرأة في فراش واحد، فعليهما جميعاً التعزير يجلدان دون مائة بسوط أو سوطين إن كانا حرين، وإن كانا مملوكين فدون خمسين جلدة. وكذلك حكم المرأة إذا وقعت على المرأة.
وأي سارق دريء عنه الحد للشبهة فإنه يعزر على ما يراه الإمام، وكذلك القول في الزاني والقاذف، إذا وجب درء الحد عنهما بشبهة.
ولا يجوز اللعب بالشطرنج، وللإمام أن يعزر من يلعب به، ويجوز كسر الطنبور والشطرنج، وتخريق رقعته وكذلك سائر آلات الملاهي، على أصل يحيى عليه السلام.(1/699)


باب ما يوجب القصاص
القصاص يجب في النفس، وفيما دون النفس، إذا وقعت الجناية عمداً، وإذا كانت الجناية فيما دون النفس، فالقصاص إنما يجب فيها إذا أمكن الوقوف على قدرها، وأُمن تعدي ذلك إلى تلف النفس من طريق العادة.
وإذا قَتَل رجل بالغ أو امرأة بالغة حراً مسلماً عمداً من غير استحقاق، وجب عليه القتل سواء كان المقتول بالغاً أو غير بالغ.
وإذا قتل رجل امرأةً وجب عليه القصاص، بشرط التزام أولياء المقتولة نصف دية الرجل لأولياء القاتل، وكذلك القول في جناية الرجل على المرأة فيما دون النفس، من سائر الأطراف، نحو أن يفقأ رجل عين امرأة، فإن المرأة تخير، فإن شاءت فقأت عين الرجل ودفعت إليه نصف دية العين، وإن شاءت أخذت منه دية عينها، فإن قتلت امرأة رجلاً عمداً قُتلت المرأة، ولا يستحق على ورثتها شيءٌ، على أصل يحيى عليه السلام، وإن فقأت امرأة عين رجل، كان الرجل بالخيار بين أن يفقأ عينها، وبين أن يأخذ منها دية عينه.
وإذا اشترك جماعة من الرجال أو الرجال والنساء في قتل رجل عمداً قتلوا كلهم، إلا أن يختار ولي الدم الدية، فله أن يأخذ من كل واحد منهم دية كاملة.
وإذا قتل الواحد جماعة قُتل بهم كلهم، ولا يجب عليه شيء آخر، على ظاهر إطلاق يحيى عليه السلام.
ولو أن رجلاً/387/ خنق رجلاً بيده أو بوتر حتى مات، وجب عليه القَوَد.
والقتل: عمد، وخطأ. ففي العمد القَوَد، وفي الخطأ الدية، ولا معنى لشبه العمد.
وإذا اجتمع جماعة على قطع يد واحدة فقطعوها في حال واحد، وجب أن تقطع أيديهم، على أصل يحيى عليه السلام.(1/700)


ولو أن جماعة شهدوا على رجل عند الإمام بما يوجب قتله، فقتله الإمام، ثم رجعوا عن شهادتهم، وأقروا بأنهم تعمدوا بذلك قتله، وجب القتل على كل واحد منهم، وكذلك إن رجع واحد منهم، وإن ادعوا الخطأ، فعليهم الدية.
ولو أن رجلاً قتل رجلاً عمداً، فجاء أجنبي فقتله من دون أذن ولي المقتول، وجب عليه القود، إلا أن يختاروا أولياء المقتول الدية، فإن أخذوها، وجب عليهم ردها إلى ورثة القتيل الأول.
ولو أن رجلا قُتِل وله وليان، فعفى أحدهما عن القاتل، وقتله الآخر، فإن كان قتله وهو يعلم أن الآخر عفى عنه، وجب عليه القود، وإن لم يعلم بعفوه فلا قود عليه، وتلزمه الدية، يحتسب له بنصفها الذي يستحقه ويكون نصفها للوارث الآخر.
ومن قُتِل عمداً أو جرح، فولي الدم بالخيار إن شاء استوفا القود، وإن شاء أخذ الدية، وإن تصالحا على شيء دون الدية أو فوقها جاز ذلك.
وإذا فقأ أعور عين الصحيح، فقئت عينُه، هذا الذي نص عليه في (الأحكام) وهو المأخوذ به، وفي رواية (المنتخب) قال: عين الأعور بمنزلة عيني الصحيح، فلا تفقأ عينه بإحدى عيني الصحيح.
ولو أن رجلاً فقأ عين واحد، وقطع يد آخر أو رجله، وجدع أنف آخر، ثم قتل رجلا آخر، اقتص منه لكل واحد ممن جنى عليه، فتفقأ عينه، وتقطع يده أو رجله، وتجدع أنفه، ثم يقتل بمن قتله.
ولو أن رجلاً لطم رجلاً اقتص منه بلطمة مثلها، إلا أن تكون اللطمة وقعت في العين، أو في موضع آخر لا يؤمن أن يؤدي القصاص فيه إلى التلف، فإن كان كذلك وجبت فيه الحُكُومة.(1/701)

140 / 168
ع
En
A+
A-