ولا يجوز التيمم إلا في آخر الوقت. فإن أراد صلاة الظهر تحرى وقتاً يغلب على ظنه أنَّه إذا تيمم وصلى /13/ الظهر لم يبق من وقت النهار إلى غروب الشمس إلا القدر الذي يتيمم فيه للعصر ويصليه. وإن أراد صلاة العصر تحرى وقتاً يغلب على ظنه أنَّه إذا تيمم فيه وصلى العصر صادف فراغه منه غروبَ الشمس. وإن أراد صلاة المغرب تحرى وقتاً يغلب على ظنه أنَّه إذا تيمم وصلى المغرب لم يبق بعد ذلك من وقت الليل إلى طلوع الفجر أكثر مما يتسع للعشاء الآخرة وتيممها. وإن أراد صلاة العشاء الآخرة تحرى وقتاً يغلب على ظنه أنَّه إذا تيمم وصلى صادف ذلك طلوع الفجر. وإن أراد صلاة الصبح تحرى وقتاً يغلب على ظنه أنَّه إذا تيمم وصلى صادف ذلك طلوع الشمس.
قال أبو العباس رحمه اللّه: ليس للصلاة بالتيمم إلا وقت واحد، على أصل يحيى عليه السلام، سواء كانت الصَّلاة مؤداة في وقتها أو فائتة، فمتى انتهى في آخر النهار إلى وقت يكون الظهر مستحقاً فيه، فإن وقت العصر بالتيمم لا يكون قد دخل.
ولا يجوز التيمم إلا بالتراب الطاهر دون النجس، ولا يجوز التيمم بالتراب المستعمل، كما لا يجوز الوضوء بالماء المستعمل، على موجب قول يحيى عليه السلام. ولا يجوز بالرَّمل أو النُّورة والزرنيخ وما أشبههما، فإن كان في الرمل تراب يعلق بالكف جاز التيمم به. ولا يجوز التيمم بأن يضرب المتيمم يديه على حجر صلد لاتراب عليه، أو على زجاج أو رخام أو ما أشبهها مما لا تراب عليه، ولا يجوز أن يتيمم بتراب البردعةوالثياب وشبهها.
ولا يُؤدَّى بتيمم واحد أكثر من فريضة واحدة ونافلتها.(1/67)
ومن لا يجد ماء ولا تراباً فإنه يصلى على الحال التي هو عليها، فإن وجد ماء أو تراباً قبل مُضِيّ وقت تلك الصَّلاة تطهر واستأنف تلك الصَّلاة، وإن وجده بعد مضي وقتها فلا إعادة عليه، ومن صلى بتيمم ثم وجد الماء بعد فراغه من صلاته، فإن كان وقتها باقياً فعليه أن يتوضأ ويستأنف تلك الصَّلاة، وإن كان وقتها قد انقضى فلا إعادة عليه، وعليه أن يتوضأ للمستأنف، وكذلك الْجُنُب إذا تيمم وصلى لعدم الماء، فإنه يغتسل إذا وجد الماء.
فإن وجد من صلى بالتيمم الماءَ وقد بقي معه من وقت العصر قدر ما يصلى فيه ركعة واحدة قبل غروب الشمس، لزمه أن يتوضأ وأن يعيد العصر، وإن لحق قدر ما يمكنه أن يصلى خمس/14/ ركعات قبل غروب الشمس، لزمه أن يتوضأ ويعيد الظهر والعصر، على قياس قول يحيى عليه السلام، فإن بقي من الوقت دون ذلك لم يلزمه الإعادة.
والمتيمم إذا وجد الماء وهو في الصَّلاة انتقضت طهارته وصلاته، وعليه أن يخرج منها ويتوضأ ويستأنف الصَّلاة، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ومن تيمم ناسياً للماء في رَحْلِه، ثم علم بذلك؛ فإن كان في بقية من الوقت فعليه أن يتوضأ ويستأنف الصَّلاة، وإن كان الوقت قد انقضى فلا إعادة عليه، على قياس قول يحيى عليه السلام.
والتيمم لا يرفع الحدث على ما ذكره أبو العباس وهو قياس قول يحيى عليه السلام.(1/68)
قال القاسم عليه السلام فيمن وجد من الماء القدر الذي يكفي الوجه واليدين: فإنه يغسلهما به ولا يتيمم. قال أبو العباس : وعلى هذا إن كان يكفي الوجه دون اليدين، فإنه يغسله وييمم اليدين. وحكى رحمه اللّه عن محمد بن يحيى في الجنب إذا وجد من الماء يسيراً لا يكفي لغسل بدنه: أنَّه يتيمم ويغسل بالماء القدر الذي يكفيه من بدنه.
قال رحمه اللّه: ووجه التَّلفيق- بين قول القاسم في أمره بالاقتصار على الغسل دون التيمم، وبين قوله رضى اللّه عنه في الجمع بينهما - أن القاسم قال ذلك في المحدث الذي ليس بحنب، فيكون فرضه الوضوء فقط، ومحمد بن يحيى رضي اللّه عنه قد صرح فيما قاله بحكم الجنب.
قال القاسم عليه السلام في المحبوس عن الماء والتراب: هو بمنزلة العادم. قال أبو العباس: وكذلك المربوط على جذع أو غيره، لا يعيد ما يصلي بإيمائه.
ومن خشي أن تفوته الصَّلاة على الجنازة إذا اشتغل بالوضوء، فإنه يتيمم ويصلى عليها. قال أبو العباس الحسني : في صلاة العيد إن خاف الفوت تيمم وصلى.
وقال: إن أحدث وهو مع الإمام في صلاة العيد لم يتيمم لها إلا إذا خشي فوتها؛ لأنَّه يراها منفرداً - يعنى يحيى عليه السلام - .
قال: وأما الجمعة فإنها عنده كالظهر، إذ قد نصّ على أن من أدرك من الجمعة ركعتين مع الإمام بنى عليهما. يعني رحمه اللّه أنها كالظهر؛ لأنَّه لا يتيمم لها إن خشي فوتها؛ لأن الأصل فيها الظهر، وإنما أسقطت ركعتين لمكان الخطبتين، فإذا فاتت قضى الظهر.
ولا يجمع بتيمم واحد بين مكتوبة وفائتة، ولا بين فائتتين، ولا بين فريضة وصلاة الجنازة /15/.(1/69)
ويجزي عن الوضوء والغسل تيمم واحد.
قال القاسم عليه السلام - فيما حكاه عنه علي بن العباس الحسني في (مجموعه) - : التيمم للجنابة كالتيمم للحدث.(1/70)
وفرائض التيمم:
النية. واستعمال التراب الطاهر. وضرب اليدين عليه ضربتين، إحداهما لمسح الوجه، والأخرى لليدين. وتعميم الوجه به مع تخليل اللحية والعنفقة والشارب. وإدخال المرفقين فيه على الترتيب.
ومسنونه - على ما نصّ عليه القاسم عليه السلام - : ثلاث ضربات، ضربة للوجه، وضربه لليد اليمنى، وضربة لليد اليسرى.
وإن نسي الجنابة وتيمم للحدث أجزأه، على موجب المذهب.
فإن أراد المحدث التيمم، قصد التراب الطاهر، فضرب بيديه عليه مصفوفتين، ويُفَرِّج بين أصابعه، ثم يرفعهما وينفضهما، ثم يمسح بهما وجهه مسحاً غامراً، ويُدْخِل إبهاميه من تحت غابته تخليلاً للحية إذا كانت، ثم يضرب بهما ضربة ثانية؛ فيمسح يمينه من ظاهرها من عند الأظفار بيده اليسرى، فيمرها عليها إلى المرفق وراحته محفوظة لم يمسح بهما، ثم يقلب راحته على باطنها فيمرها إلى إبهامه ويمسح جميع ذلك، ثم يمسح بيده اليمنى يده اليسرى فيفعل بها كما فعل باليمنى.(1/71)