باب الحبس
يحبس الحاكم من ثبت عليه حق لغيره، وامتنع منه إذا طلب صاحب الحق ذلك، ولا يخليه إلا بعد أن يؤديه أو يرضى صاحب الحق بتخليته، أو يتبين إعساره، وعند ثبوت الحق عليه يكون حكمه حكم المؤسر، فيحبس كما يحبس من يكون ظاهره اليسار، إلا أن يثبت إعساره، وحكم الرجال والنساء سواء في حبس من يجب حبسه منهم، إلا أن حبس النساء يجب أن يكون منفرداً عن حبس الرجال، على أصل يحيى عليه السلام.
قال أبو العباس: لا يحبس الأبوان في الديون لولدهما، إلا في نفقة الولد خيفة التلف.(1/677)


باب القول في الزنا
الزاني إما أن يكون بالغاً عاقلاً، أو يكون غير بالغ أو بالغاً غير عاقل، فإن كان غير بالغ، أو بالغاً غير عاقل فلا حد عليه، فإن كان بالغاً عاقلاً فعليه الحد، سواء كان مسلماً أو ذمياً أو حربياً مستأمناً حراً أو عبداً، وسواء كان المزني بها بالغة أو غير بالغة، إذا كانت تصلح للجماع، عاقلة أو غير عاقلة، حرة أو غير حرة، ولا فرق في وجوب الحد على الزانية البالغة العاقلة بين أن يكون الزاني بها بالغاً أو غير بالغ، إذا أَوْلج، وعاقلاً أو غير عاقل، حراً أو ليس بحر، على أصل يحيى عليه السلام.
والزاني الذي يجب عليه الحد إما أن يكون حراً أو ليس بحر، فإن كان حراً، فإما أن يكون بكراً أو محصناً، فإن كان حراً بكراً فحده مائة جلدة فقط من دون التعزير، وإن كان محصناً فحده مائة جلدة والرجم يجمع بينهما، وكذلك القول في الزانية إذا كانت محصنة.
والإحصان المعتبر في الحد له شرائط، منها: أن يكون الزاني بالغاً عاقلاً حراً. ومنها: أن يكون قد تزوج بامرأة عاقلة، يجامع/372/ مثلها في الفرج، تزويجاً صحيحاً. ومنها: أن يكون قد جامعها أو خلا بها خلوة توجب المهر، سواء كانت المرأة حرة أو مملوكة، فإن كانت المرأة التي تزوج بها صغيرة لا يجامع مثلها، أو مجنونة، أو يكون قد نكحها نكاحاً فاسداً لم يكن محصناً، ولا يكون محصناً بملك اليمين، وليس من شرطه الإسلام. وحكم الزانية في شرائط الإحصان حكم الزاني.(1/678)


فإن كان الزاني عبداً أو مُدَبَّراً فحده نصف حد الحر البكر، وهو: خمسون جلدة وكذلك القول في الأمة والمُدَبَّرة وأم الولد، وإن كان مكاتباً، فإن كان قد أدى شيئاً من مال الكتابة، فحده على حساب ما أدى من حد الحر البكر، وإن كان أدى نصف مال الكتابة فحده خمس وسبعون جلدة، وإن لم يكن أدى شيئاً فحده حد العبد. وكذلك القول في المكاتبة.
وإن كان الزاني مريضاً، فإن كان محصناً جلد ورجم، وإن كان بكراً انتظر بُرؤه، وإن رأى الإمام أن يجمع له عشرة أسواط ويضربه بها في حال دنفه عشر ضربات فعل إن كان يحتمل ذلك، وكذلك القول في الزانية.
ولا يقام الحد على الزانية البكر في زمان شديد الحر ولا شديد البرد، إذا خيف عليها إذا جلدت فيه، على أصل يحيى عليه السلام.
فإن زنت امرأة وجب على الإمام أن يستبريء رحمها وينظر أحامل هي أم غير حامل، فإن لم تكن حاملاً حدها، وإن كانت حاملاً انتظر بها حتى تضع، فإذا وضعت فإن كانت بكراً حدها، وإن كانت محصنة انتظر بها حتى ترضع ولدها، وأن يستغني ولدها عنها، إلا أن يكون للولد من يكفله.
والزنا الذي يجب به الحد هو الإيلاج في قُبُل أو دُبُر.
وحكم إتيان الذكر في الدبر حكم إتيان المرأة في القُبُل والدبر.
قال القاسم عليه السلام في رواية النيروسي عنه: من أتى بهيمة فحكمه حكم من أتى الرجل.
ومن تزوج بامرأة لا يحل له نكاحها ووطئها عالماً بالتحريم لزمه الحد. (ومن وطئ المستأجرة فعلى الواطئ الحد وكذلك المستعارة)، وإن زنا بذات رحم محرم، أو زنا ذمي بمسلمة، فالحد لا يتغير، وللإمام أن يؤدبه بما يراه تأديباً زائداً.(1/679)


فإن زنا رجل بجارية مرهونة عنده، وادعى الجهل بالتحريم لم يلزمه الحد، وإن وطئ جارية امرأته وادعى الجهل بالتحريم/373/ لزمه الحد، ولم يقبل ذلك منه، على أصل يحيى عليه السلام.
ولا يجب حد الزنا على رجل ولا على امرأة إلا بعد إقراره أو شهادة شهود عليه بفعله، ولا يجب الحد بالإقرار حتى يقر أربع مرات، لا فرق في ذلك بين الحر والعبد، ولا يجب إلا بعد أن يسأل عن تفسير الزنا، فيفسره بالإيلاج فيمن لا يحل له وطئها.
وإذا كان ثبوته من جهة الشهادة وجب أن يكون الشهود أربعة، ولا تصح الشهادة حتى يشهدوا أنهم رأوه يزني، وشاهدوا الإيلاج في وقت واحد في مكان واحد، فإن شهدوا بأنه جامعها أو باضعهاولم يذكروا الزنا ولم يفسروه بما ذكرناه، لم تصح شهادتهم. ولا تجوز الشهادة إذا اختلفوا في المكان.
وشهود الزنا سواء حضروا الشهادة مجتمعين أو مفترقين جازت شهادتهم، على أصل يحيى عليه السلام.
ولا فرق بين أن يكون المشهود عليه حراً أو عبداً، أو تكون الشهادة على إتيان الذكران أو الإناث أو إتيان المرأة في قُبُلها أو دُبُرها، على أصل يحيى عليه السلام.
فإن قامت الشهادة بالزنا، وجب على الإمام أن يسأل عن إسلام الشهود، وعن عدالتهم، وعن صحة عقولهم وأبصارهم، وأن يسأل: هل بين الشهود وبين المشهود عليه عداوة، ثم يسأل عن المشهود عليه: هل هو حُرّ أو عبد، محصن أو غير محصن، فإذا بان له جميع ذلك أقام عليه حد مثله.
ويثبت الإحصان والحرية بشهادة رجلين، وكذلك يثبت بشهادة رجل وامرأتين، على أصل يحيى عليه السلام. ويسأل الإمام شاهدي الإحصان عن معنى الإحصان.(1/680)


ولو شهد رجلان على رجل بأنه زنى، وشهد عليه آخران بأنه أقر بالزنا كانت هذه الشهادة باطلة، على أصل يحيى عليه السلام.
ومن أقر على نفسه بالزنا أربع مرات، ثم رجع عن إقراره، قُبِلَ رجوعه ودريء عنه الحد، رجلاً كان أو امرأةً.
وشهود الزنا إذا شهد منهم واحد ونكل الثاني، أو شهد اثنان ونكل الثالث، أو شهد الثالث ونكل الرابع، أقيم على من شهد حد القاذف، ولم يلزم الناكل ولا المشهود عليه شيء.
وإذا شهد أربعة على رجل بالزنا، ثم رجع واحد منهم قبل إقامة الحد، وجب/374/ على الراجع حد القاذف، ولم يجب على الباقين من الشهود ولا على المشهود عليه شيء. وإن رجع بعد إقامة الحد واعترف بأنه تعمد ان يشهد عليه بالباطل، فإن كان الحد جلداً فقط لزمه من أرش الضرب الربع، وإن كان جلداً ورجماً قتل به، إلا أن يصالح أولياء المشهود عليه على الدية، فإن ادعا الخطأ فيما شهد به لزمه ربع الدية، وربع أرش الضرب ويكون ذلك على عاقلته.
قال أبو العباس رحمه الله: ولا يحد الراجع عن الشهادة بعد إقامة الحد، وعلى هذا إن رجعوا كلهم، فإن اعترفوا بالعمد قتلوا، وإن ادعوا الخطأ كان الواجب فيه الدية، ويلزم كل واحد منهم ربع الدية.
ولو أن شاهدين شهدا على الزاني بالإحصان، ثم رجع أحدهما قبل إمضاء الحد، سقط الحد، وللإمام أن يؤدب الراجع إن بان منه تخليط في التسرع إلى الشهادة والتوصل إلى إبطال الحد، ولا يلزم المقيم على الشهادة شيء، وإن رجع بعد إقامة الحد كان حكمه حكم شهود الزنا، إذا رجع بعضهم في لزوم الدية أو القتل، على أصل يحيى عليه السلام.(1/681)

136 / 168
ع
En
A+
A-