ولا ينبغي أن يقضي وهو غضبان أو جائعشديد الجوع، أو مشغول بأمر من الأمور التي تصرفه عن استيفاء النظر فيما هو فيه. قال أبو العباس: قد دخل فيه التأذي بالنعاس، وبأن يكون مدفوعاً إلى قضاء الحاجة من بول أو غيره، أو يكون ممتلئاً من الطعام.
وقال رحمه اللّه: ولا يجهد نفسه بتطاول القعود، ويستريح فيما بين طرفي النهار، وينبغي له أن يقدم النساء على حِدَة، والرجال على حدة، على أصل يحيى عليه السلام، ولا يضيف أحد الخصمين، ولا يقبل الهدية، على أصل يحيى عليه السلام.
قال أبو العباس: ولا يحضر دعوة الخصم، فأما سائر الدعوات فإن كانت دعوة خاصة لم يحضرها، وإن كانت دعوة عامة كالولائم والأعذار جاز أن يحضرها، إلا أن يكون صاحب الوليمة خصم.
قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه: لا يحل للحاكم أن يفتي خصماً دون حضور خصمه.
قال أبو العباس: لايجوز للقاضي أن يعمل بكتاب قاضٍ إليه، إلا إذا قامت البينة العادلة بأنه كتابه، على أصل يحيى عليه السلام.
قال رحمه اللّه: ولايقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود ولا في شيء لاتقبل فيه شهادة النساء كالقصاص، وتقبل في سائر الحقوق، على أصل يحيى عليه السلام.
قال رحمه اللّه: إذا كان كتاب القاضي إلى القاضي في دار، فلابد أن يذكر حدودها إما أربعة أو ثلاثة، وإن كان الكتاب فيه ذكر حق لرجل على رجل، فلا بد من أن يذكر اسم أبيه وجده أو اسمه واسم ابيه، وينسبه إلى ما يعرف به من تجارة أو صياغة يتميز بها عن غيره.(1/672)
قال: ولا يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في عبد يحكم به لإنسان، ويجوز للقاضي أن/369/ يقضي بعلمه سواء علم بذلك قبل قضائه أو بعده، على أصل يحيى عليه السلام. قال أبو العباس: إلا في الحدود سوى القذف.
ويجوز القضاء على الغائب، على أصل يحيى عليه السلام، وبه كان يقول أبو العباس رحمه اللّه، فإن كان الغائب يُعرف مكانه، فإنه يحكم عليه بعد أن يعرِّفه أنه إن لم يحضر أو يوكل وكيلاً حكم عليه، وكذلك الحاضر إذا توارى وامتنع من الحضور كان سبيله سبيل الغائب، وإن كان في بلد لا ينال حكم عليه الحاكم لخصمه بالحق.
ولو كان للغائب مال فباعه الحاكم عليه، وقضى الغرماء ديونهم جاز ذلك، ويجب على القاضي أن يتعاهد من يقدم عليه من البلدان ويتقاضون إليه لئلا يطول احتباسهم.
قال أبو العباس: وإن رأى تقديم الطارئين على المقيمين أصلح فعل، وإن رأى أن يخلطهم بأهل مصره فعل، على قدر ما يرى من الصلاح في ذلك.
قال محمد بن يحيى: ليس على القاضي إذا شهد الشهود لرجل أن له على رجل دنانير أن يسأل من أين هي، ويجب أن يكون كاتب القاضي عدلاً مرضياً، ولا يجوز أن يكون ذمياً، ويجوز أن يكون عبداً أو مكاتباً، على أصل يحيى عليه السلام.(1/673)
باب ما يستحب للقاضي أن يفعله وما يكره له فعله
يستحب للقاضي أن يحرص على الصلح بين الخصوم ويرددهم مالم يتبين له الحق، فإذا بان الحق وجب إمضاء ذلك، وإذا بان له الحق وطلب الحكم ولم يرض بالصلح فالحكم واجب.
قال أبو العباس: وينبغي للقاضي أن يوعز إلى من ينحي الناس عنه بإقصائهم حتى يمضي أمر المتداعيين، لئلا يتأذوابأصواتهم، ويقدم العون أولاً فأولاً من حضر منهم، وإن كثروا أثبت أسماءهم في قراطيس ووضعت بين يديه فيأخذ القاضي منها واحدة بعد واحدة، فيقدم من خرج اسمه مع مخاصمه أو وكيله، لئلا يزدحم الخصوم فيشتغل قلبه بذلك.
قال رحمه اللّه: ولا يجهد نفسه في الجلوس، ويعمل في ذلك بما هو أوفق به وبأهل/370/ الحكومات، من اختيار طرفي النهار أو غير ذلك.
قال: وإن تعدى أحد الخصمين على الآخر أو أساء أدبه أو سبه، فإن للقاضي أن يؤدبه على ما يراه من ضرب أو حبس أو زجر. قال: وليس هذا من الغضب الذي يمنعه من الحكم.
ويجوز للقاضي أخذ الرزق على القضاء.(1/674)
باب ما يبطل حكم الحاكم وما لا يبطله وما يتصل بذلك
قال محمد بن يحيى عليهما السلام: لو أن حاكماً حكم بحكم فأخطأ فيه، ثم علم بذلك، فعليه أن يرجع عن حكمه ولا ينفذه على خطئه. وإذا عرض على قاض حكومةقاض قبله لم ينقضها، إلا أن يكون ما حكم به مخالفاً خارجاً عن طريقة الإجتهاد، أو يكون مخالفاً للإجماع أو النص المعلوم في الكتاب والسنة، على أصل يحيى عليه السلام.
وإذا أخطأ الحاكم فيما حكم به خطأ مما يوجب نقضه، وهو مما يتعلق به أرش كان الأرش على بيت المال، وحكم الحاكم بالطلاق والبيوع وما أشبهها في الظاهر، لا يكون حكماً في الباطن، على أصل يحيى عليه السلام.
قال محمد بن عبدالله في (سيرته) : إذا شهد شاهدان عند القاضي بحق، ثم ارتدا، فإن كان حكم بشهادتهما قبل ارتدادهما فالحكم جائز، وإن لم يكن حكم بعدُ حتى ارتدا لم يجز أن يحكم بها، فإن كان الشاهدان قد أشهدا على شهادتهما، ثم ارتدا كان الحكم فيه مثل ما ذكرنا، وإن حكم حاكم بحكم، ثم ارتد كان الحكم جائزاً، وإن كتب القاضي إلى قاض كتاباً في حكم، ثم ارتد القاضي الأول، فإن كان القاضي المكتوب إليه حكم به قبل ارتداده جاز الحكم، وإن لم يكن حكم لم يجز أن يحكم به.(1/675)
باب الحجْر
لا يصح الحجر على البالغ العاقل للسرف في ماله، وله أن يتصرف في ماله كيف شاء.
والحجر على المفلس للديون التي عليه، يمنع من التصرف فيما في يده، والمحجور عليه في الدين لا يصح إقراره بما في يده للغير، على أصل يحيى عليه السلام.
ويبيع الحاكم عليه/371/ جميع ما يملكه إلا القدر الذي لا يستغني عنه لنفسه ولعياله من الكسوة والطعام، فإن كان المحجور عليه زَمِناً لا يبيع عليه خادمه، على أصل يحيى عليه السلام، ويُنَجِّم عليه ديون الغرماء.(1/676)