باب الإكراه
كل ما يكره عليه الإنسان من إقرار بشيء أو طلاق أو نكاح أو عقد من العقود، نحو بيع أو هبة أو عفو عن جناية على النفس أو ما دونها، فإنه لا يصح ولا يلزم الإنسان، ولا ينعقد عليه.
قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه: ومن أكره على قتل بغير حق، أو على الزنا لم يحل له أن يفعل ذلك، ومن أكره على الإفطار في شهر رمضان، جاز له أن يفعل، ويقضي ما أفطره.
والإكراه الذي يسقط معه حكم اللفظ ويسوغ فعل ما لا يجوز فعله مع فقده: أن يتوعد الإنسانَ عليه متغلبٌ بقتل أو ضرب أو حبس/366/ مجحف، ويكون المتوعد ممن يمكنه أن يفعله.(1/667)


باب السبق والرمي
السبق والرمي مباحان إذا عريا عن شرط يجعلهما محظورين، والشرط في السبق إن كان من أحدهما دون الآخر، نحو أن يقول إن سبق فرسك فرسي أو رميت فأصبت الهدف أعطيتك كذا، جاز ذلك، واستحب له أن يفي بالشرط، وإن كان الشرط منهما، نحو أن يشترط فيقول إن سبق فرسك أو رميت فأصبت الهدف أعطيتك كذا، وإن سبق فرسي أو لم تصب الهدف أخذت منك كذا لم يجز الشرط وهو محظور.
ويستوي حكم الإمام وغيره في أنه يجوز أن يجعل لغيره شيئاً على السبق.(1/668)


باب صفات القاضي التي معها يجوز قضاؤه
يجب أن يكون القاضي عالماً بطريقة الحكم في كل ما يقضي به، ورعاً عفيفاً عن أموال المسلمين، ويجب أن يكون جَيِّد التمييز صلباً في أمر اللّه تعالى.
قال أبو العباس: لا يكون عالماً بما يقضي حتى يكون عالماً بكتاب اللّه وسنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، وبما روي عن الأئمة وخيار الصحابة، وبما أجمع عليه السلف الصالح.
قال: ولا يجوز تقليد النساء القضاء. قال: يجوز قضاء العبد، على أصل يحيى عليه السلام.
قال: وكل من لا تجوز شهادته وإمامته في الصلاة لا يجوز قضاؤه، نحو أن يكون فاسقاً أَيّ فسق كان، أو خائن أمانة أو صاحب كبيرة أو آكل حرام أو جائراً في حكم، أو شاهد زور، أو قابل رَشْوَةأوعاقاً لوالديه.
ومن جازت شهادته جاز قضاؤه، على أصل يحيى عليه السلام من حُرّ أو عبد أو مكاتب أو مُدَبَّر.
قال يحيى عليه السلام في (الأحكام) : والبغاة يقر من أحكامهم ما وافق الحق، وينقض ما كان باطلاً، ومِنْ أصحابنا من خرج على هذا، وعلى مسئلة أخرى قد ذكرها في (المنتخب) تجويز [تولي] القضاء/367/ من جهة الظلمة، وهذا تخريج غير صحيح عندنا، وقد بينا الكلام فيه في (الشرح) ، والصحيح ما كان يقوله أبو العباس من أن تولي القضاء من جهتهم غير جائز.
قال أبو العباس: لا يجوز قضاء الأعمى. وقال: ويجوز قضاء المحدود في قذف أو خمر أو زنا إذا تاب، على أصل يحيى عليه السلام.
وقال: يجوز للقاضي أن يحكم لولده ولأبيه وأجداده ولزوجته، على أصل يحيى عليه السلام.(1/669)


وقال: ولا يجوز للقاضي أن يولي القضاء غيره، إلا أن يكون الإمام الذي ولاه قد أذن له في ذلك، على أصل يحيى عليه السلام.
قال: فإن استخلف القاضي المأذون له في الإستخلاف من جهة الإمام ثم مات لم يعزل الثاني الذي ولاه.(1/670)


باب ما يجب على القاضي أن يستعمله في قضائه وما يجوز أن يقضي به وما لايجوز
إذا تقاضا إلى القاضي رجلان، فإنه لا يقضي لأحدهما حتى يسمع كلام الآخر، ويفهم معنى كلامهما، ويتثبت في حججهما.
قال أبو العباس: إذا أقام المدعي البينة وعُدِّلت، لم يحكم بها حتى يسأل المدعى عليه عن حجة يدفع بها ما شهدت به البينة، فإن لم يأت بها، أمره بالخروج إلى المدعى من حقه، فإن لم يخرج بعد الإعذار على ما يراه الحاكم مرة بعد أخرى، وطالبه المدعي بحبسه، حبسه.
قال: وينبغي أن يكون للقاضي أصحاب مسألة عن حال الشهود، جامعين للعفاف والعقل والمعرفة، لا يخاف منهم الحيف والشحناء، مؤدين للأمانة، ويحرص على أن لايُعْرَفُوا أنهم أصحاب مسألة، لئلا يُحتال عليهم، ويُعَرِّفهم الحاكم أسماء الشهود وحِلْيَتهم ومن شهدوا له وعليه. ولا بد من أن يقول المزكي إذا زكى الشاهد: إنه مقبول الشهادة عَليَّ ولي، ولا يجوز له أن يخوض مع الخصم في شيء من أمره، أو يشير عليه برأي، إلا أن يأمره بتقوى اللّه والإنصاف لخصمه، ولا يسلم على أحد الخصمين دون الآخر وإن كان صديقاً له.
قال أبو العباس: ولا يلقن الشهود ولا الخصوم حججهم، ويجب عليه أن يسوي بين الخصمين في الجلوس في مجلسه/367/، وفي الإقبال والإصاخة، وينبغي أن يبدأ بالإستماع من أضعفهما، إلا أن يكون الأقوى هو المستعدي، فيبدأ بالإستماع منه، فإن كان أحد الخصمين مسلماً والآخر ذمياً، جاز أن يكون مجلس المسلم أرفع من مجلس الذمي، على أصل يحيى عليه السلام.(1/671)

134 / 168
ع
En
A+
A-