باب استئجار الوكيل واستحقاقه للأجرة
لو أن رجلا استأجر وكيلاً على شيء يعمله ويتصرف فيه عنه، ثم عزله وقد أمضى بعضه استحق الأجرة على القدر الذي عمل.
ولو استأجر رجل وكيلاً على أن يخاصم عنه بأجرة معلومة من غير أن يبين قدر المدة لم يصح ذلك، وإذا عمل الوكيل استحق أجرة المثل، على أصل يحيى عليه السلام، فإن كانت الأجرة صحيحة وتنازعا في مبلغ الأجرة، كانت البينة على الوكيل واليمين على الموكل، على أصل يحيى عليه السلام.(1/652)
باب الكفالة بالبدن
الكفالة بالوجوه جائزة، ومعنى ذلك أن يقول رجل لرجل: تكفلت لك بنفس هذا الرجل الذي تدعي عليه حقاً، فمتى طالبتني برده إليك رددته. وسواء تكفل به كفالة مطلقة أو إلى وقت معلوم في صحة الكفالة، وإذا مات المكفول به بطلت الكفالة، وإذا أقر المكفول به حُبس الكفيل إلى أن يسلمه، فإن تبرع بالمال الذي كان على المكفول به سقط عنه الحبس.
ومن ادعى على غيره حقاً وادعى أن له بينة غُيَّباً كان له أن يطالبه بالكفيل وحكم عليه بإقامته مدة إمكان إحضار البينة.
وإذا تكفل رجل ببدن رجل كفالة مطلقة أو إلى مدة، جاز للمكفول له أن يطالبه بتسليمه إذا لم يكن أراد الكفيل بذكر المدة أنه يسلمه عند انقضائها، على ما دل عليه كلام يحيى عليه السلام.
وإذا تكفل رجل برجل إلى أجل مجهول صحت الكفالة، وبطل الشرط، على أصل/359/ يحيى عليه السلام، فأما ماذكره أحمد بن يحيى في (مسائل الطبريين) من أن من تكفل برجل إلى أجل مجهول، نحو أن تمطر السماء أو تعصف الريح كان ذلك باطلاً. فإن أصول يحيى تقتضي خلافه، فإن كان أراد به أن الشرط يبطل كان ذلك صحيحاً، وإذا أقر المكفول له بأنه لا حق له قِبَل المتكفل به ولا دعوى برئ الكفيل من الكفالة، على أصل يحيى عليه السلام.
ومتى سلم الكفيل المكفول به في المصر الذي كفل له فيه برئ، ولا يعتبر مكان مخصوص فيه، على أصل يحيى عليه السلام.
ومن تكفل بنفس رجل على أن يسلمه إليه بعد شهر، ثم سلمه قبل انقضاء المدة برئ من الكفالة، ولزم المكفول له أن يقبله، على ما خرجه أبو العباس من مقتضى نص يحيى عليه السلام.(1/653)
وإذا سلم المكفول به نفسه إلىالمكفول له برئ الكفيل، إذا قال: سلمت نفسي عنه، على أصل يحيى عليه السلام.
ولو تكفل ثلاثة أنفس ببدن رجل، وتكفل كل واحد منهم للآخرلأجل كفالته، فأيهم سلم المكفول به الأول برئت الجماعة من الكفالة، وللمطالب أن يطالب أيهم شاء بتسليمه، على أصل يحيى عليه السلام.
ولا تصح الكفالة في الحدود. وضمان العبد المأذون له في التجارة جائز (ولكن لا يطالب به إلا إذا عتق)، ولا فرق بين أن يقول الكفيل: تكفلت به أو ضمنته، وكذلك لا فرق بين أن يقول: تكفلت بزيد أو بوجهه أو ببدنه ونفسه أو برقبته أوجسده، على أصل يحيى عليه السلام.(1/654)
باب الكفالة بالمال وضمانه
إذا ضمن رجل لرجل مالاً عن رجل صح ضمانه، وكان صاحب المال بالخيار إن شاء طالب الضامن، وإن شاء طالب المضمون عليه. فأما ما ذكره يحيى في (الفنون) من أن المال يلزم الضامن إذا ضمن ويبرأ منه المكفول عنه وأجراه مجرى الحوالة؛ فإن المأخوذ به عند أصحابنا هو المنصوص عليه في (الأحكام) كما حكيناه. ويصح الضمان وإن لم يكن المضمون عنه قد أذن للضامن فيه.
وإذا ضمن رجل على رجل مالاً بإذنه فاستوفى صاحب المال حقه من الضامن، رجع الضامن على المضمون عنه بما أخذه منه/360/.
قال أبو العباس رضي اللّه عنه: ليس للضامن أن يطالب المضمون عنه بالمال الذي ضمنه عليه قبل أدائه، ولكن له أن يطالبه بتخليصه مما أدخله فيه، وإن ضمنه بغير إذن المضمون عنه فأخذه منه صاحب المال لم يرجع عليه بشيء، فأما قول يحيى عليه السلام في (الأحكام) في أن المضمون عنه إذا علم أن الضامن لم يهب له منه ما أداه عنه وإنما قضاه للعوض، فالواجبُ فيما بينه وبين اللّه تعالى أن يرد عليه عوضه؛ فإنهمحمولٌ على أنه واجب من طريق الدين، لا أنه بحكم الحاكم عليه.(1/655)
فإن أبرأ صاحب المال الضامن برئ ولم يبرأالمضمون عنه، فإن أبرأ المضمون عنه برئ وبرئ الضامن أيضاً. وإن وهب صاحب المال المال للضامن صار حقاً له على المضمون عليه يطالبه، وإن صالح صاحب المال الضامن على بعضه جاز، على قياس قوليحيى عليه السلام، وإذا أخر المطالبة بالمال عن الكفيل لم يكن تأخيراً عن الأصل المضمون عنه، فإن أخَّره عن الأصل كان تأخيراً عن الكفيل، على قياس قول يحيى عليه السلام، وإذا شرط الضامن على صاحب المال براءة المضمون عنه مما ضمنه صح ذلك، وانتقل الحق عنه وكان في معنى الحوالة.
ولو قال رجل لرجل: تكفلت لك ببدن فلان، على أنه إن لم يوفك ما لك عليه من الحق إلى يوم معلوم فهو علي. كان هذا ضماناً صحيحاً ويلزمه المال إذا لم يوفه ما عليه، على أصل يحيى عليه السلام.(1/656)