وبول ما يؤكل لحمه طاهر وكذلك زبله، وكان أبو العباس الحسني يحكي عن القاسم أنَّه كان يخص بالتنجيس ذرق الدَّجاج والبط لشدة نتن ذلك. وقد قال عليه السلام في (مسائل النيروسي) : لا بأس ببول ما يؤكل لحمه إلا أن ينتن ويقذر. والمراد به وبما حكاه عليه السلام التنزيه لا التنجيس على الحقيقة عندي، إلا الجلالةمما يؤكل لحمه، فإن ما يخرج منها إن كان مختلطاً بالعذرة التي أكلتها كان نجساً.
والخيل والبغال والحمير والسباع ذوات الأنياب، سوى الخنزير والكلب، كلها طاهرة.(1/62)


باب المياه
الماء ضربان: قَرَاح ومَشُوب. والمشوب ضربان: مشوب حكماً، ومشوب عيناً.
والمشوب حكماً هو: الماء المستعمل. واعتبر أبو العباس الحسني في ذلكأن يستعمل على وجه القربة، فرضاً أو نفلاً دون التبرد به، وخَرَّجه من كلام يحيى عليه السلام، وذهب إلى أنَّه نجس، وكان يقول: إن كلام يحيى يقتضي نجاسته. وهو غير صحيح عندي، والصحيح أنَّه طاهر، على قياس أصله.
والمشوب عيناً ضربان: ما شابه طاهر، وما شابه نجس. وما شابه طاهر ضربان: أحدهما شابه طاهر يُتَطَهَّر به في حال، أو جاوره طاهر، ولا يصح أن يمازجه كما يمازج المائع. والآخر شابه طاهر لا يُتَطَهَّر به على حال. وما لا يتطهر به على حال؛ إما أن يجاوره، أو يخالطه مخالطة الممازجة.
وما شابهُ نجس ضربان: ما ظهرت النجاسة فيه، وما لم تظهر النجاسة فيه. وهو ضربان: قليلٌ، وكثيٌر.
فالقراح، هو: الطهور الذي يزال به الحدث والنجاسة ، والمشوب حكماً هو: ما ذكرناه، وما شابه طاهر يتطهر به على حال فهو الماء الذي شابه /11/ طين طَيِّب. وما جاوره طاهر ولا يصح أن يمازجه كما يمازج المائع، هو الماء الذي يسقط فيه عود أو قطعة من كافور أو عنبر فيكتسب رائحته. وما شابه طاهر لا يتطهر به على حال وخالطه مخالطة الممازجة، فإما أن يغلبه حتى يصير الماء مستهلكاً فيه كماء الورد وشبهه، أو لا يغلبه، ولكن يغير طعمه أو لونه أو ريحه، كاللبن اليسير أو الزعفران إذا وقعا فيه.
فما كان مشوباً حكماً - وهو الماء المستعمل - فالتَّطَهُّر به لا يجوز، وقد ذكرنا أن الأولى أن لا يكون نجساً.(1/63)


وما شابه طاهر يتطهر به كماء المدودونحوه، أو ما جاوره طاهر ولم يخالطه وإنما اكتسب رائحته، فالتطهر به جائز.
وما شابه طاهر لا يتطهر به على حال وخالطه، فإنه - سواء غلبه حتى صار الماء مستهلكاً فيه، كماء الورد وشبهه، أو لم يغلبه وكان قوام الماء باقياً، ولكنه غَيَّر طعمه أو لونه أو رائحته، كاللبن اليسير إذا خالط الماء فغيره، أو الزعفران - فإنه لا يجوز التطهر به.
وما شابه نجس وظهرت النجاسة فيه، فإنه نجس أيضا، ولا يجوز استعماله قليلاً كان أو كثيراً.
ومالم تظهر فيه النجاسة وهو قليل فإنه نجس أيضا؛ ولا يجوز استعماله، وما كان كثيراً فإنه يجوز استعماله والتطهر به، إذا كان لا يغلب على الظن أن النجاسة مُسْتَعْمَلة باستعماله.
وحد الكثير من الماء هو: ما لا يُسْتَوْعب شرباً وتطهراً في مجرى العادة، والمراد به أن يكون مما لا ينقطع بالاستعمال، إما لتزايد الْجُرِيّ حالاً بعد حال، أو لقوة النَّبع، أو لغزارته في نفسه كالأنهار الجارية والآبار النابعة والماء الذي في البرك العظيمة.
والقليل: ما يمكن استيعابه في مجرى العادة.
وإن تغير الماء بطول المكث من غير أن شابهشيء، فإنه يجوز التطهر به، وقد ذكر ذلك أبو العباس الحسني وخَرَّجه من كلام يحيى، ولا فصل في نجاسة الماء بمخالطة النجس بين وروده على النجاسة أو ورود النجاسة عليه ، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ولا يجوز التطهر بنبيذ التمر، ولا بشيء من الأنبذة. ولا يجوز الوضوء بالماء المغصوب.(1/64)


وسؤر الكلب والخنزير، والمشرك نجس، وسؤر ما لا يؤكل لحمه وما يؤكل لحمه من البهائم والسباع وغيرها من الْحَرَشات طاهر، ويجوز التطهر به /12/، فإن تغير الماء باللعاب لم يجز التطهر به وإن كان طاهراً، وكذلك سؤر الجنب والحائض وعرقهما طاهر لا يَنْجُسُ الماء بذلك.
ويجوز التطهر بماء البحر، والماء المسَخَّن، والماء الْمُرَوَّح، والماء الذي يموت فيه ماليست له نفس سائلة، كالذباب ونحوه.
قال أبو العباس الحسني رحمه اللّه: من كان معه إناءآن؛ أحدهما ماؤه نجس، والأخر ماؤه طاهر، فإنه لا يتحرى فيهما على ما تقتضيه أصولهم، ويعدل إلى التيمم، فإن كان معه ثلاثة أواني، إناءآن طاهران والأخر نجس تَحَرَّى.
ويجوز التطهر بالماء الذي يفضل في الإناء عن الجنب والحائض، إذا لم يتراجع إليه من غُسَالتهما شيء.
قال أبو العباس الحسني: يجوز التطهر بماء الحُمَّة، وعلى هذا يجوز التطهر بماء الكبريت ونحوه.(1/65)


باب الطهارة بالتراب
الطهارة بالتراب، هي: التيمم، وفرضه مشروط ب-: عدم الماء في سَفَر كان أو حَضَر، أو لخشية التَّلف أوالضرر من استعماله، أو مخافة ضرر مجحف من تحصيله إن كان موجوداً، أو تعذر الوصول إليه.
وبالتمكن من الصعيد الطيب، الذي هو التراب النظيف دون غيره.
واستعماله مشروط بتقديم طلب الماء، وانتهاء وقت الصَّلاة التي يَتَيَمم لها إلى آخره. ومن وجده وخشي من التطهر به تلفاً، أو ضرراً دون التلف من مرض أو برد فعليه أن يتيمم. وإن خشي العطش المؤدي إلى التلف والعَنَت إذا تطهر بما معه من الماء أجزأه التيمم. وإن كان الماء في بئر ولم يتمكن منه لتعذر الحبل أو الدلو أجزأه التيمم.
وإن وجده يباع بأكثر من ثمن مثله، وكان إخراجه لا يجحف بحاله، فعليه أن يشتريه، وإن لم يأمن ذلك أجزاه التيمم.
وإن وُهِبَ له الماءُ وجب عليه أن يقبله ويتوضأ به، ولا يجوز له أن يتيمم على موجب قول يحيى عليه السلام .
والسعي في طلب الماء واجب قبل التيمم إلى آخر وقت الصَّلاة، فإن خاف من السعي في طلبه أو المصير إليه - وقد عرف مكانه - أَيَّة مخافة كانت، من عدو أو لص أو سَبُع، أجزأه التيمم في آخر الوقت.(1/66)

13 / 168
ع
En
A+
A-