باب الرجوع عن الشهادة
إذا رجع الشهود عن الشهادة قبل الحكم لم يحكم الحاكم بها، سواء كانت الشهادة في الأموال أو في سائر الحقوق، أو في الجنايات التي يجب فيها القصاص أو الأرش، فإن كان الحاكم قد حكم بشهادتهم؛ فظاهر إطلاق يحيى في (المنتخب) يقتضي أنه ينتقض الحكم إذا رجعوا، ومر في جملة كلامه في (المنتخب) ما يمكن أن يستدل به على أن الحكم لا ينتقض، وقد بينا في (الشرح) ما هو أولى عندنا، وهو المنع من نقض الحكم، فإن كانت الشهادة في القتل، فرجعوا قبل القتل، أو رجع بعضهم لم يلزم الراجع شيء.
وإذا رجع من شهود الزنا واحد بعد الرجم، وادعى الخطأ، لزمه ربع الدية.
وإذا شهد جماعة من الشهود لرجل بحق، فرجع بعضهم وبقي اثنان، وجب تنفيذ الحكم بشهادتهما. وقال في (المنتخب) : ولاينقض الحكم. بناء على ما أطلقه فيه من نقض الحكم برجوعه.
وقال في/353/ (المنتخب) : إذا شهد شاهدان على رجل بالطلاق وحكم الحاكم به، ثم رجعا عن الشهادة بطل الطلاق، فإن كانت المرأة قد تزوجت زوجاً آخر، انفسخ نكاح الثاني ورجعت المرأة إلى زوجها الأول. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: هذا مبني أيضا على إيجابه نقض الحكم برجوع الشهود عن الشهادة، وقد بينا في (الشرح) ما يصح عندنا.(1/642)


وإذا شهد الشاهدان بما يوجب قطع اليد، فحكم الحاكم بذلك، وقطعت اليد، ثم رجعا عن الشهادة، فعليهما دية اليد، فإن رجع أحدهما فعليه نصف دية اليد، هذا إذا ادعيا أنهما شهدا خطأ، فإن اعترفا بالتعمد اقتص منهما، على أصل يحيى عليه السلام، وشهود الزنا إذا رجع أحدهم أو نكلقبل إقامة الحد على المشهود عليه حُدَّ حَدَّ القاذف، ولا سبيل على الباقين، وكذلك إذا شهد ثلاثة منهم ونكل الرابع جلد الذين شهدوا منهم.(1/643)


باب ما يبطل الشهادة وما لا يبطلها
وإذا شهد شهود بما لا يدعيه المشهود له، كانت الشهادة باطلة، هذا إذا كانت الشهادة في حقوق الآدميين المحضة التي لا يشوبها حق لله تعالى.
قال محمدبن يحيى عليهما السلام: إذا شهد شاهدان بأن هذا الرجل هو ابن عم لفلان الميت، وأنه وارثه ولم يعرفا نسبه لم تصح الشهادة.
وإذا شهد شهود على رجل بأنه لا حق له على فلان، أو أن هذا الشيء ليس لفلان، أو نحو ذلك من النفي، كانت هذه الشهادة باطلة، على أصل يحيى عليه السلام.
قال أبو العباس: إن شهد شهود لرجل على إقرار رجل بأنه باع منه عبداً أو داراً ولم يسموا الثمن، ولا ذكروا إقراره بقبض الثمن، كانت الشهادة باطلة، فإن شهدوا على إقراره ببيعها واستيفاء ثمنها، كانت الشهادة صحيحة.
وإذا شهدوا على بيع دار وكانت الدار منسوبة إلى وجه تعرف به، وتكون مشهورة بالإضافة إليه، صحت الشهادة، وإن لم يذكروا حدودها، وإن لم يكن كذلك لم تصح إلا بذكر الحدود، على أصل يحيى عليه السلام.
قال أبو العباس الحسني رحمه اللّه: لو أن المودَّع شهد لرب/354/ الوديعة - وقد ضاعت الوديعة عنده - بأن فلاناً سرقها من حرزه، يعني: حرز نفسه، لم تصح شهادته.
فإذا شهد شاهدان لرجل بدار أنها كانت لفلان، وأنه مات عنها وخلفها ميراثا لفلان، وقالا: لم نشاهد موته، لم تصح هذه الشهادة، إلا أن يكونا قد شهدا على الشهرة بموته، على أصل يحيى عليه السلام.
(ولو شهدا أن هذه الدار كانت لجد فلان، وقد تركها ميراثاً، لم تصح هذه الشهادة حتى يشهدا بأن أباهم مات وتركها ميراثاً، على أصل يحيى عليه السلام).(1/644)


ولو أن رجلا قال: كل شهادة أشهد بها على فلان فهي باطلة، أو ليست عندي بشهادة على فلان، ثم شهد عليه صحت شهادته.
ولو أن رجلاً قال لرجل: لا تشهد علي بما سمعت مني، فسمع منه إقراراً بحق للغير جاز أن يشهد به.
ولو أن رجلاً شهد لرجل أنه اشترى من رجل داراً، ثم ادعى تلك الدار صحت الشهادة والدعوى جميعاً.
وإذا شهد رجلان بأن لهما ولفلان على رجل آخر حقاً، لم تصح هذه الشهادة، وكذلك لو شهدا بأنه أبرأنا وفلاناً من حق له لم تصح أيضاً، على قياس قول يحيى عليه السلام.(1/645)


باب ما تصح فيه الوكالة وما لا تصح، وما ينفذ من فعل الوكيل على الموكل ومالا ينفذ
الوكالة جائزة في كل أمر يصح من الموكل أن يتولاه بنفسه، من خصومة أو بيع أو شراء أو قبض أو نكاح أو طلاق أو كفالة. قال أبو العباس: ولا تصح في الحدود والقصاص، على أصل يحيى عليه السلام.
وتجوز وكالة الذمي للمسلم، والمسلم للذمي، وكذلك الكافر الذي ليس بذمي، إلا في النكاح، وتجوز وكالة الفاسق ووكالة المرأة إلا في النكاح، على أصل يحيى عليه السلام.
ويجوز التوكيل من غير إذن الخصم، على أصل يحيى عليه السلام، وتجوز وكالة الحاضر، وإن لم يحضر الموكل بنفسه، على أصل يحيى عليه السلام.
وإذا اشترى رجل من رجل شيئاً جاز أن يوكل البائع ليقبض الْمُشْتَرى من نفسه له وقَبْضُه له - إن كان مكيلاً أو موزوناً - أن يكيله أو يزنه ويعزله للمشتري، وإن لم يكن مكيلاً ولا موزوناً /355/، فقبضه له أن يعزله، وإن كان المبيع مما لا ينقل ولا يحول كالأرضين والدور والعقار، فقبض ذلك بأن يتصرف فيه عن المشتري ضرباً من التصرف، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ويجوز أن توكل المرأة رجلاً بأن يزوجها من نفسه أو من غيره.
وليس للوكيل أن يوكل إلا أن يكون الموكل له قد أذن له في ذلك. قال أبو العباس: فإن فوض إلى الوكيل أن يعمل برأيه جاز أن يوكِّل، على أصل يحيى عليه السلام، ولا يجوز للوكيل أن يشتري لنفسه ما وكل ببيعه، ولا يجوز التوكيل بذلك، على أصل يحيى عليه السلام.(1/646)

129 / 168
ع
En
A+
A-