باب ذكر من تجوز شهادته ومن لا تجوز
تجوز شهادة المسلمين على أهل الذمة، وتجوز شهادة العبيد إذا كانوا عدولاً. قال القاسم عليه السلام - فيما حكاه عنه أبو العباس -: تجوز شهادته لغير مولاه.
وتجوز شهادة الابن لأبيه، والأب لابنه، والأخ لأخيه، وكل ذي رحم لرحمه، إذا كانوا عدولاً.
وتجوز شهادة الزوج لزوجته. وإذا شهد البالغ بما أشهد عليه قبل بلوغه جازت شهادته. وكذلك الكافر إذا شهد بما عَرَفَ قبل إسلامه جازت شهادته.
وتقبل شهادة القاذف إذا تاب، نص عليه القاسم عليه السلام.
ولا تجوز شهادة من ليس ببالغ، وأما ما ذكره يحيى في (الأحكام) من أن شهادة الصبيان بعضهم على بعض - فيما يكون بينهم من الجراح والشجاج - جائزة، مالم يفترقوا. فإن أبا العباس كان يحمله على أن المراد به الرجوع إلى قولهم في التأديب والإفزاع لافيإمضاء الحكم بقولهم، أو أن يكون المراد به في أول أوان بلوغهم، ومن أصحابنا من حمله على ظاهره، وهو غير صحيح عندنا، والصحيح ما حكيناه عن أبي العباس.
(ولا تجوز شهادة الفاسق).
ولا تجوز شهادة الشريك لشريكه فيما هو شريك فيه، فإن شهد لشريكه في شيء لا يتعلق به جازت شهادته.
ولا تجوز شهادة الجَارّ إلى نفسه. قال أبو العباس رحمه اللّه: لا تقبل شهادة الخصم على خصمه، وعلى هذا المعنى حملت شهادة ذي الظِّنَّة، وحملت أيضاً على من يكثر منه السهو والغفلة. قال: فمن عرف بهذا الحال لا تقبل شهادته.(1/637)
ولا تجوز شهادة الذميين على المسلمين. ولا تجوز شهادة اليهود على النصارى، ولا شهادة النصارى على اليهود، لاختلاف مللهم/350/. وشهادة اليهود على اليهود جائزة، وكذلك شهادة النصارى على النصارى جائزة.
قال محمد بن يحيى عليه السلام: تجوز شهادة الأعمى فيما أثبته قبل ذهاب بصره، فيما يؤدى باللسان، وما لايؤدى إلابالبصر لا تجوز شهادته فيه، وإليه ذهب أبو العباس. وتجوز شهادة امرأة واحدة فيما لا يجوز أن ينظر إليه الرجال، من نحو الولادة وأمراض الفروج.
قال أبو العباس: لا يقبل في الرضاع إلا شهادة رجلين، أو رجل وامرأتين، وتأول ما قاله يحيى: إن امرأة لو قالت لرجل: إنها أرضعته وزوجتَه، لرأينا له أن يخلي سبيلها مخافة أن يكون الأمر كما ذكرت، والإحتياط فيه أولى، على أنه قال ذلك على سبيل الاستحباب، لا على وجه الإيجاب. وتجوز شهادة النساء مع الرجال، في الأموال وسائر الحقوق، كالنكاح وغيره، ولا تجوز في الحدود والقصاص.
قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه: من ترك الإختتان خوفاً على نفسه جازت شهادته.
وتجوز شهاده الوصي للميت وعلى الميت، على أصل يحيى عليه السلام.
وتجوز شهادة ولد الزنا، على أصل يحيى عليه السلام.(1/638)
باب الشهادة على الشهادة
الشهادة على الشهادة جائزة في الحقوق والأموال، ولا تجوز في الحدود ولا في الرجم، وقول يحيى في (الأحكام) -: أكره الشهادة على الشهادة في الحدود والقطع، ولا تجوز في الرجم - ليس المراد به عند أصحابنا أنها جائزة في الحدود مع الكراهة، وإنما أكد بطلانها في الرجم بقوله: ولا تجوز في الرجم، دلالة على تغليظ أمر الرجم، ولا تقبل في القصاص، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ولا يجوز في الشهادة على الشهادة أن يشهد رجلان على شهادة رجلين، بأن يشهد أحدهما على أحد الشاهدين والثاني على الشاهد الآخر، فإن شهدا جميعاً على كل واحد منهما جازت الشهادة، (فإذا شهد كافران على شهادة مسلمين بحق على كافر لكافر لم تصح شهادتهما على أصل يحيى عليه السلام).
وتجوز شهادة رجل وامرأتين على شهادة رجلين، ويجوز أيضا أن يشهد رجلان على شهادة رجل وامرأتين، على أصل يحيى عليه السلام، ولا تجوز الشهادة على الشهادة إلا إذا كان المشهود/351/ على شهادته ميتاً أو غائباً أو عليلاً أو خائفاً، ولا يمكنه حضور مجلس الحكم.(1/639)
باب اختلاف الشهادات
وإذا شهد رجلان على إقرار رجل بحق لغيره عليه، واختلفا في الموضع الذي وقع الإقرار فيه من المشهود عليه، جازت الشهادة. وإن اختلف شهود الزنا في الموضع الذي وقع فيه كانت الشهادة باطلة. وإن شهد أحد الشاهدين على إقرار رجل أنه أقر لرجل بألف درهم، وشهد الآخر عليه أنه أقر بخمسمائة درهم كانت الشهادة باطلة، وكذلك لو شهد أحدهما على رجل بأنه طلق امرأته ثلاثاً، وشهد الآخر بأنه طلقها تطليقتين كانت الشهادة باطلة.
قال أبو العباس: فإن شهد أحدهما بألف وخمسمائة، وشهد الآخر بألف درهم، ثبت الألف بشهادتهما، إذا كان المدعي قد ادعى ألفاً وخمسمائة.
وإذا شهد رجلان على رجل بمال لآخر، ثم شهد أحدهما بأنه قد قضاه ذلك المال، كان المال ثابتاً حتى يشهد معه غيره على أنه قد قضاه، فإن شهد معه آخر جازت شهادتهما.
وإذا ادعى رجل على رجل عشرين ديناراً، وأتى بشاهدين يشهدان على إقراره بعشرة دنانير، (وبشاهدين آخرين يشهدان على إقراره بعشرة دنانير) في مكان غير المكان الذي أقر فيه أولاً، ثبت للمدعي عشرون ديناراً، هكذا في رواية (المنتخب) . وقال في (الفنون) : يكون ذلك مالاً واحداً، إلا أن يقيم المدعي البينة أن كل واحد منهما غير الآخر. فإن تضمن الإقرار إضافة كل واحدة من العشرة إلى جهة غير الجهة التي تضاف إليها الأخرى، نحو أن يقول: له عَلَىَّ عشرة في قرض، ثم يقول: له عشرة عن ثمن سلعة. فهما مالان قولاً واحداً، وقد قال في (الفنون): إذا قال له علي عشرة (عن قرض)، وقال بعد ذلك له علي خمسة عشر. أنه يكون خمسة وعشرين.(1/640)
وقال أبو العباس: إذا أشهد المقر بالمال المشهود عليه في صكين كان المقر به مالين، على أصل يحيى عليه السلام.
قال أبو العباس: ولو ادعى البائع على المشتري أنه اشترى منه هذه الدار بألف وخمسمائة، وأقام شاهداً على أنه اشتراها بألف وخمسمائة، وشهد آخر على أنه اشترى بألف، لم تصح هذه الشهادة. وكذلك/352/ في النكاح إذا ادعى أحد الزوجين أن النكاح وقع على مائة وخمسين، وأقام شاهداً على مائة وخمسين، وشاهداً آخر على مائة، لم تصح هذه الشهادة.
وكذلك إن شهد أحد الشاهدين أنه اشترى هذه الدار من فلان بكذا، وشهد الآخر أنه وهبها منه، أو شهد أحدهما بشيء أنه له عن إرث، وشهد الآخر بأنه له عن وصية، أوشهد أحدهما بأنه اشتراها بالدنانير، وشهد الآخر أنه اشتراها بالدراهم، لم تصح هذه الشهادة، على أصل يحيى عليه السلام.
قال أبو العباس - في رجلين ادعيا داراً في يد رجل، وأقاما جميعاً البينة على أن المدعي اشتراها بألف -؛ إن تضمنت شهادة أحد البينتين وقتاً للشراء قبل الوقت الذي تضمنته البينة الأخرى، حكم بالبينة التي تضمنت الوقت المتقدم، وإن لم تتضمن واحدة منهما الوقت، كانت الدار بينهما نصفين، وإن تضمنت أحدهما التأقيت ولم تتضمن الأخرى وقتاً بتة، حكم بالبينة التي تضمنت التأقيت.
قال أحمد بن يحيى رضي اللّه عنه - في رجلين بينهما قطعة أرض، فغصبها غاصب، فشهد أحد الشريكين لشريكه الآخر -: على الغاصب ولم يدع حقه جازت شهادته، وكذلك لو شهد شريكه الآخر بعد أخذ حقه لشريكه جازت شهادته.(1/641)