باب ما يُحمل عليه لفظ المقر إذا لم يكن صريحاً وما يتصل بذلك
/346/إذا قال رجل: لفلان علي مال كثير أوعظيم، لزمه مائتا درهم أو عشرون ديناراً، على ما خرجه أبو العباس من نص يحيى عليه السلام.
قال أبو العباس: فإن قال: عنيت به خمساً من الإبل، أو أربعين شاة، لم يقبل منه، فإن قال: عندي له مال عظيم أو كثير، ثم فسره بالحيوان قُبِل. فإن قال: له علي دراهم، لزمه ثلاثة دراهم، على أصل يحيى عليه السلام.
قال أبو العباس: فإن قال: علي لفلان دراهم كثيرة لا يبعد أن يكون ما يلزمه به عشرة دراهم.
قال رحمه اللّه: إن قال: لفلانعليه كذا، كان عليه ما يفسره، فإن قال له: علي مال أو شيء، فهو على ما تقوم به البينة، فإن لم تقم البينة فعلى ما يفسره مع يمينه.
قال رحمه اللّه: فإن قال: علي كذا درهما أو كذا وكذا درهماً، ثبت أن المقر به من جنس الدراهم، فإن قال: كذا ديناراً ثبت أن المقر به من جنس الدنانير، أو كذا وكذا ديناراً لم يُرجع في الكمية إلى قوله، ولا يُصدق فيما دون درهم واحدولا فيما دون دينار واحد.
قال: ولو قال: لفلان علي عشرة دراهم، إلا عشرة دراهم لزمته عشرة دراهم، على أصل يحيى عليه السلام. فإن قال: عشرة إلا تسعة لزمه درهم، فإن قال عشرة إلا تسعة إلا سبعة لزمته ثمانية، فإن قال: لفلان علي مائة إلا دينارا كانت المائة المقر بها دنانير.(1/632)
قال: فإن قال: علي مائة دينار، كانت المائة دنانير، ولو قال: مائة وثوب أو مائة وثوبان، لزمه ثوب أو ثوبان وفي تفسير المائة يرجع إلى قوله، فإن قال مائة وثلاثة أثواب، كان الجميع ثياباً، فإن قال مائة وعبد أو عبيد رجع في المائة إلى تفسيره.
ولو أن رجلا كان له ثلاثة عبيد وثلاثة بنين، فقال: أحدهم ابني. فإن الثلاثة يضربون في مال الميت بنصيب ابن واحد لأن الشبهة دخلت فيهم كلهم، فكأنهم كلهم قد صاروا ابناً واحداً ولكل واحد منهم هذا السهم بينهم، وعلى كل واحد منهم ثلثا قيمته، يدفعه إلى ورثة الميت، كأن الميت مات وترك ثلاثة بنين، وهؤلاء الثلاثة الذين قال: إن أحدهم ابني وخلف أربعمائة دينار، فللبنين الثلاثة ثلثمائة دينار، ولهؤلاء الثلاثة مائة دينار، لكل واحد منهم ثلاثة وثلاثون ديناراً /347/ وثلث دينار، وقيمة الثلاثة تسعون ديناراً، فلكل واحد منهم قيمته ثلاثون ديناراً، وعلى كل واحد منهم ثلثا قيمته عشرون ديناراً، والباقي له وهو ثلاثة عشر ديناراً وثلث دينار، فإن مات أحد هؤلاء كان للاثنين الباقيين ثلث ربع ماله، فإن مات أحد هذين الاثنين وخلف ابنته وهذا الذي دخل معهم في الشبهة وبني الميت كان لابنته النصف، وللذي دخل معهمفي الشبهة ربع الربع الذي أصاب البنين والباقي لبني الميت.(1/633)
باب وجوب الشهادة وتأديتها، وذكر الدخول فيها، وحظر المضارة بعد تحملها وذكر ما يفتقر إليها من العقود وما لا يفتقر، وبيان أنواعها
واجب على الشهود أن يشهدوا بالحق الذي علموا، إذا طلب منهم إقامة الشهادة ويُمَكَّنوا من أدائها.
قال أبو العباس: المضارة التي نهى اللّه عنها الكاتب والشاهد، هي: تعمد الإضرار بأحد المتبايعين، فيما يكتبه الكاتب أو يشهد به الشاهد بتحريفٍ، وتغيير الشهادة عن وجوههاإضرار بأحدهما.
والإشهاد على البيع مستحب (للإحتياط، وليس بواجب عند يحيى عليه السلام).
وقال القاسم في البيوع الفاسدة: لا تَدخل في الشهادة عليها.
والشهادات أربعة أنواع:
[1] شهادة على الأموال وسائر الحقوق، من نكاح أو طلاق أو نسب أو غيرها، ولا بد فيها من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، أو شاهد واحدمع يمين المدعي.
[2] وشهادة على ما يوجب الحد لا عن زنا، كالقذف وشرب الخمر، وعلى ما يوجب القصاص في النفس وما دونها، ولا بد فيها من شهادة رجلين، ولا تجوز شهادة النساء مع الرجال أو وحدهن.
[3] وشهادة على الزنا، فلا بد فيها من شهادة أربعة من الرجال.
[4] وشهادة على ما لا يجوز للرجال الإطلاع عليه من النساء، مثل استهلال المولود، وأمراض الفروج ونحوها، وتجوز فيها شهادة امرأة واحدة.
والشهادة على الرضاع، لا بد فيها من رجلين أو رجل وامرأتين.(1/634)
وطرق الشهادة: (المعاينة)، نحو أن يشاهد رجل/348/ رجلاً يقرض غيره مالاً، أو يشاهد منه ما يوجب الحد أو القصاص. أو يسمع منه إقراراً. (والاشتهار)، كاشتهار النكاح والنسب والموت، على ما خرجه أبو العباس من كلام يحيى عليه السلام.
ولا يجوز أن يشهد بشيء يرى ذكره مكتوباً بخطه من غير أن يذكر ذلك ويتيقنه، فإن شهد به كانت الشهادة باطلة.
وإذا رأى الإنسان خطاً لغيره يتضمن الإقرار بحق من الحقوق لإنسان، فإنه لا يجوز أن يشهد عليه بذلك، فإن شهد كانت الشهادة باطلة، ولا يجوز للحاكم أن يحكم بالخط.
ولا يجوز للرجل أن يشهد على المرأة بصوتها، حتى يعرفها معرفة صحيحة بوجهها. وما ذكره يحيى عليه السلام في (المنتخب) من أن من شهد على امرأة بوجهها أو صوتها جازت شهادته، فإنه محمول على التقدير، كأنه قال: إن كان يحصل له العلم بها عند استماعصوتها جاز له أن يشهد عليها، فإذا عَرَّف الشاهدين رجلان من أهل العدالة امرأةً أنها فلانة ابنة فلان، جاز لهما أن يشهدا عليها.(1/635)
باب اعتبار عدالة الشهود، ووجوب المسألة عنها، والإستظهار عليهم، وما يجب أن يعتبر من اللفظ بالشهادة
السؤال عن عدالة الشهود واجب على الحاكم، إذا أراد أن يحكم بشهادتهم، على ما خرجه أبو العباس من كلام يحيى عليه السلام.
وإذا رأى الحاكم تحليف الشهود احتياطاً لأحوال عارضة من تهمة وغيرها، وجب استعمال الإحتياط في شهادتهم، وجاز أن يحلفهم، وكذلك إذا رأى تفريقهم عند إقامة الشهادة على وجه الإحتياط، جاز أن يفعل ذلك، فإن اختلفوا في الشهادة بطلت شهادتهم.
قال أبو العباس: الشهادة هي: أن يأتي الشاهدان بلفظهما، فيقولان: نشهد أن فلاناً أقر بكذا. قال: فإن قالا - عند الحاكم -: أقر عندنا بأن لفلان عليه كذا. لم تكن شهادة، فإن شهدا بثبوت الحق عليه لا على وجه الإقرار، فلا بد من أن يقولا: نشهد أن لفلان عليه كذا.
قال رحمه اللّه: ولا بد في الشهادة على الشهادة من أن يقول الشاهدان /349/: نشهد أن فلاناً أشهدنا على شهادته أنه يشهد بكذا وكذا. قال: ويذكران أنه عدل جائز الشهادة، فإن لم يذكرا ذلك فيَقْرُب - على أصل يحيى عليه السلام - أن تكون الشهادة صحيحة ويسأل الحاكم عن عدالته. فإن قال شاهد الفرع: نشهد أن فلاناً قال: أشهد أني أشهد على إقرار فلان بكذا وكذا، لم تصح هذه الشهادة، حتى يقولا نشهد أن فلاناً أشهدنا على شهادته أنه يشهد على إقرار فلان بكذا، وقال لنا: اشهدا على شهادتي، على ما ذكره أبو العباس رحمه اللّه.(1/636)