ولو أن رجلاً مات وادعت زوجته على ورثته صداقاً حكم لها به إلى مهر مثلها، إلا أن يأتي الورثة بالبينة على برائتها من صداقها، ولهم عليها اليمين أنها لم تبرئ منه بوجه من الوجوه، ولا تستحق المهر إلا بعد هذه اليمين إذا طلبوها. فإن ادعت المرأة قدر مهر المثل أو أكثر أو أقل قبل الدخول وأنه ثابت بالتسمية من الزوج، فعليها البينة وعلى الورثة إذا أنكروا اليمين على العلم. وإن ادعت المرأة بعد الدخول أكثر من مهر مثلها، فعليها البينة فيما زاد على مهر المثل، وعلى الورثة اليمين على علمهم، على أصل يحيى عليه السلام، ولا فرق بين أن تكون المرأة قد طالبت بصداقها في حال حياة زوجها أو لم تطالب به فيما يجب لها. فإن مات الزوجان فادعى ورثة الزوجة على ورثة الزوج صداقها، فعلى ورثة الزوجة البينة، فإن أقاموها حكم لهم به، وإن لم يكن لهم بينة استحلف ورثة الزوج على علمهم ولم يحكم عليهم بشيء، وكذلك القول إن ادعي عليهم بسائر الديون غير المهر.
وإن اختلف الزوج والزوجة في قدر نصف المهر بعد الطلاق قبل الدخول، فالقول قول الزوج، على قياس قول يحيى عليه السلام.
وإن ادعى رجل على ميت ديناً فشهد له بما ادعاه من جملة الورثة رجلان أو رجل وامرأتان، ثبت له ما ادعاه ويحكم له به، فإن شهد له من الورثة/335/ رجل واحد أو امرأة واحدة أو امرأتان، وجب على من شهد منهم فأقر له بحقه أن يخرج من حصته من الإرث إلى المدعي القدر الذي يخصه ويلزمه إخراجه من نصيبه، كما لو ثبت الحق على الجميع.(1/612)


ولو ادعى رجل على رجل شيئاً في يده أنه كان لأبيه وتركه إرثاً فعليه البينة، فإن أقامها استحق ذلك، وكان للمدعى عليه أن يستحلف المدعي مع بينته، وإن شهد الشهود بأنه كان لأبيه إلى أن مات، صحت الشهادة، وإن لم يقولوا: وتركه إرثاً. فإن شهدوا بأنه كان ملكا لأبيه ولم يقولوا: إلى أن مات. لم تصح الشهادة، ولم يحكم بها، على أصل يحيى عليه السلام.
فإن أقام الذي في يده الشيء البينة بأنه ملكه من جهة أبيه وانتقل منه إليه، قُبِلَت بينته، وبطلت دعوى الابن.
ولو أن رجلاً جاء إلى رجل برسالة آخر وأخذ منه مالاً، ثم وقع التجاحد كان الحكم بين الدافع والمدفوع إليه، وهو الرسول، فعلى الدافع البينة وعلى المدفوع إليه اليمين، ثم يكون الحكم بين الرسول وبين المرسِل له، على الرسول البينة وعلى المرسل إليهاليمين.
ولو أن رجلاً اشترى من رجل شيئاً فقال البائع: بعته منك بعشرين درهماً. وقال المشتري: اشتريته منك بعشرة دراهم. فالبينة على البائع واليمين على المشتري.
ولو أن رجلاً اشترى من رجل شيئاً بدينار وقبضه البائع ومضى، ثم جاء وأراد ردّ الدينار عليه بالعيب، وأنكر المشتري أن يكون الدينار هو ديناره الذي دفعه إليه، كانت البينة على البائع، واليمين على المشتري، وكذلك المعير إن أنكر ما رده المستعير، وأنه ليس هو الذي أعاره، فالبينة على المستعير واليمين على المعير، وكذلك المودَّع إذا ادعى أن صاحب الوديعة قد أمره ببيعها وأنكر ذلك المودِّع كانت البينة على المودَّع واليمين على المودِّع.(1/613)


والمشتري إذا أراد رد السلعة على البائع بالعيب فأنكرها البائع، فالبينة على المشتري واليمين على البائع.
ولو أن رجلاً اشترى من رجل مكيلاً أو موزونا أو غير ذلك، فحين قبضه ادعى البائع أنه أعطاه أكثر مما أقر المشتري بقبضه، كانت البينة على البائع واليمين على المشتري.
ولو أن رجلاً كان له عند رجل مال فتلف، فادعى مَنْ عنده المال أنه كان مضاربة، وادعى رب المال أنه كان سلفاً، كانت البينة على من ادعى أن المال كان مضاربة، وعلى/336/ رب المال اليمين. ولو ادعى من كان عنده المال أن المال كان وديعة عنده، كان القول قوله مع يمينه، على أصل يحيى عليه السلام.
ولو أن رجلاً كانت في يده دار فادعاها رجل آخر، فقال مَنْ الدار في يده: ليست هي لي ملك وإنما هي ملك فلان الغائب وقد وكلني بعمارتها أو أعارني أو اسكنني أو أكراني. طولب بالبينة على ذلك، فإن أقام البينة على ما ادعاه لم يكن للرجل الذي يدعي الدار عليه دعوى، وإنما تكون الخصومة بينه وبين الغائب، وإذا أقام البينة أُخْرِج من الدار وأمر بتخليتها، وتوقف إلى أن يحضر الغائب أو يوكل وكيلاً.
قال أبو العباس رحمه اللّه: إذا ادعى رجل على رجل جارية أو دابة لها صفة مخصوصة، ووصفها بتلك الصفة وله بينة على جميع ذلك، وسأل الحاكم أن يأمره بإحضارها ليقيم البينة في وجهها، فعلى الحاكم أن يأمره بذلك، على أصل يحيى عليه السلام. وإن لم تكن له بينة وإنما كان يطلب يمينه لم يكن له أن يأمره بإحضارها.(1/614)


قال يحيى في (الفنون) : لو ادعى رجل على رجل ثوباً أو جملاً أنه له في يده فأنكره، فشهد الشهود له على إقراره بأن له في يده ذلك ولم يحلياهحكم عليه بالمقر به حتى يأتي به أو يخرج منه، فإن قال قد كان له ذلك عندي لكنه مات، لم يلتفت إليه بعد جحوده، فإن جاء ببينة كشف الحاكم عن السبب الذي به صار في يده، فيحكم بما يصح. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: هذه المسئلة لها تفصيل قد بيناه في (الشرح) .
وإذا ادعى رجل على رجل شيئاً، وقال للحاكم: شهد لي به فلان. فقال المدعى عليه: إن شهد فلان وحده فهو صادق وقد رضيت به فشهد عليه الرجل بما ادعاه المدعي، لم يثبت له به شيء ولم يجز أن يحكم به، فأما قول يحيى عليه السلام في (الفنون) : إن قال له الحاكم: هل أحكم عليك إن شهد به فلان؟ فقال: نعم. فإن الحاكم يحكم به إذا شهد. فإن أبا العباس الحسني كان يحمله على أن هذا القول من المدَّعَى عليه توكيلٌ لذلك الشاهد بالإقرار عليه، فحكم به عليه من حيث الإقرار لا من طريق الشهادة.
قال يحيى في (الفنون) : لو أن رجلاً ادعى على رجل ألف درهم، فقال المدعى عليه: هو له علي وعلى فلان كان مأخوذ بالألف كله، إلا أن/337/ يقر الآخر به أو يثبت ذلك بالبينة.(1/615)


باب ذكر الدعاوى الفاسدة التي لا يصح سماعها
قال أبو العباس رحمه اللّه فيمن ادعى على غيره حيواناً أو عرضاً من العروض - أنه في يده له، وهو قائم بعينه ولم يحْلِه ولم يصفه بصفة - لم تسمع دعواه حتى يحليه ويصفه، فإن كانت له بينة أمر الحاكم المدعى عليه بإحضاره لتقع الشهادة على عينه، وإن لم تكن له بينة وأراد المدعي أن يحلف المدعى عليه لم يلزمه إحضاره، وإن كان ما يدعيه مُسْتَهلكاً سمع دعواه إذا قومه.
ولو أن رجلاً ادعى على رجل داراً في يده أنها له ابتاعها من أبيه لم تسمع دعواه، حتى يقول باعها مني وهو مالك لها، ولا تسمع بينته إذا لم يشهدواعلى هذا.
قال أبو العباس: من ادعى الإنظار في قرض لم تسمع دعواه، وقد ذكر في مواضع أخر ما يقتضي خلافه على ما بيناه في (الشرح) .
قال: ولو أن رجلاً ادعى على رجل داراً فقال: اشتريتها من مالكها. ولم يقل: هي لي، لم تصح دعواه. ولو قال هي لي اشتريتها من مالكها كانت دعواه صحيحة، وإن لم يقل: أطالبه بالرد أو يحتاج إلى أن يردها علي، إلا أن الحاكم لا يأمر بالرد إلا إذا طالب به.(1/616)

123 / 168
ع
En
A+
A-