باب حكم الضوال وما يتصل بذلك
ينبغي لإمام المسلمينأن يتخذ مِرْبَداًلضوال المسلمين، فكل من وجد ضالة وأخذها صيرها إليه، وتُعلَف من بيت مال المسلمين. قال أبو العباس رحمه اللّه: فإذا جاء صاحبها، فإن رأى الإمام أن يُضَمِّنه ما أنفق عليها لبيت المال فعل، وإن رأى أن يحتسب عليه من حقه في بيت المال فعل هذا إن كان غنياً، وإن كان فقيراً تحرى منه ما يعطى الفقراء لفقرهم.
والضوال لا يجب أخذها والتقاطها، وإذا ظفر الإنسان بها فإن شاء أخذها، وإن شاء تركها، على مقتضى كلام يحيى عليه السلام، ويحتمل في بعضها أن يكون أخذُها أولى من تركها، على ما أومى إليه أبو العباس رحمه اللّه.
قال أبو العباس الحسني رحمه اللّه: ومدة التعريف سنة في الأسواق، ومجالس الناس، وأبواب المساجد. قال: ويمكن أن يكون التوقيت سنة لاجتماع أكثر الناس فيها أوقات الحج بمكة، فإن أشاد بذكرها هناك إما بنفسه أو على لسان من ينفذ إليه كان أجدر أن يظفر بصاحبها، فكانت السنة أبلغ مدة التعريف لهذا المعنى، والله أعلم.
ومن ادعى ضالة وأقام البينة على ذلك دفعت إليه، وإذا جاء صاحبها ضمن لمن هي في يده ما أنفقه عليها.(1/582)
باب ضمان اللقطة والضالة
من أخذ ضالة من الضوال والتقط لُقَطَة فتلفت عنده من غير جناية منه لم يضمنها، سواء أشهد عند الأخذ أو لم يشهد، فإن تلفت بجناية منه ضمنها، وإن تلفت بجناية من غيره ضمنها الغير/320/، وكان غُرمها عنده بمنزلتها.
ومن أخذ ضالة أو التقط لقطة كانت أمانة في يده، لا يجوز له تملكها، ولا استهلاكها، ولا أكلها.
ومن أخذ ضالة أو لقطة ثم ردها إلى مكانها ضمنها، على مقتضى نص يحيى عليه السلام.
ومن أخذ ضالة أو لقطة لنفسه لا ليردها على صاحبها فتلفت من غير جناية ضمنها، على أصل يحيى عليه السلام.
قال أبو العباس: فإن التقط لقيطاً فمات، ثم تبين أنه كان مملوكاً لم يضمن.(1/583)
باب اللقيط واللقيطة
اللقيط واللقيطة حران لا سبيل لملتقطهما عليهما ببيع ولا هبة، ولا يجوز للملتقط وطئ اللقيطة فإن وطئها جاهلاً بالتحريم لزمه مهرها ولا حد عليه، وله أن يتزوجها بنكاح جديد. قال أبو العباس: إلا أن يوجد اللقيط في دار الحرب فيكون عبداً، فإن باع الملتقط لقيطاً أو لقيطة حكم للمشتري برد الثمن على البائع، وإن كان المشتري وطئ اللقيطة حكم عليه بمهرهاولا حد عليه إن كان وطئها جاهلاً بالتحريم.
وما أنفقه الملتقط عليهما من نفقة فهو متبرع به لا يرجع عليهما بذلك.
وإذا ادعى اللقيطَ رجلان كل واحد منهما [ادعى] أنه ابنه كان ابناً لهما جميعاً، فإن كان أحدهما مسلماً والآخر ذمياً كان ابناً للمسلم دون الذمي، وإن كان أحدهما حراً والآخر عبداً كان ابناً للحر دون العبد، على أصل يحيى عليه السلام.(1/584)
باب أنواع الصِّيد وما يقع به الاصطياد
الصيد نوعان: صيد البر، وصيد البحر. فأما صيد البر فإنه مباح للحلال ومحرم على المحرم، إلا صيد الحرمين - مكة والمدينة - فإنه محرم على كل أحد، فأما صيد البحر فإنه مباح للحلال والمحرم.
والليل والنهار سواء في إباحة الإصطياد، إلا الطيور في أوكارها، فإن اصطيادها من مأمنها منهي عنه، فأما صيد الماء فلا بأس به ليلاً ونهاراً، على أصل يحيى عليه السلام.
وما به يُصطاد الصيد إما أن يكون حيوانا، وإما أن يكون من آلات الرمي. والحيوان هي الجوارح /321/، والجوارح إما أن تكون من ذوات الأنياب، أو تكون من ذوات المخالب. وما يكون من آلات الرمي إما أن يكون سهماً أو ما في حكمه، وإما أن يكون من غير جنسه كالخشب المحددة ونحوها.(1/585)
باب صيد الجوارح
الجوارح التي هي ذوات الأنياب، إذا كانت مُعَلَّمة جاز أكل ما اصطادته وإن قتلته، إذا كان المرسل لها مسلماً وسمى حين أرسلها كلباً أو فهداً، إذا كان الفهد قد قَبِلَ التعليم كما يقبله الكلب، وجوارح الطير - وهي ذوات المخاليب - إذا اصطادت فأدرك صاحبها الصيد وهو حي فذكَّاه جاز أكله، وما قتلهحرم أكله.
وإذا أرسل المسلم كلبه على صيد وسمى حين أرسله، فأخذ الكلب الصيد فقتله قبل أن يلحقه صاحبه جاز أكله، وكذلك القول في الفهد إن كان مثل الكلب في ائتماره وإقباله وإدباره في حال جوعه وشبعه. وإذا أرسل كلبه المعلم وسمى فأخذ الكلب الصيد وأكل منه جاز أكله.
قال القاسم عليه السلام: ومن أخذ الصيد من كلبه وبه رمق فليذكه، فإن لم يدركه لم يجز أكله.
فإن أرسل كلباً غير معلم فأخذه الكلب وانتزعه منه صاحبه قبل أن يقتله جاز الإنتفاع به، ويجوز أن يذكيه فيأكله، وإذا لحقه وقد قتله لم يحل أكله وكان حكمه حكم الميتة.
وإذا اشترك كلبان معلمان أو كلاب معلَّمة في قتل صيد حل أكله، إذا كان كل واحد منهما مُرْسَلاً، وإن كان أحد الكلبين معلماً والآخر غير معلم، أو كانت كلاب بعضها معلم وبعضها غير معلم فقتلته، لم يحل أكله. وكذلك إن كان أحدهما قد أرسله مسلم وعارضه كلب قد أرسله مجوسي، فاشتركا في قتله. فإن أرسل كلباً معلَّماً وعارضه كلب غير معلم فأمسكه حتى قتله المعلم لم يحل أكله.(1/586)