ومن حلف أن لا يهب لفلان شيئاً ولا يتصدق عليه ولا يعيره ولا يقرضه، فوهب له أو تصدق عليه أو أعاره أو أقرضه، ولم يقبل الموهوب له أو المتصدق عليه أو المعار أو المقرض، حَنِث في ذلك كله. ومن حلف أن لا يبيع فأمر غيره ببيع لم يحنث، إلا أن يكون ممن لايتولى البيع بنفسه. ومن حلف أن لا يتزوج فأمر غيره فقبل النكاح، أو حلف ألا يطلق امرأته ولا يعتق عبده فأمر غيره فطلق عنه أو أعتق حَنِث.
قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: وعلى هذا إن حلف أن لا يهب، فأمر غيره بأن يهب حَنِث، وإن حلف أن لايقطع ثوبه، فأمر غيره بقطعه حَنِث، إلا أن يكون خياطاً. وكذلك إن حلف أن لا يبني أو لا يهدم حَنِث، إذا أمر غيره بذلك.
ومن أكره على يمين فحلف على الإكراه، لم يلزمه الحِنْث، إلا أن يكون ظالما في يمينه، نحو أن يجحد حقاً أو جناية ويحلف على ذلك فيحلف ظالماً فإنه يحنث، ولو أن صبياً حلف في صغره ثم حَنِث في كبره لم تلزمه الكفَّارة، سواء حَنِث في صغره أو كِبَره، وكذلك إن حلف بالطلاق أوالعتاق في حال صغره لم يلزمه شيء. ومن حلف أن يقتل فلاناً وهو ميت والحالف لا يعلم بذلك لم يحنث.
قال القاسم عليه السلام: من حلف أن يزن الفيل وما أشبهه لم يلزمه شيء، ومن ردد يميناً في شيء واحد مراراً كثيرة كانت يميناً واحدة، فإن حَنِث لم تلزمه إلا كفَّارة واحدة.
قال أبو العباس رحمه اللّه: وإن جمع أشياء كثيرة في يمين واحدة، فقال: والله لا أكلت ولا شربت ولا ركبت ونحو ذلك، (كانت يميناً واحدة، فإن كرر لكل واحدة منها يميناً)كانت أيمانا كثيرة.(1/572)


ومن حلف أن لا يكلم فلاناً إلا/314/ بإذن زيد، ثم مات زيد جاز لهأن يكلمه، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ومن حلف أن لا يفعل طاعة من طاعات اللّه تعالى، فإن كان تطوعاً كان له فعلها، وإن كانت واجبة لزمه أن يفعلها وعليه الكفَّارة في الوجهين جميعاً إذا فعلها، وإن حلف أن يفعل معصية كان الواجب عليه أن لا يفعلها وتلزمه الكفَّارة.
قال محمد بن يحيى عليه السلام: من حلف أيماناً كثيرة ولم يدر كم هي، وهي على شيء واحد أو أشياء مختلفة تحرى.
ومن حلف أن لا يسكن دار فلان هذه أولا يدخلها، فباعها فلان فدخلها لم يحنث إن كانت اليمين مبهمة، على أصل يحيى عليه السلام.
وإن حلف أن لايدخل دار فلان ولم يشر إليها فباعها فلان فدخلها لم يحنث إن كانت اليمين مبهمة على أصل يحيى عليه السلام.
وإن حلف ألا يسكن داراً اشتراها فلان، فاشترى فلان داراً لغيره فسكنها، حَنِث إن كانت اليمين مبهمة، وإن نوى ملكه لم يحنث، على أصل يحيى عليه السلام.
ومن حلف أن لا يدخل على فلان ولم يسم الموضع، فدخل بيته وهو فيه حَنِث، وإن دخل المسجد لم يحنث، على أصل يحيى عليه السلام.
ومن حلف أن لا يكلم زوج فلانة فكلمه بعد أن طلقها، لم يحنث إن كانت اليمين مبهمة، وإن كان نوى أن لا يكلم الرجل بعينه حَنِث، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ومن حلف أن لا يدخل دار فلان فدخل داراً هو ساكنها بأجرة أو غير أجرة حَنِث إن كانت يمينه مبهمة، على أصل يحيى عليه السلام.(1/573)


ومن حلف أن يقضي حاجة فلان في وقت الظهر، فقضاها عند زوال الشمس إلى غيبوبتها لم يحنث. وإن حلف ليعطينه حقه يوم كذا فله ذلك اليوم، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ولو أن رجلاً باع من رجل جارية، ثم اختلف البائع والمشتري، فقال البائع: هي حرة إن كنتُ بعتكها إلا بألف درهم. وقال المشتري: هي حرة إن كنتُ اشتريتها إلا بخمسمائة درهم. وأقام البائع البينة على أنه باعها بألف درهم عتقت الجارية من مال المشتري، وإن لم يقم البائع البينة كان القول قول المشتري مع يمينه.
ولو أن رجلاً قال لمملوكه: أنت حُرّ إن لم أبعك، فمات السيد قبل بيعه عتق العبد من الثلث. ولو حلف رجل بطلاق امرأته ما في منزله طعام، ولم يكن علم أن في منزله شيئاً منه، ثم وجد/315/ فيه شيئاً من ذلك الطعام حَنِث.
ولو قال لامرأته: إن حلفت بطلاقك فعبدي حُرّ. وقال لعبده: إن حلفت بعتقك فامرأتي طالق، عتق العبد، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ولو حلف رجل ألاَّ يطلق امرأته، ثم قال لها: أنت طالق إن دخلت الدار؛ فدخلت طلقت المرأة وحنث الزوج، على قياس قول يحيى عليه السلام. ولو قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم حلف بالله أن لا يطلقها، ثم دخلت الدار طلقت المرأة ولم يحنث الزوج، ومن حلف واستثنى بمشيئة اللّه تعالى عقيب يمينه، وكان المحلوف عليه معصية أو لا قربة فيه لم يحنث إذا حلف ولم تلزمه الكفَّارة، فإن كان مما فيه قربة لزمته الكفَّارة، على أصل يحيى عليه السلام.(1/574)


باب كفَّارة الأيمان
كفَّارة اليمين هي: الإطعام، أو الكسوة، أو العتق. والمكفر مخير بين هذه الكفارات الثلاث، يكفر بأيها شاء، فإن لم يجد شيئاً منها فكفارته صيام ثلاثة أيام متتابعة لا يفرق بينهن، فإن فرق أعاد، والاعتبار في ذلك بالوجود والتعذر دون اليسار، على أصل يحيى عليه السلام.
والعتق أفضل من الكسوة والكسوة أفضل من الإطعام، هذا إذا كان المكفر حراً، فإن كان عبداً فكفارته واحدة وهي صيام ثلاثة أيام لا غيرها، وإن أطعم عنه مولاه أو كسا أو أعتق لم يجزه، وكذلك في كفَّارة الظِّهار والقتل الخطأ لا يجزيه إلا الصيام صيام شهرين متتابعين.
والإطعام، هو أن يطعم عشرة من فقراء المسلمين ومساكينهمالذين توضع فيهم زكوات المسلمين وأعشارهم، غداهم وعشاهم بإدام متوسط. والمستحب لمن أراد الإطعام أن يجمع الفقراء في منزله فيغديهم ويعشيهم، أو يحمل إليهم الطعام مأدوماً.
والتقدير فيما يخرج من الطعام: نصف صاع من دقيق، والمراد به دقيق البر، أو صاع من تمر أو صاع من شعير، أو مما يأكله المكفر وأهله من الذرة وغيرها، ومن لم يجد عشرة مساكين لم يجز أن يردد الإطعام على من وجد منهم، بل ينتظر إلى أن يجد، وإن بعث بالباقي إلى مساكين بلد آخر جاز/316/ ذلك. وكذلك القول في كفَّارة الظِّهار إذا لم يجد تمام ستين مسكيناً.
وإذا اجتمعت كفارات عدة، فالمستحب أن يدفع كفَّارة كل يمين إلى طائفة من المساكين، ويكره دفع جميعها إلى عشرة منهم، فإن لم يوجد منهم إلا عشرة لم يكره أن تدفع إليهم.(1/575)


وإن كانت الكفارتان مختلفتين كالإطعام والكسوة، جاز أن يدفع كل واحدة من الكفارتين إلى عشرة معينة ولم يكره ذلك.
وأما الكسوة فإنه يكسو عشرة مساكين كسوة سابغة، مثل قميص سابغ، أو ملحفة سابغة، أو كساء سابغ، ولا تَجْزِي عمامة وحدها، ولا سراويل وحده.
قال أبو العباس: لو كسا مسكيناً ثوباً ثم ملكه عليه، فكساه غيره ثم ملك حتى يكسو عشرة مساكين ذلك الثوب الواحد جاز ذلك، وأما الإطعام فلا يجوز فيه إلا أن يطعم.
قال القاسم عليه السلام: يجوز في كفَّارة اليمين إخراج قيمة الطعام بدلا عن الطعام، وإخراج قيمة الكسوة بدلاً عن الكسوة.
فأما العتق فهو أن يعتق رقبة ليست بكافرة صغيرة كانت أو كبيرة، ويجوز أن يكون مكفوفاً أو أعرجاً أو أشلاً أو أخرساً أو مجنوناً، ومن يكون بالغاً مؤمناً سليماً فهو أفضل، فإن أعتق صغيراً وجب أن يكون أحد أبويه مسلماً، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ويجوز عتق ولد الزنا في الكفارات كلها، ولا يجوز عتق أم الولد ولا المكاتب ولا المكاتبة ولا ولدها، ويجوز عتق المُدَبَّر في كفَّارة اليمين والظِّهار، ويكره في كفَّارة القتل، (ومن يعتق على من يشتريه لايجوز له إخراجه في الكفارات، نص عليه محمد بن يحيى عليهما السلام).
ولو أن رجلاً اعتق نصف عبد عن كفَّارة يمينه، وأطعم خمسة من المساكين أو كساهم، لم يجزه، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ولو كان عبد بين رجلين لكل واحد منهما نصفه، فأعتق أحدهما نصيبه عن كفَّارة يمينه أجزاه إن كان مؤسراً، أو لايجزيه إن كان معسراً، على أصل يحيى عليه السلام.(1/576)

115 / 168
ع
En
A+
A-