باب الكتابة
إذا طلب المملوك من سيده أن يكاتبه استحب له أن يجيبه في ذلك، إن علم أن فيه الخير، والخير هو التقوى والدين والوفاء، ولا يوجب ذلك وإنما هو مندوب إليه، على قياس قول يحيى عليه السلام.
والكتابة أن يوافق سيد العبد عبده على أن يدفع إليه مالاً معلوماً في أنجم معلومة أو نجمين معلومين، ويقول له: كاتبتك على هذا ويرضى به العبد ويقبله، فإذا دفع إليه ما وافقه عليه صار حراً، وإن عجز عن الوفاء بما كوتب عليه رُدَّ في الرق سواء كان أدى أكثر ذلك أو لم يؤد شيئاً منه.
والكتابة الحالةلا تصح على مقتضى نص يحيى عليه السلام، هكذا ذكره أبو العباس رحمه اللّه، ومن أصحابنا من ذهب إلى أنها تصح أن تكون حالة واعتمد في ذلك تخريجاً بعيداً.
وتجوز الكتابة بكل عوض معلوم من عين وورِق وعروض وحيوان، على مقتضى نص يحيى عليه السلام.
(ولا يجب الإيتاء في الكتابة، على أصل يحيى عليه السلام)، ولا يجوز لسيد المكاتب أن يضُرَّ به إضراراً يمنعه عن الوفاء بالعوض الذي كاتبه عليه، نحو أن يمنعه من السعي والكسب أو يطالبه قبل حلول النجم، فإن عجز العبد عن توفية مال الكتابة لإضراره به على هذا الوجه لم يُرَدّ في الرق، على قياس قول يحيى عليه السلام.
وإذا طلب المكاتب أن يرد في الرق واستقال من الكتابة جاز أن يرد إليه، وإذا رُدَّ في الرق كان ما أداه/305/ إلى سيده من كسبه، أو عن هبة وهبت له فهو للسيد، وما كان مما أعانه به إمام المسلمين من بيت المال، أو دَفَعَه إليه سائر المسلمين عن زكاتهم، فإنه يؤخذ من سيده ويوضع في جهته، التي هي معونة الرقاب.(1/557)
وتصح مكاتبة الأمة كما تصح مكاتبة العبد، وما ولدته المكاتبة فهو مكاتب، وحكمه في الحرية والرق تابع لحكم أمه، فمتى عتقت عتقوا، ومتى ردت في الرق ردوا، ولا يلزم الأم أن تؤدي عنهم شيئاً، وإن كان المكاتب كاتب عن نفسه وأولاده صح ذلك، فإن أدى ما كوتب عليه عتق وعتقوا، وإن عجز استرق واسترقوا، وكذلك القول في الأمة إذا كاتبت عن نفسها وأولادها.
ولو أن مكاتباً اشترى أم ولده مع الولد واستولدها بعد ذلك، ثم مات وقد بقي عليه بعض الكتابة، كانت الأم وولدها بمنزلته، فإن أدت البقية أو أداها بعض أولادها عتقت وعتقوا وإن عجزت أو عجز أولادها ردوا في الرق، فإن اختار بعض الأولاد الرِّق وبعضهم العتق، وأدى الذين اختاروا العتق عتق الجميع.
وإذا مات المكاتب وقد كاتب عن نفسه وأولاده كانت الكتابة ثابتة لولده، فإن سعوا عتقوا وورثوا أباهم، وإن عَجَّزوا أنفسهم واختاروا ذلك ردوا في الرق، فإن كان الولد صغيراً انتظر بلوغه إن اختار المولىذلك، فإن سعى عتق وإن عجز رد في الرق، وإن لم يختار المولى انتظاره واختار فسخ الكتابة كان له ذلك، على أصل يحيى عليه السلام. وإن أدى عنه الإمام عتق.
ولا بأس أن يشتري الرجل رقبة مكاتب بما بقي من كتابته على أن يجعله رقبة فيعتقه، إذا اختار المكاتب ورضي به.(1/558)
ولا يجوز للمكاتِب أن يطأ أمته المكاتبة، فإنْ وطئها جهلاً بالتحريم درئ عنه الحد للشبهة، وللمكاتبة الخيار بين أن تقيم على كتابتها فيكون لها على المكاتب مهر مثلها، وبين أن تفسخ الكتابة بأن تستقيل وتعجز نفسها، فيلزم سيدها فسخ كتابتها ولا يلزمه لها شيء، ولا فرق في شيء مما ذكرنا بين أن تلد منه أولاداً أو لا تلد.
وإذا مات المكاتِب للعبد كان العبد مكاتباً للورثة كما كان من قبل /306/، والعبد المكاتب إذا مات وقد أدى بعض كتابته عتق بمقدار ما أدى ويورث بقدره، وينفذ من وصيته بقدره، وكان باقي المال لسيده، وكذلك إن جني عليه بقتل أو قطع عضو منه وُدِيَ على حساب ما أدى من كتابته، وما بقي فعلى حساب قيمته.
ولو أن رجلاً قال لعبده: إذا اعطيتني مائة دينار فأنت حُرّ، فأعطاه العبد خمسين ديناراً ثم مات المولى كان العبد مملوكاً للورثة وليس حكمه حكم المكاتب.(1/559)
باب الشهادة على العتق
إذا كان عبد بين رجلين، فشهد أحدهما على الآخر بأنه أعتق نصيبه، وأنكر شريكه المشهود عليه ذلكعتق العبد، ويضمن الشاهد للمشهود عليه نصيبه إن كان الشاهد مؤسراً، وإن كان معسراً سعى العبد عن الشاهد فيما لزمه من الضمان، والشريك المشهود عليه لا يلزمه شيء، فإن شهد كل واحد منهما على صاحبه بأنه أعتق نصيبه وهما مؤسران ضمن كل واحد منهما لصاحبه قيمة نصيبه، وإن كانا معسرين سعى العبد لهما، وإن شهد معهما أجنبي لم يتغيرالحكم حتى يشهد شاهدان، على قياس قول يحيى عليه السلام.
وإذا شهد رجلان على رجل بأنه أعتق عبداً له وأنكر المشهود عليه والعبد جميعاً ذلك، كانت تلك الشهادة باطلة، ويكون العبد المشهود عليه مملوكاً كما كان، فإن كان المشهود عليه يعلم أنه أعتقه لم يحل لهاسترقاقه فيما بينه وبين اللّه تعالى. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: لا فرق في بطلان هذه الشهادة بين أن ينكر العبد العتق الذي شهد به، وبين أن يسكت فلا يكذب الشاهدين ولا يدعي الحرية، على أصل يحيى عليه السلام. وإن شهدا على أمة بالعتق فأنكرته الأمةُ والمشهود عليه، صحت الشهادة وعتقت الأمة.(1/560)
باب الولاء
الولاء ضربان: ولاء عتق، وولاء موالاة، وهو: إسلام الكافر الحربي على يد المسلم ، فإن كان الكافر ذمياً، فإذا أسلم على يد المسلم لم يثبت له/307/ ولاؤه. والولاء لمن أعتق، ولا يصح أن يباع ولا يوهب، وإن بيع أو وهب كان ذلك باطلاً.
ولو أن رجلا باع عبداً واشترط الولاء لنفسه وأعتقه المشتري كان الولاء له، ويبطل الشرط. والولاء للرجال الذين هم العصبة دون النساء، فإن مات المعتَق وترك ابن مولاه وأباه كان المال لابن مولاه دون أب مولاه، علىمقتضى نص يحيى عليه السلام. وإن ترك جد مولاه وأخاه فإن المال بينهما نصفين، على أصل يحيى عليه السلام. والولاء للأكبر، وإذا أُعْتِق العبد جَرَّ ولاء ولده، فإن كان الأب قد مات رقيقاً وأعتق الجد بعده وهو أب ابنه لم يجر ولاءه، على أصل يحيى عليه السلام.
والمعتَق إذا مات وله عصبة فعصبته أولى من عصبة المعتِق له، وإذا لم يكن له عصبة وكان للمعتِق عصبة فهم أولى بالميراث، فإن لم يكن له عصبة وكان له ذوو السهام أو ذوو الأرحام حصل الولاء لهم، وليس للنساء حق في الولاء (إلا ولاء من أعتقنه أو كاتبنه. أو أعتق من اعتقنه)أو جر ولاءه من أعتقنه.
فإذا أسلم الحربي على يد المسلم كان ولاؤه للمسلم، ويرثه دون من سواه إذا لم يكن له وارث مسلم، فإذا كان له من يرثه بالنسب من المسلمين، فالإرث له دون مولاه، سواء كان عصبة أو ذا سهم أو ذا رحم. فإن أسلم ذمي على يد مسلم لم يكن له ولاؤه ولا يرثه، ويكون إرثه مصروفاً إلى بيت المال، إذا لم يكن له وارث مسلم.(1/561)