قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه: ولو قال لعبده إنك لحر صبور. على معنى التزكية، أو قال: ما أشبهك بالأحرار، أو ما اشبهك بالعرب لم يعتق. وكذلك لو قال له ذلك على معنى التوبيخ أو التهديد لم يعتق.
ولو قال: هو حُرّ؛ دفعاً للظالم عن أخذه لم يعتق، ويدين في هذا كله كما يدين للطلاق.
ولو قال: من بشرني من عبيدي بكذا فهو حُرّ؛ فبشره به عبدان معاً فإن علم أنهما جميعاً بشرا في حالة واحدة عتقا جميعاً، وإن علم أن أحدهما بشر أولاً ولم يعلم أيهما المتقدم عتقا، ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ولو أن رجلاً له ثلاث جوار أو أربع فأعتق واحدة منهن، ولم يدر أيتهن أعتق، لم يجز أن يطأ واحدة منهن أويبيعها حتى يتبين المعتقة، على قياس قول يحيى عليه السلام.(1/552)
باب عتق الشقص من المملوك وعتق جزء أو عضو منه أو عتق ذا رحم محرم
من أعتق جزءاً من عبده عتق العبد كله، والعتق لا يتبعض، وإذا كان عبد بين رجلين فأعتق أحدُهما نصيبَه عتق العبد، ويضمن المعتِق لشريكه قيمة نصيبه إن كان مؤسراً، وإن كان معسراً استُسعي العبد في قيمة نصيب الشريك، فإن كان قد أعتق نصيبه بإذن شريكه لم يلزمه له شيء، ولشريكه أن يستسعي العبد في قيمة نصيبه، فإن كان العبد المعتق صغيراً، وكان المعتق مؤسراً ضمن لشريكه قيمة نصيبه يوم أعتقه، وإن كان معسراً انتظر بلوغه ثم استسعى في قيمة نصيب الشريك يوم أعتق.
فإن قال لعبده: أنت حُرّ، أو رأسك حُرّ، أو يدك حرة، أو رجلك حرة، أو صدرك حُرّ، أو شعرك حُرّ، وكذلك إن قال: نصفك حُرّ، أو ثلثك حُرّ، أو ربعك حُرّ، أو جزء منك، أو بعضك، عتق العبد كله.
ولو أن رجلاً قال/302/ لجاريته: ما في بطنكحُرّ عتق ما في بطنها دونها، فإن قال لها: أنت حرة وما في بطنك مملوك كانت الأمة وولدهاجميعاً حرين.(1/553)
وإذا ملك الرجل ذا رحم محرم، أو شقصاً من ذي رحم محرم عتق عليه، فإن كان ذا رحم غير محرم لم يعتق عليه، نحو ابن العم أو ابنة العموابن الخال وابن الخالة وابنة الخالة، وإذا اشترى شقصاً منه ضمن لشريكه قيمة نصيبه إن كان مؤسراً، وإن كان معسراً استسعي العبد في قيمة نصيب شريكه، ولا فرق بين أن يشتريه وبين أن يُوهَب له فيقبله في لزوم الضمان، فإن اشترياه جميعاً أو وُهب لهما جميعاً فقبلاه، أو غنماه وأحدهما ذو رحم محرم والآخر أجنبي لم يضمن الشريك الذي هو ذو رحم محرم لشريكه شيئاً، وكذلك إن ملكه بالإرث لم يضمن أيضاً ويستسعى العبد في قيمة نصيب شريكه الآخر، على قياس قول يحيى عليه السلام.
وإن وهب شقصاً منه لصبي وهو معسر فقبله وليُّه صح ذلك وعتق عليه، وإن كان مؤسراً فالواجب عليه ألا يقبله إلا أن يرى في ذلك حظا للصبي وصلاحاً، على قياس قول يحيى عليه السلام.
قال محمد بن يحيىعليه السلام: ولو أن رجلاً توفي وله أمة حامل منه وللأمة ولد مملوك، فإنها إذا ولدت عتق ولدها المملوك من حصة هذا الولد الذي هو أخوه من أمه، فإن لم يكن له شيء غيره سعى لباقيالورثة في باقي قيمته.
ولو أن رجلاً كان له ثلاثة مماليك فقال: أحدكم حُرّ، ثم مات ولم يبين حرية أحدهم عتقوا كلهم، ويلزم كل واحد منهم أن يسعى لورثته في ثلثي قيمته، وإن لم يمت كان مخيراً في عتق أيهم شاء.(1/554)
ولو أن رجلاً أوصى لعبده بثلث ماله أو دون ذلك منفرداً أو مع غيره، عتق العبد ثم ينظر في مقدار ما يستحقه بالوصية، فإن كان في مثل قيمته فلا شيء عليه ولا يستحق شيئاً، وإن كانت قيمته أكثر مما يخصه سعى للورثة في المقدارالزائد من قيمته على مستحقه للورثة ولمن أوصى له معه، فإن أوصى لقوم مجهولين غير معينين وجعل عبده كأحدهم لم يعتق.
ولو أن رجلاً قال لعبيد له في مرضه: أثلاثكم أحرار، ولا مال له غيرهم عتقوا كلهم، وسعوا للورثة في/303/ ثلثي قيمتهم، فإن كان له مال غيرهم عتقوا كلهم من غير شيء، وإن برئ من مرضه وصح عتقوا كلهم ولا سبيل له عليهم.
وإذا أسلمت أم ولد الذمي سعت له في قيمتها ولم تُرَد إليه، وإن اسلمت أمته حكم عليه ببيعها من المسلمين.
وإذا كان عبد بين ثلاثة أنفس فكاتبه أحدهم في نصيبه، ثم دبره الآخر، ثم اعتقه الآخر، أو دبره أحدهم أولاً أو أعتقه أولاً، نفذ في العبد ما فعله أولهم من الكاتبة أوالتدبير أو العتق وضمن لشريكيه قيمة مالهما في العبد، وإن كان كاتبه أولاً ولم يؤد العبد شيئاً من مال الكتابة فلشريكيه فسخ الكتابة، وإن كان أدى منها شيئا نفذت الكتابة، على أصل يحيى عليه السلام.
وقال السيد أبو طالب رحمه اللّه: ما ذكرنامن جواز فسخ الكتابة إذا لم يؤد المكاتب شيئاً من مال الكتابة وامتناعه إذا أداه فإن أصله عليه السلام يقتضي ذلك؛ لأن عنده أن المكاتب مالم يؤد شيئاً من مال الكتابة فهو عبد وإذا أدى شيئاً منه فهوبمنزلة الحر فيما أدى.(1/555)
باب التدبير
إذا قال الرجل لمملوكه أو مملوكته: أنت حُرّ بعدي، أو أنت حرة بعدي، كان المملوك مُدَبَّراً يعتق إذا مات الرجل من ثلثه، ولا يجوز له أن يبيعه في حياته إلا عن ضرورة.
ويجوز في المُدَبَّر العتق في كفَّارة اليمين (وكفَّارة الظِّهار)، وكفَّارة القتل، وإن كره عتقه فيهاخصوصاً، وإن كانت جارية جاز وطئها.
ويجوز التدبير في حال الصحة والمرض، ويجوز أن يكاتب، ويجوز فيه الإستخدام والإنكاح والإجارة والإذن له في التجارة والرهن والهبة، وأن يُجْعَل مهراً، على أصل يحيى عليه السلام.
ولو أن رجلا دَبَّر عبده ثم فسق العبد، كان له أن يبيعه وعليه أن يشتري بثمنه رقبة مؤمنة يدبرها، فإن تاب بعد أن اشترى غيره لم يعد مُدَبَّراً وكان تدبير الثاني ماضياً.
وولد المُدَبَّرة مُدَبَّر، على أصل يحيى عليه السلام. قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه: ولو أن رجلاً دبر أمته فولدت أولاداً في حياته - يعني من غيره/304/ - فباع منهم ووهب، ثم توفي سيدها وعتقت الجارية، فإن كان باع لحاجة أوفاقة فبيعه جائز، وإن كان لغير ذلك فهم أحرار، ويرجع المشتري على البائع بالثمن.
ولو أن رجلاً قال لعبده: إذا مِتُّ فشئت فأنت حُرّ، أو قال: أنت حُرّ إذا مت إن شئت، فإنه إن شاء يكون مُدَبَّراً، وإن لم يشأ يلحقه التدبير، على قياس قول يحيى عليه السلام؛ إلا أنه إذا قال: إذا مت فشئت فأنت حُرّ، فإنه يوجب أن يكون له المشيئة بعد موته، فإن شاء قَبِلَ ذلك، (وقبل أن يقبله لا يكون حراً).(1/556)