باب العتق المطلق والمشروط وذكر الألفاظ التي توجبه والتي لا توجبه
العتق إما أن يكون مطلقاً أو مشروطاً، فالمطلق نحو أن يقول لمملوكه: اعتقتك، أو أنت حُرّ، والمشروط/298/ نحو أن يقول: إذا قدم غائبي أو شفى اللّه مريضيفأنت حُرّ، أو يعلقه بسائر الحوادث من فعله أو من فعل المملوك أو غير ذلك.
ومتى كان مطلقاً فالعتق يتعقب اللفظ، ومتى كان مشروطاً فإذا وقع الشرط وقع العتق بالمتأخر من وقوع الشرط أو وجود اللفظ، فإن تقدم اللفظ وتأخر الشرط وقع عند وجود الشرط؛ لأجل اللفظ، فإن تقدم الشرط وتأخر اللفظ وقع عند وجوده. وتَقَدُّم الشرط نحو أن يقول: إن شفى اللّه مريضي فأنت حُرّ، وقد كان المريض شفي، وتأخره أن يقول: إن شفى اللّه مريضي فأنت حُرّ، فإذا شُفِىَ صار حراً.
ولو أن رجلاً قال: أول ولد تلده أمتي من عبدي فهو حُرّ، فولدت اثنين في بطن معاً عتقا جميعاً، إلا أن يكون نوى الأول من الإثنين إن ولدا في بطن واحد، أو نوى به إن كان ما تلده واحداً فهو حُرّ، دون أن يكون اثنين. قال أبو العباس رحمه اللّه: فإن قال: أول عبد دخل علي فهو حُرّ. فدخل اثنان معاً عتقا جميعاً.
ولو أن رجلا قال: من بشرني من عبيدي بكذا فهو حُرّ، فبشره به واحد من عبيده، ثم جاء بعد ذلك عبد له آخر فبشره كان الأول حراً.(1/547)
ولو قال رجل لعبده - وقد زوجه أمة له: - إن ولدت امرأتك غلاماً فأنت حُرّ، وإن ولدت جارية فهي حرة، فولدت غلاماً، عتق العبد وكانت الأمة وابنها مملوكين، وإن ولدت جارية، عتقت الأمة وكان العبد والجارية مملوكين، وإن ولدت غلاماً وجارية توأمين؛ فإن ولدت الغلام قبل ثم ولدت الجارية، عتق الأب والأم وكان الولدان مملوكين، وإن ولدت الجارية ثم ولدت الغلام، عتق الأبوان وعتق الغلام لعتق أمه؛ لأن ما ولدت الحرة فهو حُرّ، وبقيت الجارية مملوكة.
قال أبو العباس رحمه اللّه: فإن قال: أول ولد تلده امرأتك غلاماً فأنت حُرّ، وإن كانت جارية فهي حرة، فولدت غلاماً وجارية لم يعتق واحد منهما، وإن ولدت غلامين عتق الأب، وإن ولدت جاريتين عتقت الأم، على أصل يحيى عليه السلام.
ولو أن رجلا قال لعبده: أنت حُرّ إن شاء اللّه. عتق العبد إن كان مسلماً عفيفاً في عتقه قربة إلى اللّه، وإن كان فاسقاً لم يعتق/299/. وكذلك إن قال أنت حُرّ بعد وفاتي إن شاء اللّه، عتق لموته إن كان مسلماً عفيفاً، وإن كان فاسقاً لم يعتق.(1/548)
ولو أن رجلاً قال لعبد غيره: أنت حُرّ من مالي لم يجب بهذا القول شيء، ولم يتعلق به الحكم. وإن قال: إن اشتريتك فأنت حُرّ لم يعتق إذا اشتراه. وإن قال لعبد غيره: إن اشتريتك فلِلَّه علي أن اعتقك، فمتى اشتراه وملكه وجب عليه أن يعتقه، وإن قال لعبده: إن بعتك فأنت حُرّ، فباعه وجب عليه أن يستقيل صاحبه، فإن أقاله وإلا ابتاعه بما كثر أو قل ويعتقه، فإن امتنع المشتري من بيعه اشترى مثله بثمنه وأعتقه، فإن باعه على أنه بالخيار أياماً معلومة، ثم اختار فسخ البيع قبل مضي وقت الخيار لم يعتق العبد، وإن أمضى البيع كان الحكم ما ذكرناه، وإن كان الخيار للمشتري لم يعتق حتى يمضي البيع، وكذلك إن قال: إن بعتُ ثوبي هذا فهو صدقة، كان القول فيه كالقول في العبد.
قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: ما ذكره عليه السلام من الإستقالة أو شراء غيره لا يبعد أن يكون محمولاً على الإستحباب، وإن كان أبو العباس يحمله على ظاهره.
ولو أن رجلا قال: كل مملوك لي فهو حُرّ. وله مُدَبَّر، ومكاتب، وأم ولد، وعبد عتق بعضه؛ عتقوا كلهم، ولم يكن للمكاتب أن يرجع عليه بما أخذه منه.(1/549)
ولو قال رجل لعبده: إذا جاء فلان من سفره أو إذا تخلصت من كذا أو إذا كان رأس السنة أو الشهر فأنت حُرّ، فمتى حصل ما جعله شرطاً عتق، فإن باعه قبل ذلك بيسير أو كثير جاز البيع إذا باعه عن ضرورة، وإن باعه لا عن ضرورة لم يجز البيع، هكذا ذكره في (الأحكام) ، وكان أبو العباس رحمه اللّه يحمله على ظاهره في أن بيعه لغير ضرورة لا يجوز، كما لا يجوز بيع المُدَبَّر، وإن لم يكن مُدَبَّراً، ومن أصحابنا من يحمل ذلك على الإستحباب، وقد حكى أبو العباس رحمه اللّه عن القاسم عليه السلام أنه نص في رسالته على جواز بيع من حلف على عتقه، فقال: من حلف بعتق عبده أن لا يدخل إلى أخته ولا يبرها ولا يشهد لها محياً ولا مماتاً، فالحيلة فيه أن يبيعه ممن يثق به. قال رحمه اللّه: وكذلك إذا حلف على إخراج مالِه صدقة/300/ أنه يخرجه إلى من يثق به. قال رحمه اللّه: وليس هذا بمخالف لما ذكره يحيىعليه السلام وفصل بينهما.
ولو أن رجلاً قال لعبده: أخدم أولادي في ضيعتهمعشر سنين، فإذا مضت هذه السنون فأنت حُرّ، وجب عليه أن يخدمهم فيها أو في غيرها حيث شاؤا، وسواء باعوها أو لم يبيعوها إذا خدمهم كما أحبوا، فإذا مضت عشر سنين عتق، فإن وهب له بعض الأخوة خدمته، خدم الباقين وحاصهم كل سنة بقدر خدمة الواهب، ولا يجوز أن يحاصهمبالسنين.
ولو أنه قال: إذا خدمتَ أولادي أياماً كثيرة فأنت حُرّ. عتق إذا مضت سنة واحدة من خدمته لهم، فإن قال: إذا خدمت أولادي أياماً قليلة فأنت حُرّ، عتق إذا خدمهم ثلاثة أيام، على قياس قول يحيى عليه السلام.(1/550)
قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه: لو قال رجل لعبده: أنت حُرّ وأدِّ إليَّ الف درهم، عتق العبد ولا شيء عليه. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: وعلى هذا القياس لو قال: أنت حُرّ وعليك الف درهم. فالعبد يصير حراً ولا شيء عليه. فإن قال: أنت حُرّ على ألف. وقال العبد: نعم ورضي به صار حراً ووجب عليه لسيده ألف.
قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه: لو قال لعبيده: أيكم حمل هذه الخشبة فهو حُرّ، فحملها كلهم، فإن أراد بقوله ذلك أن أي واحد منهم حملها على الإنفراد فهو حُرّ لم يعتق واحد منهم، وإن لم يرد هذا عتقوا كلهم.
قال: وإن قال لعبيده أيكم بشرني بقدوم فلان فهو حُرّ، فبشروه، فالجواب مثل ما مضى، وإن لم يكن نوى ذلك فأسمعه البشارة واحد منهم، فهو حُرّ، وإن اسمعوه في حالة واحدة عتقوا كلهم.
قال رضي اللّه عنه: فإن قال لعبده: إن أكلت هذه الرمانة فأنت حُرّ فأكل بعضها، فإن كان أراد أكل الرمانة كلها لم يعتق، وإن أراد أن يأكل شيئاً منها عتق.
قال رضي اللّه عنه: وإن قال لأمته إن وطئتك فأنت حرة، فوطئها مرتين عتقت ساعة التقاء الختانين في الدفعة الأولى، فالواجب عليه عند الوطئ الأول أن لا يقضي نهمته، فأما الوطئ الثاني فإن أقدم عليه جهلاً منه بالتحريم لزمه مهر مثلها، وإن تعمد ذلك مع العلم/301/ بالتحريم لزمه الحد، والأمة إن كانت عالمة بالتحريم فطاوعته فعليها الحد ولا مهر لها.
ولو أن رجلاً قال لعبده: لك ثلث مالي؛ عتق إذا قبله، على قياس قول يحيى عليه السلام.
قال أبو العباس: ولو قال له: لك هذا الكساء أو هذه الدنانير أو هذه الجارية؛ لم يستحق به شيئاً.(1/551)