وقال محمد بن يحيى في (مسائل المعقلي) : لا يجزي أن يؤدّى الفرض بوضوء معقود بنية فرض آخر. قال أبو العباس: فإن نُوِيَ به الفرض على الإطلاق جاز. وعلى هذا إن نوي به النَّفل لم يجز أن يؤدّى به الفرض، وهذا صحيح على الأصل الذي حكيناه عن محمد بن يحيى عليه السلام. قال السيد أبو طالب : وعلى هذا لا تصح طهارة الصبي، فإذا لم تصح طهارته لم تصح صلاته. قال أبو العباس رحمه اللّه: وإن عزبتنيته أجزت، مالم يصرفها عن منويها، وهذا يقتضي أنَّه إذا أصحبت النية أول جزء منه أجزأه، ولا يلزمه أن يستصحبها إلى آخر الوضوء، حتى لا يجوز أن يسهو عنها، ولكن لا يجوز أن ينوي الخروج منها.
ولا بأس بتفريق الوضوء والغسل.
والطهارة المتيقنة لا تبطل إلا بحدث مُتيقن، والحدث المتيقن لا يزول حكمه إلا بطهارة متيقنة، هكذا حكى أبو العباس رحمه اللّه عن القاسم عليه السلام.(1/52)


ومن توضأ ثم شك في تطهير عضو من أعضاء الطهارة، وجب عليه أن يطهره وما بعده، حتى يتيقن أنَّه أتى بطهارة مرتبة، سواء كان شكه قبل الدخول في الصَّلاة، أو بعد الفراغ منها، فإن شك في الترتيب - بعدما صلى - لم تلزمه الإعادة، فإن أيقن تَرْكَ الترتيب أعاد الوضوء من حيث تركه، سواء كان ذلك قبل الدخول في الصَّلاة أو بعدها، وإن كان قد صلى أعاد الصَّلاة. قال السيد أبو طالب: أصول يحيى تقتضي أنَّه إنما يعيد الصَّلاة إذا أيقن ترك الترتيب ساهياً ما دام في وقت تلك الصَّلاة، فإن كان وقتها قد انقضى فلا إعادة عليه، فإن تركه عامداً فعليه الإعادة في الوقت وبعده، وعلى هذا قرر أبو العباس المذهب، وإن قَدَّم اليسرى على اليمنى أعاد غَسل اليسرى، وكذلك إذا غسلهما معاً.
ويجزي عن الجنابة والحيض غسلٌ واحد، وعن الأحداث الكثيرة وضوء واحد.
ومن أصابه كسْرٌ فَجُبِّرَ وخشي من حَلِّ الموضع عَنَتاً، فإنه يترك حَلَّه ولا يمسحه، وتَجْزِيهصلاته، هذا قول يحيى عليه السلام في (الأحكام) وهو المعمول عليه. وقال في رواية (المنتخب) : يمسح على الجبائر.(1/53)


ومن أصابه جدري أو احترق بالنَّار وخشي ضرراً من الدلك عند الإغتسال، صَبَّ الماء على بدنه صباً /6/، وإن خشي من صب الماء أيضاً، تيمم، وإن كان في مواضع من بدنه قُرُوحٌ أو احتراق، أو في مواضع من أعضاء الطهارة، فتحصيل المذهب أنَّه يغسل ما يمكن غَسله ويترك الباقي، ولا يراعي في ذلك الأقل والأكثر، فإن كان ما أصابه من ذلك في أعضاء التيمم، تيمم على موجب ما نصّ عليه في (الأحكام) ، وعلى ما ذكره أبو العباس وحكاه عن محمد بن يحيى عليهما السلام، فإن كان في بدنه جراح أو قروح يخشى معها من استعمال الماء ضرراً غسل وجهه ويمم يديه تخريجاً.(1/54)


وينقض الوضوء:
ما يخرج من السبيلين معتاداً كان أو غير معتاد، من بول وغائط وريح ودود ومذي وودي ومني.
وما يخرج من سائر البدن من كل نجس فيسيل، من رُعاف، وقيء ذارع، وحَدُّه أن يكون ملء الفم، على موجب نصّ القاسم عليه السلام، والقيح.
والنوم المزيل للعقل، على أية حال كان، والإغماء والجنون العارض كالصَّرع ونحوه، تخريجاً.
وكبائر المعاصي.
وإن توضأ في حال الكفر ثم أسلم أعاد الوضوء للصلاة، تخريجاً، ولا يجزيه ما تقدم.
ولا ينقضه مَسُّ الفَرْجين، ولا لمس المرأة، ولا القهقهة في الصَّلاة، إلا أن يتعمدها فينتقض للمعصية، على ما اختاره أصحابنا، تخريجاً، ولا أكل ما مسته النَّار.(1/55)


باب الغسل
المفروض من الغسل أربعة: غَسْلُ الجنابة، وغَسْلُ الحيض، وغَسْلُ النِّفاس، وغَسْلُ الميت إذا لم يكن شهيداً استشهد في المعركة.
والجنابة ضربان: إنزال المني عن مباشرة كان، أو احتلامأو غيره، من رجل كان أو امرأة. والتقاء الختانينوإن لم يكن معه إنزال، واعتبر أبو العباس الحسني في ذلك تواري الحشفة، وكلام يحيى في (الأحكام) يقتضي أنَّه يعتبر تماسهما. ويستوي في ذلك حكم الرجال والنساء.
قال أبو العباس : والإيلاج في بهيمة كالإيلاج في آدمي في وجوب الغُسْل، ولافصل في ذلك بين الكبيرة والصغيرة والميتة والحية، وفي قُبُلٍ كان أو دُبُرٍ، تخريجاً.
قال يحيى في (الأحكام) : (( ولو وَجَدَ في ثوبه منياً ولم يذكر /7/ جنابةً لوجب عليه الاغتسال )). وكلامه في هذا الفصل يدل على أنَّه يوجبه إذا كان ذلك الثوب لا يلبسه غيره. وكان أبو العباس رحمه اللّه يخرج على هذا القول: أن خروج المني يوجب الغسل عندهعلى أي وجه خرج، وهذا ليس بواضح عندي.
وحكى أبو العباس رحمه اللّه عن القاسم عليه السلام في ثلاثة أنفس في بيت واحد: جنب، وحائض، وميت، وهناك ماء في كوزٌ ولا يُقْدَرُ على غيره: أن أحقهم بالماء مَنْ كفاه، ومن لم يكفه فالتيمم بالصعيد، فإن كان يكفي كل واحد منهم على الانفراد ولا يكفي جماعتهم، فإن الأحق بالماء الحائض؛ لبعد عهدها بأداء الفرض، وحاجة زوجها إليها. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: والمسألة مبنية على أن الماء مباحٌ، فإن كان ملكاً لأحدهم فلا إشكال في أنَّه يكون أحق به.(1/56)

11 / 168
ع
En
A+
A-