ولو أن رجلاً اغتصب ناقة أو بقرة أو جارية أو غيرها من الحيوان، فَنَتَجَت عنده الناقة أو البقرة، أو ولدت الجارية، أخذها صاحبها مع أولادها، فإن هلكت الأم وبقيت الأولاد فله قيمة الأم يوم غَصَبَها وله الأولاد، وإن هلكت الأولاد وبقيت الأم أخذها ولم يستحق قيمة الأولاد، وإن هلكت الأم مع الأولاد استحق قيمة الأم دون قيمة الأولاد، إلا أن يكون هلاك الأولادبجناية من الغاصب فيلزمه قيمتهم.
ولو أن رجلاً اغتصب شجراً صغاراً فغرسها وسقاها حتى كبرت، فإن صاحب الشجر يستحقها بأعيانها ويقلعها ويأخذها.
ولو أن رجلاً اغتصب حيواناً من أي جنس كان وهو صغير فكبر، أو مهزول فسمن، فإن صاحبه يأخذه بزيادته، ولا يلزمه شيء، وإن هزل الحيوان ونقص أخذه بنقصانه، ولا يرجع على الغاصب بشيء، وإن اغتصبهوقيمته ألف، ثم صارت قيمته الفين لزيادة حصلت فيه، ثم تلف من غير جناية الغاصب، ضمن الغاصب قيمته يوم غصبه.
ولو أن رجلاً غصب عبداً أو حانوتاً أو دابة فاستغل ذلك، حُكم للمالك بالمغضوبوبغلته، فإن عَلَّمه الغاصب صناعة زادت في قيمته، أخذه مالكه على حاله من زيادة القيمة، وإن استغله الغاصب على ما علمه من الصناعة كانت الغلة لصاحبه، فإن تلف العبد لم يستحق صاحب العبد إلا قيمته إذا لم يحسن تلك الصناعة.(1/542)
فإن غُصِبَ العبد ثم أبق، فالغاصب يضمنه إلى أن يقبضه صاحبه، فإن ظفر به صاحبه سقط الضمان عن الغاصب، فإن أبق العبد ثانياً من عند مالكه أو خرج عن يده بغصب غاصب آخر، لم يضمنه الأول، على ظاهر نص يحيى عليه السلام، وإذا أبق العبد المغصوب فأخذ صاحبه من الغاصب قيمته وسلمها إلى صاحبه ثم ظفر به صاحبه فإنه/296/ يكون له، ويلزمه أن يرد على الغاصب ما أخذه، على ظاهر نص يحيى عليه السلام.(1/543)
باب ضمان المغصوب
إذا كان المغصوب مما لا ينقل ولا يحوَّل كالضياع والعقار، فإن الغاصب لا يضمنه بالغصب، على قياس قول يحيى عليه السلام، فإن كان مما ينقل أويحوَّل كالعروض والحيوان والمكيل والموزون، فإنه يضمنه إلى أن يسلمه إلى المغصوب منه، سواء كان تلفه بجناية منه أو بغير جناية، وإذا فوَّت الغاصب على المغصوب منه منافع المغصوب فعليه كراء مثله، سواء انتفع به أو لم ينتفع، نحو دار يغصبها أو حانوت، سواء سكنها أو لم يسكنها، أو أرض استغلها أو لم يستغلها، أو مركوب ركبه أو حمل عليه أو لم يحمل عليه أو لم يركبه، أو عبد استخدمه أو لم يستخدمه، على أصل يحيى عليه السلام.
وإذا اغتصب رجل شيئاً ثم استهلكه فعليه قيمته إن كان من ذوات القيم كالحيوان والعروض، وإن كان من ذوات الأمثال نحو المكيل والموزون فعليه رد مثله، فإن تلف المغصوب من غير جناية من الغاصب وهو مما يُضَمن بالغصب ضمنه، فإن لم يكن تَغَيَّر إلى زيادة أو تغير إلى نقصان فإنه يضمن قيمته يوم غصبه، وإن تغير إلى زيادة في جسم المغصوب، فالزيادة غير مضمونة، على قياس قول يحيى عليه السلام.
والإعتبار بالإستهلاك الذي يقتضي ضمان القيمة، ويحوَّل المستَهْلَك ملكاً للغاصب، بأن يكون فِعْل الغاصب قد أزال معظم منافعه وزال عنه اسمه، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ولو أن رجلا اغتصب نوى فزرعه أو بيضاً فحضنه، فخرجت فراخ، كان للمغتصب منه قيمة النوى والبيض فقط، وإن اغتصب غزلاً أو شعراً فنسج الغزل ثوباً وكذلك الشعر، كان للمالك قيمة الغزل والشعر. فإن اغتصب النوى فدقه دقاً يصلح للعلف أخذه صاحبه.(1/544)
وإذا اغتصب عبد مالاً فاستهلكه لزم سيده ضمانه، فإن شاء سلم العبد بجنايته، وإن شاء ضمن ما استهلكه إن كانت قيمته مثل قيمة العبد أو دونها، وإن كانت أكثر من قيمته/297/ لم يلزمه ما زاد على قيمة العبد، وإن كان الغاصب مُدَبَّراً، أو أم ولد لزم سيدهما قيمة ما استهلكاه إن كانت قيمته مثل قيمة العبد أو دونهما، وإن كان أكثر من قيمتهما لم يلزم سيدهما مازاد على قيمتهما. وإن كان الغاصب مكاتباً كان عليه ضمان ما استهلكه يسعى فيه مع كتابته، وإن كان صبياً حراً لزمه الضمان في ماله.
وإذا اغتصب مسلم ذمياً خمراً وأراقها أو خنزيراً فاستهلكه، في موضع يجوز لهم أن يسكنوه، فعليه قيمة ذلك، على قياس قول يحيى عليه السلام، ولا يلزمه رد مثل الخمر الذي استهلكها.
ومن أرسل بهيمة في ملك غيره فإنه يضمن ما أفسدته، سواء أفسدته من فورهأو بعده، على قياس قول يحيى عليه السلام.
قال أبو العباس رحمه اللّه: إذا اغتصب رجل شيئاً فغصبهغاصب آخر منه ذلك الشيء فتلف في يده، فلصاحب ذلك الشيء أن يُضَمِّنَ أيهما شاء، فإن ضَمَّن الأول رجع على الثاني بما ضمنه، وإن ضمن الثاني لم يرجع على الأول.(1/545)
ولو أن رجلاً اغتصب من رجل جارية، وباعها من رجل آخر، واستولدها المشتري أولاداً، فإن الجارية ترد على صاحبها، فإن كان المشتري قد علم أنها مغصوبة واستولدها فالأولادمماليك لصاحبها، يردون إليه مع الأم، وإن لم يعلم أنها مغصوبة، فإنه يضمن قيمة الأولاد لصاحبها، ويرجع بما غرم من قيمتهم على الغاصب، ويرجع بالثمن الذي أخذ منه سواء علم أنها مغصوبة أو لم يعلم، والأولاد أحرار لاحق نسبهم بالمشتري، ويلزمه العُقْر لصاحب الجارية مع قيمة الأولاد، ولا يرجع بما لزمه من العقر على البائع الغاصب، وقيمة الأولاد يجب أن تكون قيمتهم عند المطالبة بها، فإن مات الولد قبل مطالبة المستحق لم يضمن المشتري قيمتهم، على أصل يحيى عليه السلام.(1/546)