وإذا قال: لم تودعني شيئاً. ثم قال بعد ذلك: بل أودعتني ولكنها هلكت كان ضامناً لها، ولم يُصَدَّق على الهلاك، على أصله عليه السلام، وإن قال: استودعتني الف درهم. وقال الطالب: غصبتها. فالقول قول المستودع. فإن قال المستودَع: أخذتها منك وديعة، ضمن، وإن قال رب المال: اقرضتك قرضاً، وقال المستودع: وضعته عندي وديعة /293/ وضاع، أو أخذته منك وديعة وضاع، فلا ضمان عليه على أصله عليه السلام. وإذا ردها المستودع إلى المودع مع من جرت عادته باستحفاظها على يده من أهله وعياله لم يضمن على أصليحيى عليه السلام.(1/537)
باب أنواع الغصب
المغصوب إما أن يكون مما ينقل ويحوَّل كالثياب والحيوان ونحو ذلك، أو يكون مما لا ينقل ولا يحوَّل كالضياع والعقار، وإذا غُصِب الشيء فإما أن يكون حاصلاً في يد الغاصب بعينه من غير زيادة ولا نقصان، أو يكون قد حدث فيه زيادة أو نقصان، وإما أن يكون مستهلكاً.(1/538)
باب حكم المغصوب إذا وجد بعينه وقد أحدث فيه الغاصب شيئاً أو لم يحدث
إذا وُجد المغصوب بعينه استحقه صاحبه ووجب رده عليه.
ولو أن رجلاً غصب رجلاً أرضاً فبنى فيها بناء وغرس فيها غروساً، كان صاحب الأرض أولى بأرضه، ترد عليه ويحكم على الغاصب بنقض بنائه وقلع غرسه.
ولو أن رجلاً غصب أرضاً وزرعها كان الزرع للزرَّاع، ولصاحب الأرض على الغاصب كراء الأرض، على أصل يحيى عليه السلام، وقد نص عليه محمد بن يحيى عليهما السلام، فأما المروي عن القاسم عليه السلام من أن الزرع لصاحب الأرض، وللغاصب ما غَرِم في الزرع، فإن أبا العباس كان يتأوله، ويحمله على موافقة ما يقتضيه مذهب يحيى عليه السلام، وهو الصحيح. والغاصب يجب عليه كراء ما استهلكه من منافع المغصوب، على أصل يحيى عليه السلام.
ولو أن رجلاً غصب خشبة وبنى عليها بناء، حُكم عليه بنقض بنائه ورد الخشبة على صاحبها، وإن كان الغاصب لم يبن عليها، ولكنه دفعها إلى غيره فبنى الغير عليها، وجب أيضا ردها عليه، سواء علم أنها مغصوبة أو لم يعلم، وإذا لم يعلم الثاني أنها مغصوبة كان له أن يرجع على الأول بقيمة ما فسد من بنائه، فإن علم بذلك لم يرجع بشيء. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: إيجابه الرجوع على الأول - بما فسد من/294/ بنائه - يجب أن يكون محمولاً على أن الأول دفعها إليه بعوض أو باعها منه.
ولو أن رجلاً اغتصب ناقة أو بقرة أو شاة، أو غيرها نحو الطيور وسائر ما يذبح، فذبحها، كان صاحبها بالخيار، إن شاء أخذ ما ذُبح منها مذبوحاً، وإن شاء أخذ قيمته حياً.(1/539)
وإن اغتصب ثوباً فقطعه قميصاً أو غير قميص، كان صاحبه بالخيار إن شاء أخذ الثوب على ما وجده مقطوعاً أو مخيطاً، وإن شاء أخذ قيمته صحيحاً. وقال أبو العباس: فإن أحدث في الثوب تمزيقاً، فإن صاحبه يأخذه ويأخذ من الغاصب نقصان القيمة، وهو قياس قول يحيى عليه السلام.
ولو أن رجلاً غصب ثوباً فصبغه، أو باعه فصبغه المشتري، كان لصاحبه أخذه مصبوغاً، وليس للغاصب أن يغسل الصبغ عنه؛ وإن كان قد زاد في قيمة الثوب، فإن كان المشتري هو الذي صبغه ولم يعلم أنه مغصوب، كان له أن يرجع على الغاصب بقيمة الصبغ.(1/540)
ولو غصب رجل أم ولد فاستولدها، رُدَّت الجارية على سيدها، وكان الولد في حكم الأم يعتق بعتقها، ولا يلحق نسبه بالواطئ، وعليه الحد، ولا يلزم العقر. فإن كانت المغصوبة مُدَبَّرة فاستولدها، كان الولد مُدَبَّراً كالأم لصاحب الجارية، ولم يلحق نسبه بالواطئ. ولو غصبها ثم باعها فاستولدها المشتري، فالأولاد موقوفون، وحكمهم حكم الأم فيعتقون بعتقها، وتُرَدُّ هي على سيدها، فإن كان المشتري علم أنها مغصوبة فإنه غاصب كالأول، فإن لم يعلم ردت المغصوبة على سيدها، ويرجع المشتري على الغاصب بثمنها، ولا يرجع سيدها بقيمة الأولاد على أحد، ويلحق نسبهم بالمشتري. فإن كانت المغصوبة جارية ولم تكن أم ولد، فباعها واستولدها المشتري، فإن كان علم أنها مغصوبة فالأولاد مماليك لصاحب الجارية، يُرَدُّون عليه مع الأم، وإن لم يكن علم أنها مغصوبة فالأولاد أحرار لاحقٌ نسبهم بالمشتري، وللمستحق عليه قيمتهم، ويرجع هو بما لزمه من قيمتهم على الغاصب، ويرجع عليه بثمن الجارية، سواء علم أنها مغصوبة أو لم يعلم.
ولو غصب رجل أديماً فدبغه أخذه صاحبه مدبوغاً ولا شيء له عليه، وإذا زاد الغاصب/295/ في المغصوب مالا يكون مستهلكاً فيهويمكن فصله عنه، نحو أن يحلي السيف أو اللجام أوالدواة بذهب أو فضة، كان للغاصب قلعه عنه، فإن لحق المغصوب منه ضرر من أخذه منه ضمنه للغاصب إن كان الضرر يسيراً، وإن كان كثيراً كان مخيراً بين أخذه وأخذ النقصان، وبين تسليمه وأخذ قيمته صحيحاً، على أصل يحيى عليه السلام.(1/541)