قال: وله أن يقف الثلث وما دونه على مَنْ شاء كيف شاء، وما يفعل من ذلك يكون صحيحاً ممضى. قال السيد أبو طالب: والمنصوص عليه في (الأحكام) خلافه، وكذلك ما نص عليه القاسم عليه السلام في (مسائل ابن جهشيار).
ويصح الوقف وإن لم يخرجْه الواقف من يده.
قال القاسم عليه السلام: يصح أن يقف الرجل ماله على نفسه وولده إذا كان في سبيل من سبل اللّه، ولا يصح الوقف على البِيَع والكنائس، وبيوت النيران، وعلى سائر ما لاقربة فيه من محظور أو مباح محض، وكذلك الوقف على أبنية القبور وعماراتها؛ لأن ذلك خلاف السنة، على أصل القاسم عليه السلام.(1/532)
باب ما يجوز إحداثه في الوقف وما لا يجوز
لا يصح الرجوع في الوقف ولا نقضه ببيع ولا هبة، سواء أخرجه الواقف من يده أو لم يخرجه، وأما ما أطلقه يحيى عليه السلام في (المنتخب) من أن الوقف يصح وإن لم يكن مؤبداً؛ فإنه محمول على أنه يصح ولولم يكن له سبيل مؤبد، فإذا انقطع ذلك السبيل عاد إلى الواقف وقفاً لا ملكاً.
ويجوز أن يُرْهَن الوقف سنة أو سنتينأو نحو ذلك، وكذلك يجوز إجارته مدة قريبة نحو السنة والسنتيندون المدة الطويلة فإن ذلك مكروه.
قال القاسم عليه السلام - فيما حكاه عنه علي بن العباس -: إذا انتهى الوقف إلى حد لا يصح الإنتفاع به في الوجه المقصود نحو العبد الموقوف والبقرة، وكذلك الفرس فإنه يجوز بيعه وصرف ثمنه إلى شيء يوقف مكانه على ما كان موقوفاً عليه/291/.(1/533)
باب ما يوجب ضمان الوديعة وما لا يوجبه
الوديعة لا تُضمن إلا بجناية من المستودع فيها وتَعَدٍّ، فإن تلفت بغير جناية لم تُضمن، فإن تلفت بجناية منه ضمنها. ومِنَ التعدي فيها أن يعيرها، أو يرهنها، أو يستودعها غيره من دون إذن صاحبها، فإذا فعل ذلك فتلفت ضمنها. قال أبو العباس رحمه اللّه: فإن تعدى فيها فسلمت، وردها إلى موضعها ثم تلفت لم يضمنها، على مقتضى نص يحيى عليه السلام.
وإذا دفع المستودع الوديعة إلى أهله وولده وسائر من يثق به في أسبابه، ليحفظها في منزل المودَّع الذي يسكنه فتلفتلم يضمنها، وإن دفعها إلى هؤلاء ليحفظوها في غير منزله الذي يسكنه فتلفت ضمنها، فإن سافر بها من دون إذن المودِّع ضمن، فإن كان أذن له في أن يمسكها على الوجه الذي يراه لم يضمن.
وإذا أودع رجل صُرَّة ففتحها وأخذ منها شيئاً ثم تلفت الصرة لم يضمنها وإنما يضمن ما أخذه. وإذا ادعى المستودع تلف الوديعة من غير تَعَدٍّ منه، فالقول قوله مع يمينه.
قال يحيى بن الحسين في (المنتخب) : إذا اشترى المستودع بالوديعة بضاعة، فربح فيها، كان الربح لصاحب الوديعة، وللمستودع أجرة مثله. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: هذه المسئلة لها ترتيب عند أصحابنا قد ذكرناه في (الشرح) .
وإن غاب ربُّ الوديعة ولم يعلم المودَّع أحي هو أم ميت فإنه يمسكها أبداً، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ولو أن رجلا أودع رجلاً مالاً فخلط المودَّع الوديعة بغيرها، فإن أمكن تمييزها بعينها لم يضمن، وإن خلطها خلطاً لا تتميز عن غيرها ضمن، على قياس قول يحيى عليه السلام.(1/534)
باب التباس الوديعة
لو أن رجلاً أودعه رجلان وديعة، فادعى الوديعة كل واحد منهما لنفسه، والتبست حالهماعليه، فلم يدر أيهما أودعها، وقفت إلى أن تقوم البينة بها، فأيهما أتى بالبينةعلى أنها له سلمت إليه منه، وإن أتيا بها جميعاً قسمت بينهما نصفين/292/، وإن لم يكن لهما بينة فمن حلف منهما على أنها له سلمت إليه، فإن حلفا جميعاً قسمت بينهما نصفين.
ولو أن رجلاً أودع رجلاً وديعة نقداً ومات ولم يعرف الورثة الوديعة لم يضمنوها، فإن ادعا عليهم أنهم يعرفونها فله عليهم اليمين.
ولو أن رجلا أودع صبياً وديعة فأتلفها، فلا ضمان عليه، على قياس قول يحيى عليه السلام.(1/535)
باب اختلاف المودع والمستودع
وإذا أودع رجل رجلاً ألف درهم وديعة وله عليه من الدين ألف درهم فدفع إليه المستودع الف درهم، واختلفا، فقال صاحب الوديعة: ما أخذته منك فهو الوديعة التي كانت عندك. وقال المستودع: الوديعة قد ضاعت وما أخذتَه فهو الدين الذي كان لك علي، فالقول قول المسْتَوْدَع مع يمينه، على قياس قول يحيى عليه السلام.
وإن دفع المستودَع الوديعة إلى أجنبي فتلفت، وقال المستودَع: أنت أمرتني بدفعها إليه، فأنكر صاحب الوديعة ذلك، ضمنها المستودَع؛ إلا أن يقيم البينة على ما ادعاه، على قياس قول يحيى عليه السلام.
والمستودَع إن جحد الوديعة، فأقام الموَدِّع البينة أنه استودعها إياه، وأقام المستودع البينة على أنها تلفت ضمنها المستودع، على أصل يحيى عليه السلام، وإن طلب الموَدِّع الوديعة، فقال المستودَع: قد رددتها عليك. فالقول قوله مع يمينه، على أصل يحيى عليه السلام.
وكذلك إن قال: ذَهَبَتْ ولا أدري كيف ذهبت، وكذلك إن قال: بعثت إليك بها مع رسولي، وسمى بعض عياله، فإن سمى أجنبياً فهو ضامن حتى يقر المودِّع بوصولها إليه، وكذلك العارية، فإن قال: بعثت بها إليك مع هذا الأجنبي ثم استودعتهاإياه، ثم ردها إلي فضاعت عندي، فهو ضامن، على أصل يحيى عليه السلام.(1/536)