باب اختلاف الواهب والموهوب له
إن قال الواهب للموهوب له بعد استهلاكه للهبة: إنما وهبت لك على أن تعوضني. وقال الموهوب له: ما علمت ذلك. لم يكن له عليه شيء، فإن ادعى الواهب أنه علم ذلك وطالبه/287/ باليمين على أنه لم يعلم، كانت له عليه اليمين.
ولو أن رجلاً صاغ لابنته قُلْباًأو غير ذلك، فلما مات أبوها طالبها إخوتها بذلك، فإن كانت لها بينة على أن أباها وهب لها ذلك الشيء كان لها، وإن لم يكن لها بينة كان ميراثاً بين جماعة الأولاد. قال في (المنتخب) : ينظر في ذلك، فإن خرج من الثلث صح لها إذا أقامت البينة، وإن لم يخرج من الثلث رُدَّ إلى الثلث.
ولو أن رجلاً وهب لرجل أرضاً وأراد الرجوع فيها. وقال: وهبتها وفيها غِلَّة. وقال الموهوب له: لم يكن فيها غلة. كان القول قول الموهوب له مع يمينه، والبينة على الواهب، على قياس قول يحيى عليه السلام.(1/527)


باب العُمْرَى والرُّقْبَى
الرقبى والعمرى هما أن يقول الرجل لآخر: أعمرتك داري هذه أو غيرها، أو أرقبتك . فإذا قال ذلك فأيهما قال هذا فيه وأطلقه فهو هبة، فإن قيد ذلك وقال: أعمرتك هذه الدار أيام حياتك فاسكنها ما عشتَ، أو هذه النخلة فكل منها ما عشتَ كانت له مدة حياته، فإذا مات رجعت إلى ورثة الْمُعْمِر.
وتصح العمرى والرقبى في الضيعة والدار والجارية والنخلة والشاة والجمل وغيرها مطلقين ومقيدين.
وإذا أعمر رجل رجلاً جارية عمرى مؤقتة، نحو أن يقول له: أعمرتك جاريتي هذه مدة عمري أو عمرك، لم يجز للمعمَر له أن يطأها، فإن وطئها عالماً بالتحريم لزمه الحد، وإن استولدها كان الولد مملوكاً لسيد الجارية، وإن وطئها غير عالم بالتحريم لشبهة العُمْرَى أُسقط عنه الحد، ولزمه قيمة ولده لسيد الأمة، ويلزمه عُقْرها، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ولو أن رجلاً أعمر رجلاً جارية أو داراً أو غيرهما عمرى مطلقة، ثم ادعى أنه أعمره إلى وقت، كانت البينة عليه واليمين على المعمَر، فإن نكل رجع الشيء إلى الْمُعْمِر، وله رد اليمين عليه، فإن رد وحلف رجع أيضا إليه وإن لم يحلف صح للمعمَر له، وإذا كانت العمرى والرقبى جارية كره للمُعْمَر والْمُرْقَب أن يطأها حتى يتبينأن ذلك/288/ غير مؤقت.
وإذا أعمر رجل جارية عمرى مطلقة ومات المعمر قبل أن يطأها، كان لولده من بعده أن يطأها.(1/528)


باب السكنى
من دفع إلى رجل عَرَصَة له ليبنيها ويسكنها، فإما أن يكون قد دفعها مطلقاً من غير توقيت أو دفعها إلى وقت معلوم، وعلى الوجهين جميعاً له أن يستردها ويطالبه بتفريغها، ويحكم عليه بأن يفرغها وينقض بناءه ويردها. فإن كان دفعها إليه مؤقتاً بوقت فطالبه بتفريغها بعد مضي الوقت، فلا شيء على صاحب العرصة، وإن طالبه بذلك قبل انقضاء المدة، أو كان دفعها إليه غير مؤقت بوقت، فعليه للباني قيمة بنائه.
قال يحيى عليه السلام في (المنتخب) : فيمن دفع إلى غيره عرصة وشرط أن لا يبرح فيها هو وعقبه، لم يجز له أن يخرجهم منها إلا بحدث يحدثونه في الإسلام، فإن احدثوه وأراد الدافع أو ورثته إخراجهم منها، غرم لهم قيمة بنائهم.
قال: ولو أنه لما دفع العرصة إليه قال له: إبنها لك سكنى إلى أن تموت، فبناها وسكنها ثم مات الدافع، لم يكن لورثته إخراجه منها ما دام حياً، فإذا مات كان لورثة الدافع أن يستردوا العرصة، ويطالبوا ورثة الباني بتفريغها، فإن كان الدافع اشترط أن يكون له البناء بالسكنى، وقال له: ابنها واسكن بالبناء فيها، فبناها ولم يسكنهاومات، قضي على ورثة الباني بنقض البناء ويكون النقض لهم، وإن كان حين بناها سكنها قليلاً أو كثيراً ثم مات، كان نقض البناء لصاحب العرصة إن كان حياً، وإن كان ميتاً فهو لورثته، وإن كان الدافع لم يشترط البناء كان النقض لورثة المدفوع إليه إذا طالبوابتفريغ العرصة.(1/529)


باب صحة الوقف وذكر ما يصح أن يوقف وما ينعقد به الوقف
يصح أن يقف الرجل ضيعته وداره على من يشاء/289/ وكل ما يملكه الإنسان ويصح الإنتفاع به مع بقاء عينه فإنه يصح أن يوقف، نحو الدار والضيعة والحيوان من رقيق وفرش وماشية وما أشبهه.
قال القاسم عليه السلام: لو أن رجلاً جعل أرضه مقابر للمسلمين لم يحلله أن يرجع فيها، إلا أن يكون أكثر من ثلث ماله، فله أن يمسك الثلثين على نفسه ويُمْضِيَ الثلث فيما جُعِل له.
قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: إنما شرط الثلث على قوله: إن من نذر أن يتصدق بجميع ماله كان الثلث منه صدقة، وقد قال القاسم عليه السلام في (مسائل ابن جهشيار) : مَنْ وقف من ماله أكثر من الثلث جاز. وعلى أصل يحيى عليه السلام - الذي نص عليه في (الأحكام) - يجب أن تصح الصدقة والنذر في جميع ماله إذا فعله في حال الصحة.
حكى على بن العباس إجماع أهل البيت عليهم السلام على أن وقف المشاع جائز، وقد بينا في (الشرح) ما صح عندنا فيه، واللفظ الذي ينعقد به الوقف يجب أن يكون متضمناً لمعني القربة، نحو أن يقول وقفت أو حَبَّست في سبيل اللّه، أو لله، على قياس قول القاسم عليه السلام.(1/530)


باب سبيل الوقف وذكر شروطه
إذا قال الواقف: تصدقت أو وقفت لله، ولم يبين المصرف صح الوقف، ويكون وقفاً على المساكين والفقراء، فإذا ذكر له مصرفاً بعد ذلك جاز، ويصح الوقف وإن لم يذكر الواقف له سبيلاً يتأبد. وإذا ذكر له سبيلاً ينقطع نحو أن يقول: وقفت داري أو غيرها على فلان. يكون ذلك وقفاً عليه وبعده على ورثته، وإن لم يكن له ورثة رجع إلى الواقف أو إلى ورثته، ويكون بينهم على فرائض اللّه تعالى.
ولو أن رجلاً وقف ضيعة له أو داراً عشر سنين أو أقل أو أكثر على رجل صح ذلك، فإن مات الموقوف عليه قبل العشر، كانت وقفاً على ورثته إلى انقضاء المدة، ثم يعود الوقف إلى صاحبه الواقف.
ولو وقف ماله على ولد له صح ذلك، وكان وقفاً على أولاده من بعده، وكذلك إذا وقفه على جماعة أولاده كان وقفاً على ذريتهم.
وإن وقف ماله كله على بعض ولده دون بعض نحو أن يقفه على الذكور من ولده وولد ولده/290/ دون الإناث، فإن أجازه الذين لم يقفه عليهم كان ذلك وقفاً على الذين وقفه عليهم، وإن لم يجيزوه كان الثلث وقفاً على الذين وُقِفَ عليهم من الذكور دون الإناث، والباقي يكون وقفاً على جماعتهم من الذكور والإناث على فرائض اللّه سبحانه.
قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: هذه رواية (المنتخب) ، والمنصوص عليه في (الأحكام) يقتضي صحة الوقف على من وقفه عليه. وقال في (المنتخب) في رجل وقف ماله على خلاف ما يقتضيه الميراث، نحو أن يقفه كله على بناته دون عصبته، صح الوقف وقُسِمَ بين الورثة على حكم اللّه سبحانه. يعني الزائد على الثلث.(1/531)

106 / 168
ع
En
A+
A-