باب جناية الرهن
ولو أن رجلاً رهن عبداً على دَيْنٍ له، فقتل العبدُ المرتَهِنَ عمداً، سُلِّم العبد إلى ورثة المرتهن وحكم عليه بما يحكم به على العبد القاتل عمداً وانتقض الرهن، ويكون الدَّين ثابتاً لورثة المقتول على الراهن يطالبونه به، وإن قتلخطأً وسلمه الراهن بجنايته انتقض الرهن أيضا ويكون الدين ثابتاً عليه، وإن فداه كان له ذلك.
قال أبو العباس: وكذلك القول إن كان العبد قد قتل قبل عقد الرهن، وكذلك إن قتل أجنبياً عمداً أو خطأ حكم على العبد بذلك، وكان دين المرتهن ثابتاً على الراهن، وكذلك إذا قتل مولاه الراهن عمداً.
وإذا جنى العبد المرهون على صاحبه الراهن خطأ فهي باطلة؛ لأنه ماله. وكذلك إذا جنى على ماله خطأ.
فإن رهن عبدين له عند رجل فقتل أحدُهما الآخر عمداً كان له أن يقتله، فإن كان الراهن الذي رهن العبدَ - الجاني عمداً أو خطأ - معدماً ترك العبد في يد المرتهن إلى أن يجد الراهن ما يوفي به حق المرتهن ثم يحكم على العبد بما يلزمه.
ولو رهن رجل عبداً فاغتصب العبد مالاً لرجل واستهلكه، كان ضمانه على الراهن، ولم يضمن المرتهن شيئاً منه.(1/512)


باب تلف الرهن وانتقاصه وما يحدثه المرتهن فيه
إذا كان عَقْدُ الرهن صحيحاً فتلف عند المرتهن أو تلف بعضه/279/، ضمنه المرتهن، والراهن والمرتهن يترادان الفضل، وإن تلف من الرهن بعضه أو حدث فيه ما يُنَقِّص قيمته، كان الحكم فيه ما بينا من أن الراهن والمرتهن يترادان الفضل بينهما في قدره، ولا فرق بين أن يكون تلف الرهن أو تلف بعضه بجناية من المرتهن أو بغير جناية منه.
وإذا كان الرهن فاسداً فتلف كان تلفه من مال الراهن، ولم يضمنه المرتهن، وفوائد الرهن التي صارت رهناً مع الأصل كالولد وثمرة الأرض، فحكمها إذا تلفت حكم الأصل، في أنها تكون مضمونة على المرتهن.
ولو أن رجلاً رهن رجلاً رهناً على دين له مؤجل وقيمة الرهن دون الدَّين، فتلف قبل حلول الأجل، لم يكن للمرتهن أن يطالب الراهن بفضل الدين قبل حلول الأجل.(1/513)


ولو أن رجلاً رهن رجلاً إكليلاً من ذهب، فانشدخ الإكليل بغير جناية من أحد، نحو أن يسقط عليه شيء فيشدخه، ولم يكن نقص من وزنه شيء، ولاكان فيه جوهر فانكسر لم يضمنه المرتهن، فإن كان نقص من وزنه شيء أو كان فيه جوهر فانكسر، ضمن المرتهن النقصان من وزنه وانكسار جوهره. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: المسئلة محمولة على أن يكون الرهن الذي هو الإكليل مرهوناً بجنسه، فإن كان انشداخه بجناية من المرتهن ضمن ما نقصه الهشم من قيمته، وإن كان ذلك بجناية غير المرتهنضمن الغير نقصانه، ويكون للراهن مطالبة المرتهن به، وللمرتهن مطالبة الجاني، فإن كان الإكليل مرهوناً بغير جنسه، نحو أن يكون من الذهب وهو مرهونٌ بالفضة أو من الفضة وهو مرهون بالذهب، فإن المرتهن يضمن قيمة النقصان، سواء كان النقصان بجناية منه أو بغير جناية، على الأصل الذي اعتبرناه، وهو أصل يحيى عليه السلام.
ولو أن رجلاً رهن رجلاً ثوباً فقرضه الفأر أو لحقته آفة، ضمن أرش النقصان إن كانت له قيمة بعد النقصان، وإن كان مما لا قيمة له بعد ذلك ضمن قيمة الثوب كله، وكذلك إن رهنه داراً فتهدمت أو سُرِقت أبوابها ضمنها المرتهن، فإن سكن المرتهن الدار المرهونة سقط من الدين قدر أجرة سكناه، فإن استغرقت الأجرة الدين سقطالدين، وسلمت الدار إلى الراهن/280/، وإن أكراها المرتهن واستغلها ولم يستهلك غلتها، كانت الغلة رهناً مع الأصل حتى يستوفي جميع حقه، وإن ذهبت الغلة باستهلاكه أو بغير استهلاكه، كان المرتهن ضامناً لها.(1/514)


فإن كان الرهن مركوباً فركبه المرتهن، سقط قدر أجرته من الدَّين، وليس للراهن أن يزرع الأرض المرهونة بغير إذن المرتهن، فإن زرعها كان الزرع رهناً مع الأصل، وإن تلف الزرع لم يضمنه المرتهن. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: والمراد به أن يكون الزرع في يد الراهن ولم يتسلمه المرتهن، فإن زرعها المرتهن بإذن الراهن كان الزرع رهناً مع الأصل ويضمنه المرتهن إن تلف، وإن زرعها المرتهن بغير إذن الراهن كان الزرع للمرتهن وعليه كراء الأرض، ولا يكون ما يلزمه من كراء المثل رهناً في يده ويلزمه تسليمه إلى الراهن.
ولو أن مرتهناً شج عبداً ارتهنه مُوْضِحَة، ضمن نصف عشر قيمة العبد.
ولو أن رجلاً رهن عبداً عند رجل وهو يساوي ألفاً على ألف، ثم جاءه بجارية تساوي ألفاً، وقال للمرتهن: خذها رهناً بدلا من العبد، فرضي المرتهن بذلك وقبضها منه، ثم ماتت الجارية قبل رد العبد إلى الراهن، كانت الجارية هي الرهن وسقط الدَّين عن الراهن بقيمتها.
ولو أن رجلاً غصب عبداً ورهنه رجلاً، وجاء صاحب العبد قضي له بعبده، وللمرتهن أن يطالب الراهن بحقه، فإن جاء صاحب العبد لعبده وقد تلف العبد في يد المرتهن، فإن كان المرتهن لم يعلم أن العبد مغصوب قضي لصاحب العبد على الغاصب - الذي هو الراهن - بقيمة عبده، وقضي للمرتهن بدينه على الغاصب الذي هو الراهن، وإن كان المرتهن علم أنه مغصوب، كان الْمُسْتَحِق بالخيار إن شاء طالب الراهن بقيمته وإن شاء طالب المرتهن.(1/515)


ولو أن رجلاً رهن عند رجل ثوباً على عشرة دراهم فباعه المرتهن بخمسة عشر درهماً وفَرَّ، قضي بالثوب لصاحبه الذي هو الراهن، وقضى للمشتري عليه بعشرة دراهم التي هي دين المرتهن في ذمته، وقضي بالفضل على بائعه، وإن كان المرتهن لم يبع الثوب ولكنه رهنه بخمسة عشر درهماً وهرب، فالحكم فيه مثل ما بيناه في المسألة الأولى.
ولو أن رجلاً/281/ استعار من رجل ثوباً قيمته خمسون درهماً على أن يرهنه بعشرين درهماً فرهنه بإذن المعير، وتلف الثوب عند المرتهن، قضي عليه للراهن بثلاثين درهماً وقضى للمعير على الراهن بقيمة الثوب وهي خمسون درهماً، فإن كان المستعير لما استعاره لبسه لبساً نقصه من قيمته عشرة دراهم، ثم رهنه على عشرين درهماً فتلف، قُضي للراهن على المرتهن بعشرين درهماً، وقضي لصاحب الثوب على الراهن بخمسين درهماً، فإن كان المستعير لَمَّا استعاره أذن له المعير في لبسه مدة، فلبسه لبساً نقص من قيمته عشرة دراهم، ثم رهنه على عشرين درهماً فتلف، قضي على المرتهن للراهن بعشرين درهماً، وعلى المستعير - الذي هو الراهن - للمعير بأربعين درهماً.(1/516)

103 / 168
ع
En
A+
A-