وليس للراهن أن يحدث في الرهن مكاتبة، ولا بيعاً، ولا صدقة، ولا هبة، ولا تدبيراً، ولا إنكاحاً، ولا مؤاجرة، ولا أن ينتفع منه بركوب ولا غيره من ضروب المنافع، إلا بإذن المرتهن.
قال أبو العباس: ولو تعاقدا على الرهن، ثم امتنع صاحب الرهن من إقباضه، لم يجبر عليه، على أصل يحيى عليه السلام، وكذلك لو مات أحدهما.
وإذا استعار الراهن من المرتهن الرهن فأعاره خرج عن ضمانه ولم ينفسخ الرهن، وإذا كان لرجل حق على رجل فطالبه بالرهن، فتبرع رجل آخر بدفع الرهن إليه لم يكن ذلك رهناً. ولو تكفل بوجهه وأعطاه رهناً عليه لم يكن رهناً. ولو أخذ الْمُودِع من الْمُودَّع رهناً على ما أودعه إياه لم يكن رهنا، وكذلك الرهن على مال المضاربة والرقبة المستأجرة لا يصح أن يكون رهناً، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ولو ضمن رجل علىرجل مالاً ثم أعطا صاحب الحق رهناً صح الرهن.
ولو أن رجلاً قال لآخر إن لم يعطك فلان حقك الذي عليه إلى آخر الشهر فهو عَلَيّ، وأعطاه رهناً به، لم يصح الرهن إلا بعد رأس الشهر ووجوب الحق.
فإن مات الراهن وعليه ديون أو أفلس، كان المرتهن أولى بالرهن، فإن كان فيه فضل رَدَّه على الغرماء، وإن كان الفضل في الدَّين كان أسوة الغرماء، وتكون الزيادة في الدَّين على الرهن، والزيادة في الرهن على الدَّين.(1/507)
ولو كان الرهن نخيلاً أو شجراً من شجر الفواكه أو أمة، أو ناقة، أو غيرهما من الحيوان فأثمرت النخلة أو الشجرة، أو ولدت الأمة، أو نتجت الناقة، كانت الفروع التي هي الغلة والولد واللبن رهناً مع الأصول، ولم يجز للراهن أن يأخذ منه/276/ شيئاً حتى يؤدي جميع ما عليه.
ولو أن رجلاً استعار من رجل ثوباً أو غيره، ورهنه عليه خاتماً أو سواه كان الرهن صحيحاً، وكانأخذ المعير من المستعير الرهن تضميناً للعارية.
ولا فصل بين أن يكون الراهن تبرع بالرهن أو طلبه المرتهن، فإذا رضي الراهن والمرتهن ببيع الرهن ليستوفي المرتهن حقه منه وأذنا فيه، ودفعه المرتهن إلى من يبيعه فتلف، لم يضمنه المرتهن.
وإن رهن رجل أرضاً فيها زرع مشترك بينه وبين الزرَّاع وأدخل الزرع مع الأرض في الرهن، كان الرهن فاسداً، وإن رهن الأرض وحدها كان ما يحصل من الزرع رهناً مع الأرض.
ولو أن المرتهن اشترط على الراهن أنه لا يضمن الرهن إن تلف أو لا يضمن بعضه، كان الشرط باطلاً، وكذلك لو اشترط الراهن على المرتهن أنه لا يضمن ما يَفْضُل له من الدَّين عن الرهن، كانالشرط باطلاً.
ولو أن رجلاً رهن رجلاً أرضاً، فغلب عليها العدو وأخرجوا أهل البلد، فلم يقدر الراهن ولا المرتهن على الأرض بطل الرهن، وكان مال المرتهن ثابتاً على الراهن، وكذلك إن خَرَّب العدو الدار فلا ضمان على المرتهن. قال أبو العباس: المراد بقوله: إن خرب العدو الدار التي هي بلدهم. فأما الدار التي هي رهن فالتخريب لا يُخْرِج عن الضمان، على أصل يحيى عليه السلام.(1/508)
وإذا ادعى المرتهن فيما ينقل ويحول من ذهب أو فضة أو غير ذلك، أن قطاع الطريق أخذوه، ضَمِنَه، ويترادان الفضل.
قال أبو العباس: إذا رهن واحد عند اثنين شيئاً صفقة واحدة جاز ذلك، وكان كله رهناً عند كل واحد منهما، على أصل يحيى عليه السلام، فإن رهن عند أحدهما نصفه ثم عند الآخر نصفه لم يجز.
ولو كان شيء واحد بين شريكين فرهناه جميعاً معاً جاز، ولو رهن رجل شيئاً هو بينه وبين شريكه عند شريكه لم يجز.(1/509)
باب التسليط على الرهن
وإذا رهن رجل رجلاً شيئاً على دين له، وقال له قد سلطتك على هذا الرهن فبعه إذا جاء وقت كذا، فباعه المرتهن في ذلك الوقت، جاز بيعه، فإن كان في ثمنه فَضْلٌ رُدَّ على الراهن، فإن/277/ كان الراهن بعد هذا القول وَفَّى المرتهن بعض دينه، كان ناقضاً للتسليط؛ لأن الرَّهن إذا توىضمنه المرتهن، سواء كان ذلك بفعله أو بغيره أو مات حتف أنفه. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: هذا محمول على أنه أمارة نقض التسليط، لا أنه نقض صحيح، فإن باعه المرتهن بعد ذلك وعلم الراهن ببيعه له وسكت ولم ينكره، كان ذلك رضاً بالبيع.
قال أبو العباس رحمه اللّه: إن عزله الراهن بعد قوله له: بع، كان معزولاً لا يصح بيعه، على أصل يحيى عليه السلام.
وإن قال الراهن للمرتهن: إن جئتك بحقك إلى وقت كذا وإلا فالرهن لك، كان ذلك الشرط باطلاً، وإذا رافع المرتهن الراهن إلى الحاكم كان للحاكم أن يبيع عليه رهنه ويوفي دين المرتهن، وإن دفع الحاكم الرهن إلى المنادي ليبيعه فتلف على يده ضمنه المرتهن للراهن، وترادا فيه الفضل، وضمنه المنادي للمرتهن، فإن كان الراهن أذن للمرتهن في دفعه إلى من يبيعه فتلف على يده لم يضمنه المرتهن، وضمنه المنادي للمرتهن، فإن كان الراهن أذن للمرتهن في دفعه إلى من يبيعه فتلف على يده لم يضمنه المرتهن وضمنه المنادي للراهن.
وإذا سلط الراهن المرتهن على بيع الرهن فباعه المرتهن، وفَرَّ المشتري قبل أن يوفيه الثمن، كان دين المرتهن ثابتاً على الراهن.(1/510)
باب حكم ما يحدث الراهن في الرهن
لا يجوز للراهن أن يحدث في الرهن بيعاً، ولا كتابة، ولا تدبيراً، ولا صدقة، ولا هبة، ولا إنكاحاً، ولا مؤاجرة، فإن باعه لم يجز البيع. قال السيد أبو طالب: المراد به أنه لا ينبرم بحيث لا يمكن تسليمه.
ولو أن رجلاً رهن عبداً يساوي ألفين على ألف درهم، ثم أعتقه والرجل مؤسر عتق العبد، ووجب عليه الخروج من حق المرتهن أو إبداله رهناً آخر، وإن كان معسراً عتق العبد بمقدار الفاضل عن الدين ويكون رهناً في يد المرتهن، ويُنَجِّم على الراهن مال المرتهن ليؤديه على ما يمكنه، فإذا أداه عتق العبد. قال السيد أبو طالب: معنى هذا أن المرتهن يبقى له فيه حق الحبس بقدر دينه، فإذا أداه ارتفع حق الحبس ونفذ العتق.
فإن رهن عبداً يساوي/278/ ألفاً أو يساوي ثمان مائة، على ألف، ثم اعتقه لم يصح العتق ولم ينفذ حتى يؤدي الراهن حق المرتهن، فإذا أداه صح العتق، وإن أراد الراهن - بعد العتق وقبل فكه بأداء الحق - بيعه أو هبته مُنِعَ منه، ويلزم الراهن توفير حق المرتهن وفداء المعتق إذا أمكنه، ويجبر عليه إذا امتنع منه.
فإن دبر الراهن العبد وكان مؤسراً كان مُدَبَّراً، والقول فيه كالقول في المعتق، وإن كان معسراً بيع بدين المرتهن.
ولو أن رجلاً رهن رجلاً جارية، فولدت وأقر سيدها بالولد انفسخ الرهن.(1/511)