ولو أن شريكين اشتركا في كَرْم وما أشبهه، فاقتسما الأصول دون الفروع، كانت القسمة باطلة، ولهما نقضها حتى تعاد/272/ القسمة مع الفروع، فإن اقتسموا الفروع دون الأصول كانت القسمة باطلة، وإن اقتسموها على شرط قطع الفروع جاز، وإن لم يشترطوا قطعها لم يجز.
ولو أن رجلين اقتسما أرضاً وأشجارها على أن ما صار من أغصانِ نصيبِ كل واحد منهما في أرض الآخر تكونثمارها له، كانت القسمة باطلة، فإن تراضيا بذلك - لا على سبيل القسمة - جاز. وإذا اعوجت نخلة أصلها في أرض فصار فرعها في غير أرض صاحبها وثمرها يسقط فيها، حكم على صاحب الأرض التي يتساقط إليها ثمر جاره بتسليم الثمر إليه، ويحكم على صاحب النخلة بقطع ما صار إلى أرض جاره من فروعها أو رفعها عنه إن أمكن ذلك.
وإن كانت أرضون متفرقة بين جماعة، وكان حق بعضهم في كل قطعة منها يسيراً لا ينتفع به لقلته، كان له أن يطالب شركاءه بأن يجمعوا حصته عند القسمة في موضع واحد، ويحكم له عليهم بذلك إذا تبين الصلاح فيه.
قال يحيى في (المنتخب) : لو أن جماعة بينهم شركة في دابة أو عبد، فاضطر أحدهم إلى بيع نصيبه، ونصيبه لا يشترى منفرداً، حكم على شركائه بابتياع نصيبه منه أو بيع حصصهم معه. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: لا يبعد أن يكون معنى قوله: حكم عليهم بذلك أنهم يؤمرون به على وجه الإستحباب والاستحسان لدفع الضرر عن شريكهم، لا على وجه القطع والإلزام.(1/502)


باب ما يصح قسمته ومالا يصح
كل شيء لا يتأتى فيه القسمة أو كانت القسمة تضره نحو حيوان واحد، أو فُصّ، أو سيف، أو حانوت صغير، أو بيت لا ينتفع به إذا قُسم، أو حَمَّام واحد، أو رحا، فإنه لا يُقْسَم، فإن طلب بعض الشركاء قسمته لم يقسم الحاكم شيئاً منه، على مقتضى نص يحيى عليه السلام، وقد ذكره أبو العباس رحمه اللّه.
قال أبو العباس رحمه اللّه: يصح الخيار في القسمة كما يصح في البيع، ويصح قسمة الأرض التي فيها ثمرة، فإن كانت الأرض مبذورة فقسموا الأرض من دون البذر كانت القسمة جائزة.
ولا تصح قسمة/273/ السقوف مذارعة، على قياس قول يحيى عليه السلام، وإنما تصح على التقويم.
ويصح قسمة الرقيق وسائر الحيوان، وسائر التركات كالحبوب والثياب والأدهان ونحوها، على موجب نص يحيى عليه السلام، وقد ذكره أبو العباس رحمه اللّه تخريجاً على نصه عليه السلام.
وتصح قسمة الماء في العيون والأنهار.(1/503)


باب كيفية القسمة ومن له توليتها وأجرة القَسَّام
القسمة - على ما ذكره أبو العباس وخرجه على أصل يحيى عليه السلام - إما أن تكون بإفراز المقسوم وتحديده من غير تقويم إذا أمكن ذلك، بأن يكون المقسوم أرضاً متساوية الأجزاء في القيمة، وإما بالتقويم إذا كانت مختلفة الأجزاء في القيمة، وكذلك الدور والعقار، وما يخرج عن هذين الوجهين يكون بالمهاياة والتراضي.
قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه: إن طلب بعض الشركاء القسمة بالقيمة دون التحديد فله ذلك، إذا كان في القسمة بالحدود ضرر، وإذا كانت داران بين نفسين، وطلبا من الحاكم قسمتهما، قَسَمهما - على أصل يحيى عليه السلام - على الأصلح لهما، فإن كان إذا جمع الأنصبا لكل واحد منهما من الدارين في دار واحدة أصلح لهما حملهما الحاكم على ذلك؛ وإن أباه أحدهما، فإن كان الأصلح أن يعزل من كل دار نصيب كل واحد منهما على حِدَة، قسم على هذا الوجه، على موجب نص يحيى عليه السلام.
قال أبو العباس: إذا تشاجر الشركاء في الأنصباء يُقْرَع بينهم، ومن أبا ذلك يجبر عليه.
وأحسن ما يعمل في حريم رأس العين الكبيرة التي يفور ماؤها أن يُجعل خمسمائة ذراع من جوانبها الأربع، وأن يجعل حريم البئر الجاهلية خمسين ذراعاً، وحريم البئر الإسلامية أربعين ذراعاً.
قال رحمه اللّه: يجب أن يكون للنهر حريم، وهو القدر الذي يحتاج إليه لِمَلْقَى الطين، على أصل يحيى عليه السلام.(1/504)


وإذا تشاجر الجيران في عرض الشوارع والأزقة، فأحسن التقدير في عرض الشوارع التي تجتاز فيها المحامل والعَمَّارياتأن يكون اثني عشر ذراعاً، ويكون عرض الطريق التي هي دون /274/ ذلك سبعة أذرع، وأن يكون عرض الأزقة التي لا منفذ لها على عرض أوسع باب فيها.
وينبغي لإمام المسلمين أن يتفقد الطريق والشوارع ويمنع من تضييقها على المارة والمجتازين، ومِنْ فَتْحِ الكُنُف إليها، وأن يأمر بهدم الصوامع المشرفة على دور المسلمين من المساجد إذا كان من يرتقي إليها تبدو له حرمهم.
قال القاسم عليه السلام: لا بأس بأجرة القَسَّام إذا أعطاه الفريقان عطية وأنفسهما بها راضية. قال أبو العباس: معنى ذلك أنهما إذا ترافعا إلى الحاكم وطلبا القسمة، لم يجبرهما على استئجار من يقسم بينهما، وإنما يجبرهما على القسمة، فأما القَسَّام فربما وجداه بلا أجرة، وربما وجداه بأجرة، فيكون الاختيار إليهما في ارتياد من يقسم بأجرة أو بغير أجرة. قال أبو العباس: وأما قسام الإمام فأجرته من بيت المال.
وقال: أجرة القسام تكون على قدر الأنصباء لا على عدد الرؤوس، على أصل يحيى عليه السلام، والذي يجيء على أصله أن أجرة الكيال والوزان على البائع؛ لأن عليه إيفاء المشتري كيلاً أو وزناً، والصب من المكيال والميزان إلى الموضع الذي يريده المشتري على المشتري؛ لأن عليه القبض.
كتاب الرهن(1/505)


باب حكم الرهن وتوابعه وما يصح أن يكون رهناً ومالا يصح
يصح الرهن إذا قبضه المرتهن من الراهن، فإن لم يكن مقبوضاً لم يصح، ولا يصح قبل وجوب الحق، فإن رهنه على ما استقرضه من المرتهن صح الرهن إذا قبض المال، على مقتضى نص يحيى عليه السلام.
ولا يصحرهن الْمُشَاع. وقال في (المنتخب) : يصح رهن المشاع، والصحيح ما نص عليهفي (الأحكام) ، وما ذكره في (المنتخب) متاؤل.
والمرتَهِن لا يملك من الرهن شيئاً، إلا أن يلزمه بحقه، وليس له أن يبيعه ولا أن يرهنه ولا أن يركبه - إن كان مركوباً - إلا بإذن صاحبه، وليس له أن يعيره ولا أن يؤجِّره، ولا أن يزرعه - إن كان أرضاً -، فإن كان الرهن حيواناً فعلفه وأجرة من يقوم عليه ويرعاه ويحلبه - إن كان مما له لبن - على الرَّاهن، وإن كان مملوكاً كانت نفقته عليه/275/، وكذلك إن كان الرهن نخيلاً أو أرضاً، كانت أجرة من يقوم بسقيها ومراعاتها وحصد زرعها وجَذِّ ثمارها عليه، فإن كان الراهن غائباً والتزم المرتهن بهذه النفقات، ضمنها له الراهن (سواء كان بإذن الراهن أو بغير إذنه، أو بحكم الحاكم أو بغير حكمه)، فإن كان الحيوان مما له لبن فلبنه للراهن، ويكون رهناً، فإن حلبه المرتهن وباعه كان ثمنه رهناً عنده، وإن استهلكه بالإراقةضمن قيمته، وإن امتنع الراهن من حَلْبِه وكان تركه في ضرع الحيوان يضره، حلبه، وتكون أجرة من يحلب على الراهن واللبن له.(1/506)

101 / 168
ع
En
A+
A-