[ 66 ]
قاطع، لانه ليس له أن يتركه يتراكم في ثوبه، لما في ذلك من فحاشة الرائحة والقذر. حدثني أبي عن أبيه في الرجل يكون به القرح أو الجرب أو الحكة في جسده فيصيب ثوبه منه شئ فقال: إذا لم ينقطع ذلك عن صاحبه بالغسل والانقاء، فلا وضوء عليه، وإن كان مما يزول بالغسل وجب عليه غسله وقد رخص فيه أيضا فيما روي من الاحاديث.
باب القول في التيمم ومتى يجب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: التيمم يجب على من لم يجد الماء المفرد الطاهر، فمن لم يجد الماء المفرد الطاهر على ما ذكرنا، من حاضر أو مسافر وجب عليه التيمم. والتيمم فلا يجوز لاحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت، إن كان في ليل تيمم قبل طلوع الفجر وعند أياسه من وجود الماء، وخوفه من فوات وقت الصلوة. وكذلك إن كان في نهار تيمم في آخر وقت النهار، قبل غروب الشمس وصلى صلاة نهاره، ولا يجوز للمتيمم أن يصلي صلاتين بتيمم واحد، إلا أن تكون صلوة ونافلتها فيجزيه ذلك عن التيمم مرتين، مثل من صلى صلوة العصر قبل الغروب وفي آخر وقت وعند اياسه من الماء. فذلك لا يجوز له أن يصلي المغرب بذلك التيمم. لان عليه الاراغة (51) للماء، والطلب له والاجتهاد فيه مادام عليه من وقت المغرب شئ، وإذا كان عليه طلب الماء للصلاة إلى آخر وقتها لم يجز له أن يصليها بتيمم تيممه لغيرها، لانه في ذلك ومع أياسه طامع من الله بتهيئته له، والمن به عليه، بمطر أو غيره من الاسباب.
---
ص 66 (51) الاراغة: طلب الماء.
---(1/66)
[ 67 ]
حدثني أبي عن أبيه في التيمم. متى يتيمم المتيمم؟، قال: يتيمم في آخر الوقت وعند أياسه من وجود الماء. وحدثني أبي عن أبيه في المتيمم كم من صلوة يصلي به؟ فقال: صلوة واحدة، ويتيمم لوقت كل صلوة. وحدثني أبي عن أبيه أنه قال: إن سأل سائل عن رجل لا يجد الماء، وكان في موضع لا يقدر فيه على طيب الصعيد كيف يصنع؟ وما الذي يجب عليه؟، قيل له عليه أن يصلي، ولا يتيمم بشئ غير الصعيد، إلا أن يجد الصعيد الذي أمر الله به فيتيمم به، لان الله تبارك وتعالى لم يذكر الطهارة إلا بالماء أو بالصعيد الطيب، وقد علم الله سبحانه مكان غيرهما من جميع الاشياء، فلم يأمر الله المؤمنين به، فمتى لم يجد الجنب ماء طاهرا، ولا صعيدا طيبا فقد زال عنه فرض الطهارة التي أمر الله بها، وعليه أن يصلي وإن كان غير طاهر. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الوقت - الذي يجب للمتيمم التيمم فيه - هو الوقت الذي لو وجد بعده وبعد انصرافه من صلاته تلك ماء لم يجب عليه التطهر فيه، ولا الاعادة لما صلى من الصلوة. ولا يجوز لمتيمم أن يتيمم في وقت يكون بعده وقت لو وجد فيه ماء لوجب عليه أن يتوضأ بذلك الماء، ويعيد ما صلى من تلك الصلاة، لانه قد وجد الماء في وقت من أوقاتها، يجب عليه فيه صلوتها.
باب القول في حد التيمم وتفسيره
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: حد التيمم إلى المرفقين ولا يجوز لاحد أن يتيمم إلى الرسغين. وحد التيمم لمن لم
---(1/67)
[ 68 ]
يجد الماء كحد الغسل لمن وجد الماء كما قال الله سبحنه حين يقول: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) فأوجب سبحانه غسل الوجه كله، من مقاص الشعر إلى حد الاذنين إلى اللحيين إلى الذقن، وأوجب غسل اليدين إلى المرفقين، ومعنى قوله إلى المرافق فهو حتى المرافق، فأراد بقوله فاغسلوا وجوهكم وأيديكم حتى المرافق، فقامت إلى مقام حتى، وكذلك قوله إلى الكعبين أراد حتى الكعبين، وهذه الحروف التي تدعا حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض وتجزي بعضها عن بعض وفي ذلك ما يقول الشاعر. شربن بماء البحر ثم ترفعت لدى لجج خضر لهن نئيج فقال: لدى لجج وإنما أراد على لجج، فقامت لدى مقام على، والشاهد لذلك قول الله سبحانه فيما عبر من قول فرعون حين يقول سبحانه ويحكي عنه من قوله: (ولاصلبنكم في جذوع النخل) (53) وإنما أراد على جذوع النخل، فقامت في مقام على. فيجب على المتيمم إذا أراد التيمم أن يعتمد الصعيد الطيب الطاهر الذي لا قذر فيه ولا درن، فيضرب بيديه مصفوفتين على الصعيد الطيب ضربتين، ضربة لوجهه، وضربة لذراعيه، يمسح بالاولى وجهه، ثم يمسح في الآخرة بيده اليسرى من أظافير يده اليمنى إلى أن يجوز مرفقها، ثم يرد كفه اليسرى على باطن ذراعه اليمنى، ثم يمسح بما في كفه اليمنى من الصعيد يده اليسرى على ما فعل باليمنى. حدثني أبي عن أبيه قال: حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن
---
ص 68 (52) المائدة 6.
(53) طه 71.
---(1/68)
[ 69 ]
الحسين بن عبد الله بن ضميره عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. أنه قال في التيمم: الوجه واليدان إلى المرفقين. حدثني أبي عن أبيه في التيمم قال: حد التيمم بالصعيد إلى المرفقين كحد الوضوء. وقد ذكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يأمر بذلك.
باب القول فيما يعمل الجنب إذا لم يجد الماء ولا الصعيد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أي جنب أو غير جنب لم يجد الماء ولا الصعيد فعليه أن يصلي بغير تيمم، ولا يتيمم بغير الصعيد الذي أمر الله بالتيمم به، وجعله طهورا لمن لم يجد الماء. والصعيد فهو التراب لا غيره. فمن لم يجد التراب فهو كمن لم يجد الماء، وعليه أن يؤدي ما افترض الله عليه من الصلاة، وإن لم يكن طاهرا، إذا لم يجد ما يطهره من الماء أو الصعيد، لان زوال التطهر عنه لعدمه لما يتطهر به لا يزيل عنه ما افترض الله عليه من الصلاة، لانه في ترك ما لم يستطع فعله، ولم يجد السبيل إليه معذور، وعليه أن يأتي بما سوى ذلك من الفروض في كل الامور.
باب القول في المسافر يجتنب ومعه ماء وهو يخشى أن اغتسل بالماء على نفسه تلفا من العطش
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من خشي من المسافرين على نفسه تلفا إن هو توضأ بما معه من الماء، لم يجز له أن
---(1/69)
[ 70 ]
يتطهر بما معه من الماء، وكان واجبا عليه أن يتيمم بالصعيد، لان الله سبحانه لم يكلف أحدا من عباده عسرا بل كلفهم من أمورهم يسرا، وأعطاهم على ذلك كثيرا، ونهاهم عن قتل أنفسهم، وعن الالقاء إلى التهلكة بأيديهم، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (54) وقال سبحانه: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) (55) ويقول سبحانه: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (56) فيجب على من خشي على نفسه إن هو تطهر بما معه من الماء تلفا أن لا يتطهر به، لان تطهره به حرام، وعليه استبقاؤه لنفسه لا يسعه غير ذلك، ولا يجوز له أن يفعل إلا كذلك. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: إن سأل سائل عن رجل معه بقية من الماء وهو مسافر فخاف إن تطهر به أن يهلك عطشا؟ قيل له لا يحل له أن يتوضأ بالماء الذي معه إذا كان أمره كذلك، لان الله سبحانه حرم عليه إتلاف نفسه وإهلاكها فقال: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا) (57) وعليه أن يتيمم صعيدا طيبا، كما أمره الله سبحانه فيمسح به وجهه ويديه، ويمسك الماء على نفسه وكذلك من خاف على نفسه سلطانا جائرا أو لصوصا أو سبعا إن هو طلب الماء فعليه أن يتيمم بالصعيد الطيب، ومحرم عليه في جميع ذلك أن يعترض نفسه للتلف والعطب. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: معنى قوله رضوان الله
---
ص 70 (54) البقرة 198.
(55) النساء 29.
(56) البقرة 185.
(57) النساء 29.
---(1/70)